فإن قيل: هي في تبارك والكوثر بعضُ آية، وفي الحمد آيةٌ تامةٌ.
قيل: هذا محال، لأنّه لا يجوز أن تكون آيةً كاملةً في موضعٍ وفي غيره
بعضَ آيةٍ وهي كلامٌ واحدٌ غيرُ مختلفٍ ولا متفاضِلٍ في نظمه أو عددِ
حروفه، فكلُّ هذا يدلُّ على أنّها ليست بقرآنٍ ولا آيةً من الحمد ولا مِن
غيرها إلا في سورة النمل.
وممّا يدلّ على ذلك أيضًا قوله: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) .
فلو كانت من الحمدِ ومن كل سورةٍ لحفظها الله تعالى علينا.
وجعلَ لنا إلى العلمِ بذلك طريقًا، ولم ينكر سلفُ الأمّة وأكثرُ خَلَفها كونَها
قرآنًا من الحمدِ ومن كل سورة، كما أنّها لمّا كانت قرآنًا من النّمل لم يُنكر
ذلك أحدٌ ولم يُختَلَفُ فيه.
فإن قيل: فإن لم تُثبتوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قرآنًا، باختلافٍ وخَبَرٍ
غير متواتر فلا تثبتوا أيضًا المعوّذتين قرآنًا لوقوعِ الخلافِ فيهما؟
قيل لهم: معاذَ الله أن يكونَ السلفُ اختلفوا في أن المعوّذتين قرآن.
وإنّما اختلفوا فى إثباتها في المصحَف، وكان عبدُ الله بنُ مسعودٍ لا يرى
ذلك، لأنّه لم يكن عنده سُنّةٌ فيهما، فأمّا أن يُنكِرَ كونَها قرآنًا فذلك باطل.
وشيء آخر، وهو أنّه قد ثبتَ القرآنُ بإعجازِ نظمِه وإن لم يثبت بالتواتر.
والإعجاز قائم في المعوّذتين وليس هي في بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ولا
خبر متواتر يعلَمُ في ذلك، فبطل ما قالوه.
فإن قيل: فإذا قلتم إن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ليست آيةً من الحمد ولا
من جمل سورةٍ هيَ في افتتاحها، فهل تكفّرون مَن قال إنّها من الحمد وأنّه
بمثابةِ من قال إنَّ: "قِفا نَبْكِ" من الحمد أم لا؟