٣٤ - فصل
ذكرت في الرسالة من الاستدلال لنا: أن أفعال العبد خلق لله وليست بخلق العباد لأن أفعال العباد تقع على صفات محكمة وحقائق ثابتة وإعداد في الفعل، والفاعل لها من الخلق لا يعلم تلك الأوصاف (^١) وأعداد الحركات فيها قبل وجودها منه، بل تقع منه وهو ساه أو نائم وتقع من الصبيان والمجانين، فلما لم يعلم ذلك قبل الفعل ولا بعده دل على أنه غير خالق لها لأن الخالق يعلم خلقه قبله وبعده، وقد نبه الله بذلك على الخالق بقوله تعالى: ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ﴾ (^٢).
ويدل على أنه لا يعلم خلقه أن رجلين لو ثرد (^٣) كل واحد منهما رغيفًا ثم جمعها ما ثردا لم يقدر أحدهما على تمييز ما ثرده عما ثرده الآخر ولا يقدر على ذلك، ولا يعلم عدد حركات المكتسبين وصفة ذلك قبل الفعل وبعده إلا الله سبحانه الذي خلق كل شيء وقدره تقديرًا، فعلم أنه الخالق لهما ولما ثرداه ولما فعلاه في الثرد، قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ (^٤).
فأجاب هذا المخالف عن ذلك بكلام منحوله (^٥) وحاصله:
أن علم الله بما فعل لا يدل أن كل فاعل يجب أن يعلم ما فعل، ألا ترى أن العباد مكتسبون لهذه الأفعال عند هذا المستدل وهم غير عالمين بما اكتسبوا