انتصار
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
قلنا: عن هذا جوابان:
أما أولا: فلأن ما كان حاصلا بطريق الاستنباط فهو من فن الأقيسة، وقد أوضحنا أن ذلك ليس مأخوذا من جهة القياس.
وأما ثانيا: فلأنه إنما يصار إلى الاستنباط في الأقيسة إذا انسدت مسالك التنبيهات ، وها هنا يمكن أخذ العلة فيه من جهة التنبيه، فلا يجوز التعويل على الاستنباط في ما هذا حاله، فتنخل من مجموع ما ذكرناه أن التعويل في ذلك على العموم والظواهر دون الأقيسة، وهذا الذي اخترناه هو الظاهر من مذهب المؤيد بالله؛ لأنه لم يعول في ذلك على الأقيسة وإنما عول على التنصيص في طهارة ما عدا فم الهرة، فإن كان غرضه بالنصوصية هو الذي أردناه بالظهور من جهة الدلالة اللفظية بطريق العموم فهو المراد، وإن كان غرضه التنصيص على العلة بطريق التعليل فهو من الأقيسة فلا مدخل له هاهنا كما مر تقريره، وإن كان غرضه بالتنصيص أنه منصوص على ذلك بطريق التصريح الذي لا احتمال فيه، فهذا غير حاصل ها هنا فلا يمكن دعواه، والله أعلم.
الفرع الثامن: وإذا افترس الهر حيوانا ثم ولغ في ماء قليل قبل ذهاب اليوم أو الليلة أو مجموعهما، فهل يكون الماء نجسا أم لا؟ فعلى رأي الأكثر من أئمة العترة وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والشافعي: أنه يكون نجسا.
والحجة على ذلك: هو أن الماء القليل ينجس باتصال النجاسة به، وإن لم يكن متغيرا بها.
فأما على رأي الإمام القاسم بن إبراهيم وهو المحكي عن مالك، وهو المختار، فإنه ينظر في حال الماء، فإن تغير بالولوغ فإنه يكون نجسا، وإن لم يتغير بالولوغ فإنه يكون طاهرا.
والحجة على ذلك: قوله عليه السلام (( خلق الماء طهورا لا ينجسه إلا ما غير ريحه أو لونه )). وقد قررنا هذه المسألة فيما سبق فأغنى عن التكرير.
مخ ۴۲۹