349

انتصار

الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197

ژانرونه

فقه

قلنا: قولكم: لا يؤكل بعد موته، تحترزون به عن السمك والجراد فإنهما يؤكلان بعد موتهما وهذا جيد، ولكن قولكم: لا يؤكل لا لحرمته، وصف عديم التأثير؛ لأنكم إنما ذكرتموه تحترزون به عن الآدمى فإنه لا يؤكل لحرمته ومع ذلك فإن وقوعه في الماء لاينجسه إذا مات فيه، لأن من مذهبكم أن الآدمي لا ينجس بالموت فلأجل هذا قلنا: إن قولكم لا لحرمته عديم التأثير لا معنى له فإن ذكره يفسد العلة ويبطلها، ثم إنا نقول: إن ما ذكره الشافعي في تعليل تنجيس ماليس له دم سائل، قياس فاسد الاعتبار؛ لأنه مخالف للإجماع، فإن ما هذا حاله من الأقيسة فإنه لا يعول عليه لفساد وصفه واعتباره. قال ابن المنذر (¬3): ولا أعلم أحدا قال: إنه ينجس الماء بموته فيه إلا الشافعي، وعن أبي بكر الرازي (¬4) أنه قال: إن الشافعي قد خالف الإجماع في تنجيس الماء بموت ما لا دم له سائل، وما هذا حاله من الأقيسة يكون باطلا لا جريان له في الأحكام الشرعية والفتاوى الفقهية. قال العمراني في (البيان): وإذا قلنا: لا ينجس الماء بموت ما لا دم له سائل فإنه قول عامة الفقهاء، وحكي عن أكثر أصحاب الشافعي أنهم قالوا: إنه الأصلح للناس.

مسألة: تشتمل على فروع على هذه القاعدة التي تقدمت وجملتها خمسة:

الفرع الأول منها: الحيوان الطاهر غير الكلب والخنزير إذا مات فإنه ينظر فيه، فإن كان مما ليس له نفس سائلة فإنه طاهر كما مر بيانه لحديث سلمان: (( كل طعام وشراب ماتت فيه دابة ليس لها نفس سائلة)).. الخبر، وقد قدمناه.

وإن كان له نفس سائلة كالحوت على اختلاف أنواعه فهو طاهر، لقوله عليه السلام: (( أحلت لنا ميتتان ودمان، فالميتتان: الحوت والجراد، والدمان: الكبد والطحال)). فإن قطع من السمك قطعة وبقيت السمكة حية فهل يحكم بطهارة تلك القطعة أم لا؟ فيه وجهان:

أحدهما: أنها تكون نجسة لقوله عليه السلام: (( ما أبين من الحي فهو ميت))(¬1). ولم يفصل.

وثانيهما: أنها تكون طاهرة؛ لأن ميتة السمك طاهرة، وهكذا حال الجراد إذا قطع يكون فيه الوجهان.

والمختار: هو الحكم بطهارة تلك القطعة المبانة، لأن المحذور أن تكون ميتة، وقد دل الشرع على جواز أكل ميتة هذين النوعين بجملته فضلا عن قطعة من أبعاضه، فلهذا فارق غيره من سائر الحيوانات عند الإبانة، لما ذكرناه.

وإن كان غير الحوت فهو نجس كسائر الحيوانات التي لها دم سائل، لقوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة}[المائدة:3].

مخ ۳۵۵