340

انتصار

الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197

ژانرونه

فقه

والمختار هاهنا: تفصيل نشير إليه، وتقريره أنا نقول: إن الشرع قد ورد دالا على نجاسة الدم على جهة العموم والإطلاق كقوله تعالى:{إنما حرم عليكم الميتة والدم}[النحل:115]. إلى غير ذلك من الآيات المطلقة. وكالحديث الوارد من طريق عمار وهو قوله: (( إنما تغسل ثوبك من الدم )). إلى غير ذلك من الأخبار، وورد أيضا نجاسته على جهة التقييد، كقوله تعالى: {أو دما مسفوحا}[الأنعام:145]. فقيد نجاسته بالسفح ولم يطلقه، فإذا كان الأمر فيه كما قررناه وجب الجمع بين الأدلة، وحمل المطلق على المقيد، فلا ينجس من الدم إلا ما كان سافحا، والسفح: الصب، من قولهم: سفح الماء إذا صبه، وسفح الدم إذا سفكه، وأقل السفح ما جاوز محله؛ لأنه يكون سافحا لا محالة، فخرج من هذا ما كان على حد رؤوس الإبر وحب الخردل، ولا يحرم أكله إلا ماكان كذلك(¬1). فيخرج عن هذا الدم الذى يبقى في العروق بعد الذبح وعلى الحلقوم عند الذبح، وعلى هذا يكون المعيار الضابط في الطهارة والتنجيس وحل الأكل وتحريمه، إنما هو السيلان كما أشار إليه الشرع، وفيه وفاء بالجمع بين الأدلة والعمل بها، ويؤيد هذا الاختيار، ماروى زيد بن علي عن آبائه عن أمير المؤمنين (كرم الله وجهه) أنه قال: خرجت مع رسول الله (( وقد تطهر للصلاة فأمس إبهامه أنفه فإذا هو قد رأى دما فأعادها أخرى فلم ير شيئا وجف في إبهامه، فأهوى بيده إلى الأرض فمسحها ولم يحدث وضوء ا ومضى إلى الصلاة))(¬2). فهذا فيه دلالة على أنه إذا كان غير سافح لم ينجس وأن ما دون السفح يكون يسيرا يعفى عنه، ولهذا فإنه لم يغسل يده ولا أنفه من ذلك الدم فدل على طهارته، ولأنه لما تعذر الاحتراز منه رفع الشرع حكمه كما رفع كثيرا من النجاسات لما تعذر الاحتراز منها.

الانتصار: يكون على من قال: إنه طاهر على الإطلاق، وعلى من قال: إنه نجس على الإطلاق، فهذان فريقان:

الفريق الأول: من قال: بطهارته مطلقا، كالسيدين: أبي العباس وأبي طالب، وأبي حنيفة.

قالوا: دم غير مسفوح فأشبه الكبد والطحال في طهارتهما.

قلنا: هذا هو الذي نرتضيه مذهبا، أعني اشتراط السفح لنجاسته كما مر تقريره، وهو يرد إبطالا لما ذهب إليه الشافعي من نجاسته وإن لم يكن سافحا.

قالوا: حيوان لا ينجس الماء بموته فكان دمه طاهرا كالسمك.

قلنا: إن عنيتم أنه طاهر وإن سفح فهذا لا نسلمه، وقد قررنا الكلام في نجاسة دم السمك لما كان سافحا، وإن عنيتم أنه إذا كان غير سافح فهو طاهر، فهذا هو مرادنا ولا ننكره.

مخ ۳۴۶