انتصار
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
ژانرونه
والحجة على ذلك: من جهة القياس، وهو أنه ليس بدم سائل فوجب الحكم بطهارته كالدم الذى يبقى في العروق بعد الذبح، أو نقول: إنه غير سافح، فوجب أن لا يحكم بنجاسته كالكبد والطحال؛ فإنهما في الأصل دمان، بدليل قوله : (( أحل لنا ميتتان ودمان)). فأما الميتتان: فالسمك والجراد، وأما الدمان: فالكبد والطحال، فسماهما دما؛ لأن أصلهما من الدم، لكنه انعقد وصار جامدا على هذه الكيفية، أو نقول: قد إتفقنا على أن موته في الماء لاينجسه فلو كان دمه نجسا لنجسه كالشاه لما كان دمها سائلا فإنها تنجس الماء بموتها فيه. فهذه حجج مناسبة تدل على طهارته.
المذهب الثاني: أنها نجسة. وهذا هو المحكي عن الشافعي، فأما المؤيد بالله فلم يختلف قوله في دم البق أنه نجس إذا كان سافحا، وأما دم البراغيث فقال أولا: إنه يكون نجسا. وقال آخرا: إنه يكون طاهرا.
والحجة للمؤيد بالله والشافعي في نجاسة البق قوله تعالى {حرمت عليكم الميتة والدم}[المائدة:3]. وهذا عام في جميع الدماء إلا ماخرج عنه بدلالة، ولأنه دم سائل فوجب أن يكون نجسا، دليله: دم سائر الحيوانات السافحة، أو نقول: حيوان له دم سائل فوجب القضاء بنجاسته، دليله: جميع الدماء السافحة. فأما تردد المؤيد بالله في البراغيث فوجه الحكم بنجاسته: هو أنه دم فأشبه سائر الدماء السائلة، ووجه كونه طاهرا: هو أنه قد خرج بكونه في أكراشها عن صفة الدم، فلهذا لم يكن نجسا.
فأما الكتان فلم يذكروه وأظنه غير واقع في ديارهم، وهو في معنى البق؛ لأنه يغرس منقاره في الجسم ويمص الدم حتى يملأ كرشه، وله لدغ شديد أشد من لدغ البق والبراغيث، وضرره أعظم في الإيلام والأذية، فلهذا كان الخلاف فيها واحدا، فهذا تقرير هذه المذاهب بأدلتها.
مخ ۳۴۵