272

انتصار

الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197

ژانرونه

فقه

وليس العجب من الفقهاء فيما ذهبوا [إليه] من جواز التوضؤ بالماء المغصوب، لأن قصارى أنظارهم مستندة إلى الظواهر الشرعية، وإنما العجب من الإخوان الفئة العدلية شيوخ المعتزلة، حيث زعموا صحة التوضؤ بالماء المغصوب مع استطالة أيديهم في المباحث الكلامية وقوة أنظارهم في المسائل الدينية وتحققهم أن القربة من شرط الوضوء وأن المعصية منافية لها، وأن الوضوء مأمور به، فكيف ينهى عنه لكونه غصبا، وأنه مراد لكونه عبادة فكيف يكون مكروها لما تضمن من المعصية من الغصب؟ وكل هذه الأسرار مأخوذة من الأسرار الكلامية وهم أعلم بها وأكثر إحاطة بحقائقها من الفقهاء، فهم في التحقيق أحق بالقول بعدم الجواز لما ذكرناه.

ويدل على التصويب فيها: أن خوض الفقهاء فيها كخوضهم في سائر المسائل الخلافية من غير تخطئة ولا تأثيم لمن خالف قول صاحبه في المسألة، وهذه أمارة قوية في كون المسألة اجتهادية؛ لأن الأدلة لو كانت قاطعة لكان الحق واحدا فيها، ولكان من خالفه مخطئا كما في المسائل الدينية والمضطربات الأصولية، وقد قررنا في مقدمة الكتاب الفرق بين المسائل القطعية والظنية فلا وجه لتكريره.

مسألة: في الآسار، السؤر مهموز وجمعه آسار وهو: عبارة عما يفضل من الطعام والشراب في الإناء، وما فضل في الإناء من سؤر المؤمن من شرابه وغسله ووضوئه فهو طاهر عند أئمة العترة، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، والشافعي وأصحابه، ومالك، ولا يؤثر فيه خلاف بين الأمة.

والحجة على ذلك: هو ما مر من الظواهر الشرعية في طهارة الماء كقوله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا}[الفرقان:48]. وقوله : (( خلق الماء طهورا لا ينجسه إلا ما غير ريحه أو طعمه )). إلى غير ذلك من الأخبار الواردة.

الحجة الثانية: قوله : (( المؤمن لا ينجس ))(¬1). ولم يفصل بين وضوئه وغسله وعرقه ولعابه، ولا ينجس من ذلك إلا ما خصته دلالة، ولأنه لم يعرض له ما يبطل التوضؤ به والاغتسال من غير نجاسة ولا استعمال، فيجب القضاء بطهارته.

مخ ۲۷۷