267

انتصار

الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197

ژانرونه

فقه

فحصل من مجموع ما ذكرناه أن غسل النجاسة هو تأدية شرط لا تأدية عبادة، بخلاف الوضوء فإنه عبادة تفتقر إلى النية، فلهذا جاز غسل النجاسة بالماء المغصوب بخلاف الوضوء فبطل ما توهموه من الجمع بينهما.

قالوا: عبادة تدخلها النيابة، فلم يكن التلبس بالمغصوب مفسدا لها كالذبح بالسكين المغصوبة والوقوف على جمل مغصوب.

قلنا: هذا القياس فاسد لأوجه ثلاثة:

أما أولا: فبالمنع من حصول العلة في الفرع، فإنه لا نسلم النيابة في الوضوء، فإن حقيقة النيابة أن يتوضأ عنه غيره وهذا لا قائل به، فأما أن غيره يوضيه فهذا ليس نيابة وإنما هو استعانة لا نيابة.

وأما ثانيا: فبالفرق، وهو أن الوقوف على جمل ليس واجبا، بل لو وقف على قدميه أجزأه، وهكذا لو ذبح بالمروة والسيف أجزأه وبكل ما يفري الأوداج ويبهر الدم، فالذبح بالسكين غير واجب بخلاف الوضوء فإنه يجب عليه استعمال عين الماء ولا يجزيه غيره فافترقا.

وأما ثالثا: فلأن ما ذكروه من القياس فاسد الاعتبار، فإن الوضوء بالماء بعيد عن الذبح بالسكين المغصوب والوقوف على جمل حرام، فلا يقاس أحدهما على الآخر لبعد أحدهما عن الآخر؛ لأن السكين آلة في الذبح كالقوس للرمي، والجمل آلة في الوقوف راكبا كالقلم للكتابة، بخلاف الوضوء فإنه ليس بحقيقة الآلة بل هو عبادة منفصلة على جهة الاستقلال، وإنما الآلة أن يغتصب دلوا وحبلا فيستسقي بهما ماء حلالا ثم يتوضأ به، فهذا يكون نظيرا لمسألتنا ولا نخالف فيه؛ لأنهما يتوصل بهما إلى تحصيل الماء فهما بحقيقة الآلة أشبه فبطل ما قالوه.

قالوا: الغصب لا يعقل في الماء؛ لأنه على أصل الإباحة بدليل قوله : (( المؤمن أخو المؤمن يسعهما الماء والشجر ويتعاونان على الفتان))(¬1). يعني الشيطان، وقوله : (( الناس شركاء في ثلاثة: في الماء والنار والكلأ))(¬2).

مخ ۲۷۲