انتصار
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
ژانرونه
المأخذ الخامس: استعمال العموم مع قيام المخصص، ومثاله: استدلال الشافعي على وجوب المتعة في حق المدخول بها بقوله تعالى: {وللمطلقات متاع بالمعروف}[البقرة:241] . فما هذا حاله يكون مردودا؛ لأنه استدلال بالعموم مع قيام دلالة التخصيص وهو قوله : (( فلها المهر بما استحل من فرجها)) فأوجب للمدخول بها المهر لا غير، فلا تكون مندرجة تحت قوله تعالى: {وللمطلقات متاع بالمعروف} فلا يصح الاحتجاج به مع قيام ما ذكرناه من المخصص، وإنما يكون دلالة فيما عداه، وهو المطلقة غير المدخول بها ممن لم يسم لها مهر، ويبطل هذا الاستدلال بما ذكرناه من استصحاب الإجماع في محل الخلاف؛ لأنهما سيان في الإبطال؛ وكمن يحتج بقتل المرتدة بقوله : (( من بدل دينه فاقتلوه)). فما هذا حاله في الرجال والنساء على العموم، فيجب قتله بظاهر هذا العموم، وهذا غير صحيح، فإن قوله : (( نهيت عن قتل النساء)). قد أخرجه عن العموم فلا يصح الاحتجاج بالعموم مع وجود هذا المخصص؛ لأنه يدل على خروجه عنه فلا يكون مقصودا به.
المأخذ السادس: قول الواحد من الصحابة، هل يكون حجة أم لا؟
فحكي عن الشافعي في القديم: أنه جعله حجة وقدمه على القياس، ومثاله: ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال فيمن ظاهر من نسوة له أربع: إنه يلزمه كفارة واحدة عن جميعهن، ورجع الشافعي في الجديد عن هذا وقال: إنه لا يكون حجة بحال.
وحكي عن أبي حنيفة: أنه إذا خالف القياس كان توقيفا من جهة الرسول ومثاله: ما استدل به أصحاب أبي حنيفة فيمن اشترى شيئا بثمن ثم باعه بأقل من ذلك الثمن قبل أن ينقد الثمن في البيع الأول، أن ذلك غير جائز، لما روي أن عائشة (رضي الله عنها) أنكرت ذلك على زيد بن أرقم (¬1)، وقالت لأم ولده: أخبري زيدا أنه أحبط جهاده مع رسول الله إلا أن يتوب، فدل ذلك على أنها لم تغلظ في القول بإحباط الجهاد والإثم إلا عن توقيف، وهذه تسمى العينة(¬2).
وحكي عن مالك: أنه حجة مع مخالفة القياس كمقالة الشافعي في القديم.
وقد عول أصحابنا على ما قاله أبو حنيفة من حجة أن قول الصحابي إذا كان موافقا للقياس، فظاهر الحال أنه على رأي له فلا يكون فيه حجة، بخلاف ما إذا كان مخالفا للقياس فلا تكون مخالفته للقياس إلا لأمر أحق من القياس وأولى وهو التوقيف من جهة الشارع.
مخ ۱۸۶