<tl١>بسم الله الرحمن الرحيم</tl١> الحمد لله على ما يسر (١) من حق متبع وصرف من باطل مبتدع (٢)، وأرشد إلى دلالة، وأبعد من ضلالة وجهالة، وصلاته على خير (٣) الأنبياء وأفضلهم وأكرمهم (٤) سيدنا محمد وعلى الأكارم المعالم من أهله الذين سلكوا منهاجه واتبعوا محاجة وحفظوا من التبديل والتغيير شريعته وبينوا مجملها وفسروا مشكلها وأقاموا دعامها وقربوا مرامها وسلامه وتحياته أما بعد: فإني ممتثل ما رسمته الحضرة السامية الوزيرية العميدية أدام الله سلطانها، وأعلا أبدا شأنها ومكانها من بيان المسائل الفقهية التي شنع بها على الشيعة الإمامية، وادعي عليهم مخالفة الإجماع وأكثرها موافق فيه الشيعة غيرهم من العلماء والفقهاء المتقدمين أو المتأخرين وما ليس لهم فيه موافق من غيرهم فعليه من الأدلة الواضحة والحجج اللائحة ما يغني عن وفاق الموافق ولا يوحش معه خلاف المخالف، وأن أبين (٥) ذلك وأفصله وأزيل
مخ ۷۵
الشبهة (١) المعترضة فيه وها أنا ذا مبتدئا بذلك ومعتمدا من الإيجاز والاختصار ما لا يخل بمهم وإن كان خارجا عن إكثار يفضي إلى إملال وإضجار وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وبه استعنت واعتصمت.
ومما يجب تقديمه - فهو الأصل الذي عليه يتفرع ما نحن بسبيله ومنه يتشعب - أن الشناعة إنما تجب في المذهب الذي لا دليل عليه يعضده (٢)، ولا حجة لقائله فيه فإن الباطل هو العاري من الحجج والبينات البري من الدلالات فأما ما عليه دليل يعضده وحجة تعمده فهو الحق اليقين ولا يضره الخلاف فيه وقلة عدد القائل به، كما لا ينفع في الأول الاتفاق عليه وكثرة عدد الذاهب إليه، وإنما يسأل الذاهب إلى مذهب عن دلالته على صحته وحجته القائدة له إليه لا عمن يوافقه فيه أو يخالفه.
على أنه لا أحد من فقهاء الأمصار إلا وهو ذاهب إلى مذاهب تفرد بها مخالفوه كلهم على خلافها فكيف جازت الشناعة على الشيعة بالمذاهب التي تفردوا بها ولم يشنع على كل فقيه كأبي حنيفة والشافعي ومالك ومن تأخر عن زمانهم بالمذاهب التي تفرد بها؟ وكل الفقهاء على خلافه فيها، وما الفرق بين ما انفردت به الشيعة من المذاهب التي لا موافق لهم فيها وبين ما انفرد به أبو حنيفة أو الشافعي من المذاهب التي لا موافق له فيها؟
فإن قالوا: الفرق بين الأمرين: أن كل مذهب تفرد به أبو حنيفة فله موافق من فقهاء أهل الكوفة فيه، أو من السلف المتقدم وكذلك ما تفرد به الشافعي له فيه موافقون من أهل الحجاز من السلف، وليس كذلك الشيعة.
قلنا: ليس كل مذهب تفرد به أبو حنيفة أو الشافعي يعلم أن أهل الكوفة
مخ ۷۶
أو أهل الحجاز أو السلف قائلون به وإن ادعى ذلك دون ما هو معلوم مسلم غير منازع فيه، فالشيعة أيضا تدعي وتروي أن مذاهبها التي انفردت بها هي مذاهب جعفر بن محمد الصادق ومحمد ابن علي الباقر وعلي بن الحسين زين العابدين (عليهم السلام) بل تروي هذه المذاهب عن أمير المؤمنين علي (١) (صلوات الله عليه) وتسندها إليه، فاجعلوا لهم من ذلك ما جعلتموه لأبي حنيفة وللشافعي وفلان وفلان، أو أنزلوهم على أقل الأحوال منزلة ابن حنبل وداود ومحمد بن جرير الطبري فيما انفردوا به فإنكم تعدونهم خلافا فيما انفردوا به، ولا تعدون الشيعة خلافا فيما انفردوا به وهذا ظلم لهم وتحيف عليهم.
على أن من مذاهب أبي حنيفة التي استدركها بالقياس ما لا يمكنه أن يدعي أن له في القول بها سلفا من الصحابة ولا التابعين ولو شئنا لأشرنا إلى فروع كثيرة له بهذه الصفة فكيف لم تشنعوا عليه بأنه ذهب إلى ما لم يذهب إليه أحد قبله وشنعتم على الشيعة بمثل ذلك؟
فإن قالوا الفرق بين الأمرين: أن أبا حنيفة وإن تفرد بمذاهب قاده إليها القياس ولم يعلم سابق له إليها فإن تلك المسائل لم يجر لها في السلف ذكر ولا سبق لها حكم ولا خاض فيها أهل العلم فينعقد فيها إجماع أو خلاف، والشيعة انفردت بمذاهب تخالف ما علمنا إجماع السلف كلهم على خلاف قولهم فيها.
قلنا: قد مضى أن دعواكم إجماعا متقدما على خلاف ما يقوله الشيعة عارية من برهان، وأن القوم يسندون مذاهبهم إلى جماعة من السلف يخرج قولهم وخلافهم في تلك المسألة من أن تكون إجماعا على خلاف مذاهبهم.
مخ ۷۷
وبعد، فإذا سلم لكم ذلك على ما فيه فيجب أن تعذروا الشيعة خلافا فيما انفردوا به فيما يخالف مذاهب أبي حنيفة التي استدركها بالقياس، ولا سلف له فيها ولا إجماع تقدم عليها، وما نراكم تعدونهم خلافا في شئ مما انفردوا به ولا تنوعون (١) ذلك حسب ما أفضى (٢) الكلام الآن إليه.
على أنكم تعتدون بخلاف داود بن علي ومحمد بن جرير وابن حنبل في المسائل التي تفردوا بها وعندكم أن الإجماع السالف منعقد على خلافها وتناظرونهم عليها فألا أسقطتم الاعتداد بهم في الخلاف والمناظرة لهم في هذه المسائل كما فعلتم مع الشيعة؟ أو أجريتم الشيعة مجراهم في الاعتداد والمناظرة؟
فإن قالوا: لو كان ما يدعيه الشيعة في مذاهب الصادق والباقر عليهما السلام حقا لوجب أن نعلمه كما علموه، ويزول الخلاف فيه منا كما علمت الشيعة بمذاهب سلفنا من أبي حنيفة والشافعي وغيرهما ممن تقدمهما.
قلنا: ليس يجب أن يعلم الأجانب والأباعد من مذهب العالم ما يعلمه أصحابه وخلصاؤه وملازموه ومؤانسوه، ولهذا لا نعلم كثيرا (٣) من مذاهب أبي حنيفة وإنما يعلمها (٤) أصحابه والمنتمون إليه فمن هو أخص بالصادق والباقر " عليهما السلام " من أصحابهما وشيعتهما أعلم بمذاهبهما ممن ليست له هذه الصفة معهما (عليهما السلام).
على أنا لا نعلم كثيرا من المذاهب التي يدعيها مخالفونا مذهبا لأمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ونروي عنه ونحكي خلاف ما يروون ويحكون (٥) فعذرهم في
مخ ۷۸
أنا لا نعلم ذلك هو عذرنا في أن لم يعلموا المذاهب التي ندعيها ونحكيها عن أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ وعلماء أبنائه (صلوات الله عليهم)، فليعتذروا بما شاؤوا.
ثم نقول لهم: كيف علمنا صحة ما تحكونه مذهبا لأبي حنيفة والشافعي، ولم نعلم ذلك في كل ما تدعونه مذهبا لأمير المؤمنين (عليه السلام)؟ ففرقكم بين الأمرين هو فرقنا بين العلم العام بمذاهب أبي حنيفة وأمثاله، ووقوع الاشتباه في كثير من مذاهب أئمتنا " عليهم السلام ".
وبعد فليس تجري مذاهب من قوله حجة في العلم بها مجرى مذاهب من ليس قوله بحجة. ولهذا لا نعرف مذاهب النبي (صلى الله عليه وآله) في كثير من أحكام الشريعة كما نعلم مذاهب كثير من أصحابه فيها، وكما نعلم مذاهب أبي حنيفة والشافعي في تلك المسائل، والعلة في ذلك ما أشرنا إليه.
ثم يقال لمن يخالفنا: إذا كان الإجماع عندكم على ضربين: إجماع العلماء فيما لا مدخل للعامة فيه، والضرب الآخر: إجماع الأمة من عالم وعامي فألا راعيتم علماء (١) الشيعة في إجماع العلماء. وإجماع عامتهم في إجماع الأمة وهم داخلون تحت لفظ النصوص التي تفزعون في صحة الإجماع إليها؟
فإن قالوا خلافهم الخاص (٢) معلوم لا ريب فيه، وإنما الكلام في أن الإجماع على خلاف ما ذهبوا إليه قد سبق فقد تقدم من الكلام على هذا الفصل ما فيه كفاية.
وإن قالوا: إنما لا نعتد بهم في الإجماع لأنهم على بدع وضلالة (٣) يخرج من اعتقدها من أن يعتد به في خلاف.
مخ ۷۹
قلنا: لا تخرجوا عن قانون الكلام في فروع الفقه وتمزجوه بغيره مما يحوج إلى الكلام في أصول الديانات التي تستعفون أبدا من الخوض فيها وأكثركم والغالب عليكم ليس من رجالها، ولا تذكرونا في هذا الباب ما قد تركنا الإلمام به مقاربة ومساهلة، فأنتم تعلمون أن الشيعة الإمامية تعتقد فيمن يخالفها في الأصول ما يمنع من أن يراعى قوله في إجماع المسلمين أو خلافه (١) وينتهون في ذلك إلى غايات بعيدة لا تنتهون فيهم إليها فإنكم إذا بلغتم الغاية اعتقدتم فيهم أنهم أصحاب بدع يكونون بها فساقا ولا ينتهون إلى الكفر، والفاسق عند أكثر القائلين بالإجماع لا يخرج بفسقه من أن يكون قوله خلافا في الشريعة، وهذا فصل الإضراب عن تحقيقه أعود إليكم وأسلم لكم فما فرج الإمامي إلا في أن يعدل معه إلى هذا الضرب من الكلام فإنه يتسع له منه ما لا يتسع من الكلام على فروع الفقه.
على أنه كيف لا يعد خلافا من جعل النبي (صلى الله عليه وآله) مذاهبهم حجة يرجع إليها ويعول عليها كالكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه في قوله " صلى الله عليه وآله ": إني مخلف فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (٢) أوليس قد ذهب كثير (٣) من علماء المعتزلة ومحصليهم إلى أن إجماع أهل البيت خاصة وإن انفردوا عن باقي الأمة حجة يقطع بها؟ فمن إجماعهم حجة بشهادة الرسول
مخ ۸۰
(صلى الله عليه وآله) كيف لا يكون قولهم خلافا وجاريا مجرى قول بعض الفقهاء في أنه خلاف يعتد به؟ إن هذا لعجيب.
ومما يجب علمه أن حجة الشيعة الإمامية في صواب جميع ما انفردت به أو شاركت فيه غيرها من الفقهاء هي إجماعها عليه، لأن إجماعها حجة قاطعة ودلالة موجبة للعلم فإن انضاف إلى ذلك ظاهر كتاب الله جل ثناؤه أو طريقة أخرى توجب العلم وتثمر اليقين فهي فضيلة ودلالة تنضاف إلى أخرى وإلا ففي إجماعهم كفاية.
وإنما قلنا: إن إجماعهم حجة لأن في إجماع الإمامية قول الإمام الذي دلت العقول على أن كل زمان لا يخلو منه، وأنه معصوم لا يجوز عليه الخطأ في قول ولا فعل فمن هذا الوجه كان إجماعهم حجة ودليلا قاطعا.
وقد بينا صحة هذه الطريقة في مواضع من كتبنا وخاصة في جواب مسائل أبي عبد الله ابن التبان (١)، وفي جواب مسائل أهل الموصل الفقهية (٢) الواردة في سنة عشرين وأربعمائة، وفي غير هذين الموضعين من كتبنا، فإنا فرعنا ذلك وأشبعناه واستقصيناه وأجبنا عن كل سؤال يسأل عنه، وحسمنا كل شبهة تعترض فيه، وبينا كيف الطريق إلى العلم بأن قول الإمام المعصوم في جملة أقوال الإمامية، وكيف السبيل إلى أن نعرف مذاهبه ونحن لا نميز شخصه وعينه في أحوال غيبته، وأسقطنا عجب من يقول: من لا أعرفه كيف أعرف مذهبه .
ولا فائدة في شرح ذلك هاهنا، لأن التشاغل في هذا الكتاب بغيره، ومن أراد التناهي في معرفة صحة هذا الأصل يرجع إلى حيث أرشدناه فإنه يجد ما يوفي
مخ ۸۱
على حاجته ويتجاوز قدر كفايته.
وإذا كانت الجملة التي أشرنا إليها هي الحجة في جميع مذاهب الشيعة الإمامية في أحكام الفقه فعلى من شك في شئ من مذاهبهم وارتاب بصحته أن يسأل عن صحة ذلك، فإذا أقيمت فيه (١) عليه الحجة بالطريقة التي أشرنا إليها وجب زوال ريبه وحصول علمه، وبرئت عهدة القوم فيما ذهبوا إليه ببيان الحجة فيه والدلالة عليه، وما يضرهم بعد ذلك خلاف من خالفهم، كما لا ينفع وفاق من وافقهم، ولو اقتصرنا على هذه الجملة في تمام الغرض لكفينا وما افتقرنا إلى زيادة عليها. ولا احتجنا إلى تفصيل المسائل وتعيينها فإن الحجة في صحة الجميع واحدة، لكنا نفصل المسائل ونعينها ونبين ما فيه موافق الشيعة الإمامية من غيرهم وإن ظن مخالفوهم أنه لا موافق لهم فيها ثم نبين ما انفردوا به من غير موافق من مخالفيهم، ونضيف إلى هذه الطريقة التي أشرنا إليها في صحته على جهة الجملة ما لعله يمكن فيه أن يستدل (٢) من ظاهر كتاب [الله جل ثناؤه] (٣) أو طريقة توجب العلم، وكل ما تيسر من تقويته وتقريبه وتسهيل مرامه لتكون الفائدة بذلك أكثر وأغزر وعلى الله توكلنا وهو حسبنا ونعم الوكيل
مخ ۸۲
كتاب الطهارة
مخ ۸۳
كتاب الطهارة وما يتعلق بها مسألة NoteV00P084N0١ [في الماء الكثير] مما شنع به على الإمامية، وظن أنه لا موافق لهم فيه قولهم: إن الماء إذا بلغ كرا لم ينجس بما يحله من النجاسات، وهذا مذهب الحسن بن صالح بن حي وقد حكاه عنه في كتابه الموضوع لاختلاف الفقهاء أبو جعفر الطحاوي (١)، والحجة في صحة هذا المذهب الطريقة التي تقدمت الإشارة إليها دون موافقة ابن حي فإن موافقته (٢) كمخالفته في أنها ليست بحجة وإنما ذكرنا وفاقه ليعلم أن الشيعة ما تفردت بهذا المذهب كما ظنوا، وقد استقصينا الكلام في هذه المسألة فيما أفردناه من الكلام على مسائل الخلاف (٣)، ورددنا على كل مخالف لنا في هذه المسألة لنا بما يعم ويخص من أبي
مخ ۸۴
حنيفة ومالك والشافعي (١) بما فيه كفاية وسلكنا معهم أيضا طريق القياس الذي هو صحيح على أصولهم، وبينا أن القياس إذا صح كان شاهدا لنا في هذه المسألة، وذكرنا ما يروونه وهو موجود في كتبهم وأحاديثهم عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا (٢).
فإن قيل: إن ابن حي يحدد الكر - على ما حكاه الطحاوي عنه - بما بلغ ثلاثة آلاف رطل (٣) وأنتم تحددونه بألف ومائتي رطل بالمدني، قلنا ما ادعينا أن مذهب ابن حي يوافقنا من كل وجه وأنتم لم تعيبوا على الشيعة بتحديد الكر بالأرطال وإنما عبتم اعتبار الكر فيما لا ينجس.
وبعد فإن تحديدنا الكر (٤) بالأرطال التي ذكرناها أولى من تحديد ابن حي لأنا عولنا في ذلك على آثار (٥) معروفة مروية وإجماع فرقة قد دل الدليل على أن فيهم الحجة، وابن حي لا يدري كيف حدد بثلاثة آلاف رطل ولا على ماذا اعتمد فيه على أن ابن حي يجب أن يكون عند أبي حنيفة وأصحابه، والشافعي أحق بالعيب من الشيعة، لأن تحديد الشيعة أقرب إلى تحديد الشافعي من تحديد ابن حي لأن ما بين القلتين (٦) - وهما حد الشافعي - وبين ألف رطل ومائتي رطل أقرب
مخ ۸۵
مما بين القلتين وثلاثة آلاف رطل، وإذا كان مذهب أبي حنيفة أن النجاسة تنجس القليل والكثير من الماء، فقول الشيعة على كل حال أقرب من قول ابن حي.
(مسألة) NoteV00P086N0٢ [حكم سؤر الكلب] ومما انفردت به الإمامية إيجابهم غسل الإناء من سؤر (١) الكلب ثلاث مرات، إحداهن بالتراب.
لأن أبا حنيفة (٢) لا يعتبر حدا في ذلك ولا عددا ويجريه مجرى إزالة سائر النجاسات.
والشافعي يوجب سبع غسلات إحداهن بالتراب (٣).
ومالك لا يوجب غسل الإناء من سؤر الكلب ويقول إنه مستحب فإن فعله فليكن سبعا وهو مذهب داود (٤).
وذهب الحسن بن حي وابن حنبل إلى أنه يغسل سبع مرات والثامنة
مخ ۸۶
بالتراب (١).
وقد تكلمنا على هذه المسألة في مسائل الخلاف بما استوفيناه.
وحجتنا فيما انفردنا به من إيجاب الثلاث: الإجماع من الطائفة المتقدم ذكره.
ومما يجوز أن يحتج به على المخالف ما رووه وهو موجود في كتبهم ورواياتهم عن عبيد بن عمير عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله ثلاث مرات (٢).
وأيضا ما رواه أبو هريرة في حديث آخر عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله ثلاثا أو خمسا أو سبعا (٣)، وظاهر هذا الخبر يقتضي وجوب الثلاث، لأنه العدد الذي لم يجز (صلوات الله عليه وآله) الاقتصار على أقل منه.
فأما قوله: أو خمسا أو سبعا فلا يخلو أن يكون المستفاد بدخول لفظة (أو) فيه للتخيير بين هذه الأعداد ويكون الكل واجبا على جهة التخيير أو يكون فيما زاد على الثلاث للتخيير من غير وجوب، ويكون الزيادة على الثلاث ندبا واستحبابا.
والقسم الأول باطل لأن أحدا من الأمة لم يذهب إلى أن كل عدد من هذه الأعداد واجب كوجوب الآخر، والقائلون بسبع غسلات وإن أوجبوها
مخ ۸۷
فإنهم لا يجعلون الثلاث والخمس واجبات، ويجعلونه مخيرا (١) بينهن وبين السبع بل يوجبون السبع دون ما عداها فلم يبق إلا القسم الثاني وهو مذهبنا، فإذا قيل: كيف يقع التخيير بين واجب وندب؟
قلنا: لم نخير بين واجب وندب لأن الثلاث تدخل في الخمس وفي السبع، وإنما وقع التخيير بين الاقتصار على الواجب وهو الثلاث، وبين فعله وزيادة (٢) عليه.
(مسألة) NoteV00P088N0٣ [حكم سؤر الكافر] ومما انفردت به الإمامية: القول بنجاسة سؤر اليهودي والنصراني وكل كافر وخالف جميع الفقهاء في ذلك (٣).
وحكى الطحاوي عن مالك في سؤر النصراني والمشرك أنه لا يتوضأ به (٤) ووجدت المحصلين من أصحاب مالك يقولون: إن ذلك على سبيل الكراهية لا التحريم (٥) لأجل استحلالهم الخمر والخنزير وليس بمقطوع على نجاسته فكأن الإمامية منفردة بهذا المذهب.
مخ ۸۸
ويدل على صحة ذلك مضافا إلى إجماع الشيعة عليه قوله جل ثناؤه: (إنما المشركون نجس) (١).
فإذا قيل: لعل المراد به نجاسة الحكم لا نجاسة العين.
قلنا: نحمله على الأمرين لأنه لا مانع من ذلك. وبعد فإن حقيقة هذه اللفظة تقتضي نجاسة العين في الشريعة وإنما تحمل على الحكم تشبيها ومجازا والحقيقة أولى باللفظ من المجاز.
فإن قيل: فقد قال الله جل ثناؤه: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) (٢) وهو عموم في جميع ما شربوا وعالجوه بأيديهم (٣).
قلنا: يجب تخصيص هذا الظاهر بالدلالة على نجاستهم، ونحمل هذه الآية على أن المراد بها طعامهم الذي هو الحبوب وما يملكونه دون ما هو سؤر أو ما عالجوه بأجسامهم على أن في طعام أهل الكتاب ما يغلب على الظن أن فيه خمرا أو لحم خنزير فلا بد من إخراجه مع هذا الظاهر، وإذا أخرجناه من هذا الظاهر لأجل النجاسة وكان سؤرهم على ما بيناه نجسا أخرجناه أيضا من الظاهر.
(مسألة) NoteV00P089N0٤ [في ماء البئر] ومما انفردت به الإمامية القول بأن ماء البئر ينجس بما يقع فيها من
مخ ۸۹
النجاسة وإن كان كرا وهو الحد الذي حدوا به الماء الذي لا يقبل النجاسة، ويطهر عندنا ماؤها بنزح بعضه.
وهذا ليس بقول لأحد من الفقهاء لأن من لم يراع في الماء حدا إذا بلغ إليه لم ينجس بما يحله من النجاسات وهو أبو حنيفة لا يفصل في هذا الحكم بين البئر وغيرها كما فصلت الإمامية، ومن راعى حدا في الماء إذا بلغه لم يقبل النجاسة وهو الشافعي في اعتباره القلتين لم يفصل بين البئر وغيرها، والإمامية فصلت فانفردت بذلك (١) عن الجماعة.
وعذر الإمامية فيما ذهبت إليه في البئر والفصل بينها وبين مياه الغدران والآنية هو ما تقدم من الحجة.
ويعضد ذلك أنه لا خلاف بين الصحابة والتابعين في أن إخراج بعض ماء البئر يطهرها وإنما اختلفوا في مقدار ما ينزح، وهذا يدل على حكمهم بنجاستها على كل حال من غير اعتبار لمقدار (٢) مائها وإن حكمها في أن إخراج بعض مائها يطهرها بخلاف حكم الأواني والغدران، ويمكن أن يكون الوجه في مخالفة حكم البئر فيما ذكرناه لأحكام الأواني والغدران أن نزح جميع ماء البئر يشق من وجهين: أحدهما: لبعده عن الأيدي، والآخر لأن ماءها يتجدد في كل حال مع النزح فيشق إخراج الجميع، والأواني لا يشق إراقة جميع مائها. وكذلك الغدران إذا كان ماؤها أقل من كر ألا ترى أن غسل الأواني لما تيسر بعد إخراج النجاسة وجب، ولما تعذر ذلك في البئر أسقط فلما خفف حكم البئر من الوجه الذي ذكرناه عن الأواني والغدران غلظ من وجه آخر وأسقط فيها (٣) اعتبار مبلغ الماء في قلة أو كثرة لئلا
مخ ۹۰
يجتمع تخفيفان ولمشقة اعتبار ذلك فيها لبعدها.
(مسألة) NoteV00P091N0٥ [جلد الميتة إذا دبغ] ومما ظن أن الإمامية منفردة به وشنع به عليها: القول بأن جلود الميتة لا تطهر بالدباغ وهو مذهب أحمد بن حنبل (١)، فالشيعة غير منفردة به.
والدليل على صحة ما ذهبت إليه من ذلك: مضافا إلى الطريقة المشار في كل المسائل إليها، قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة) (٢) وهذا تحريم مطلق يتناول أجزاء الميتة في كل حال، وجلد الميتة يتناوله اسم الموت لأن الحياة تحله وليس بجار مجرى العظم والشعر وهو بعد الدباغ يسمى جلد ميتة كما كان يسمى قبل الدباغ، فينبغي أن يكون حظر التصرف فيه لاحقا به.
ويمكن أن يحتج على المخالفين بما هو موجود في كتبهم ورواياتهم من حديث عبد الله بن حكيم (٣) أنه قال: أتانا كتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل موته بشهر (٤): ألا تنتفعوا من الميتة بأهاب ولا عصب (٥).
ولا يعارض هذا الخبر ما يروونه عنه (عليه السلام) من قوله أيما أهاب دبغ
مخ ۹۱
فقد طهر (١)، لأن خبرهم عام اللفظ والخبر الذي احتججنا به خاص، فنبني العام على الخاص لكي نستعمل الخبرين ولا نطرح أحدهما.
فإن قالوا: نحمل خبركم على تحريم الانتفاع بأهاب الميتة وعصبها قبل الدباغ.
قلنا: هو تخصيص وترك للظاهر على كل حال على أنه لا معنى له لأن العصب يحرم الانتفاع به على كل حال قبل الدباغ وبعده وليس بجار مجرى الجلد.
فإن عارضوا بما يروونه عنه (عليه السلام) من قوله وقد سئل عن جلود الميتة: دباغها طهورها (٢).
قلنا: إذا تعارضت الأخبار سقط الاحتجاج بها ورجعنا إلى ظاهر نص الكتاب على أنه يمكن حمله على أن المراد به ما حله الموت من المذكى وسمي ذلك ميتة على ضرب من التجوز، فليس ذلك بأبعد من قولهم في خبرنا: إن المراد به لا تنتفعوا بأهاب ولا عصب قبل الدباغ.
فإن قيل: كيف تحملونه على ذلك وجلد المذكى طاهر قبل الدباغ؟
قلنا: عندنا أن جلود ما لا يؤكل لحمه من البهائم إذا ذكيت فلا يطهر جلودها إلا بالدباغ بخلاف جلد ما يؤكل لحمه فيكون المراد جلود ما مات بالذكاة مما لا يؤكل لحمه دباغها طهورها، وإن حملناه على جميع جلود المذكى مما يؤكل لحمه ومما لا يؤكل جاز لأن جلود ما أكل لحمه إذا ذكي وكان عليه نجاسة الدم فإذا دبغ زال ذلك عنه.
مخ ۹۲
وقول بعضهم (١): أن الجلد لا يسمى أهابا بعد الدباغ وإنما يسمى بذلك قبل دبغه لا يلتفت إليه لأنه خارج عن اللغة والعرف.
(مسألة) NoteV00P093N0٦ [الدم المعفو عنه في الصلاة] ومما انفردت به الإمامية القول بأن الدم الذي ليس بدم حيض تجوز الصلاة في ثوب أو بدن أصابه منه ما ينقص مقداره عن سعة الدرهم الوافي وهو المضروب من درهم وثلث، وما زاد على ذلك لا تجوز الصلاة فيه وفرقوا بين هذا (٢) الدم في هذا الحكم وبين سائر النجاسات من بول وعذرة ومني، وحرموا الصلاة في قليل ذلك وكثيره.
وكأن التفرقة بين الدم وبين سائر النجاسات في هذا الحكم هو الذي تفردوا به. فإن أبا حنيفة يعتبر مقدار الدرهم في جميع النجاسات (٣) ولا يفرق بين بعضها وبين بعض، والشافعي لا يعتبر الدرهم في جميع النجاسات (٤)، فاعتباره في بعضها هو التفرد.
ويمكن القول بأن الشيعة غير منفردة بهذه التفرقة، لأن زفر كان يراعي في
مخ ۹۳
الدم أن يكون أكثر من درهم ولا يراعي مثل ذلك في البول بل يحكم بفساد الصلاة بقليله وكثيره (١)، وهذا نظير قول الإمامية.
وروي عن الحسن بن صالح بن حي أنه كان يقول في الدم: إذا كان على الثوب منه مقدار الدرهم يعيد الصلاة، وإن كان أقل من ذلك لم يعد (٢) وكان يوجب الإعادة في البول والغائط قليلهما وكثيرهما وهذا مضاه لقول الإمامية.
وقد مضى في صدر هذا الكتاب (٣) أن التفرد بما عليه حجة واضحة غير موحش وإجماع هذه الفرقة هو دليلها على صحة قولها.
وقد استوفينا الكلام على صحة (٤) هذه المسألة في كتابنا المفرد لمسائل الخلاف واحتججنا على المخالفين لنا في هذه المسألة بضروب من الاحتجاجات منها: قوله جل ثناؤه: <span class="quran"> (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) </span> (٥)، فجعل تعالى ذكره تطهير الأعضاء الأربعة مبيحا للصلاة فلو تعلقت الإباحة بغسل نجاسة لكان ذلك زيادة لا يدل عليها الظاهر لأنه بخلافها ولا يلزم على هذا ما زاد على الدرهم وما عدا الدم من سائر النجاسات لأن الظاهر وإن لم يوجب ذلك فقد عرفناه بدليل أوجب الزيادة على الظاهر وليس ذلك في يسير الدم.
وذكرنا أيضا ما يرويه المخالفون ويمضي في كتبهم عن أبي هريرة عن النبي
مخ ۹۴