قد تخدع أيا منا المظاهر. فعندما يمشي المرء في شارع بيكاديللي أو ستراند أو فليت ستريت ويلتقي هنالك برجال كثيرين متشحين بملابس شديدة الهندام يعتمرون قبعات متألقة طويلة وينتعلون أحذية لامعة ويبدو في طباعهم الود وفي تعاملهم مع أقرانهم الكياسة، قد ينخدع المرء بهم فيظنهم متحضرين. ولا يدرك أنه إذا استقصى أمرهم في الاتجاه الصحيح فسيكتشف عنهم من أوجه الشراسة ما قد يلقى استحسان الهنود الحمر. هناك رجال أعمال ذوو سمعة طيبة في لندن مستعدون لربط عدوهم في قضيب وشيه على نار هادئة لو استجمعوا الجرأة الكافية لذلك، وقد حقق هؤلاء نجاحا باهرا ليس فقط في خداع جيرانهم ولكن في خداع أنفسهم كذلك لدرجة أنهم قد يشعرون بالإهانة إذا ووجهوا بحقيقتهم تلك. إذا علق تطبيق القانون في لندن ليوم واحد بحيث لا يسأل فيه أي منا عن أي شيء يجترحه، فكم منا كانوا سيظلون على قيد الحياة في صباح اليوم التالي؟ لو حدث ذلك لخرج معظمنا يحاول قتل أحد ألد أعدائه، ولقتلنا نحن أنفسنا لا محالة قبل أن نعود إلى منازلنا.
غير أن القانون عامل تقييد فعال يساعد في منع معدل الوفيات من الوصول إلى مستويات عالية. وبينما قضى أحد فروع القانون على ما تبقى من شركة السيدين دانبي وسترونج وأدى بها إلى الإفلاس، منع فرع آخر من فروع القانون كلا من الشريكين من إزهاق روح الآخر.
عندما وجد سترونج نفسه مفلسا، انطلق لسانه باللعنات كعادته، وكتب إلى صديق له في تكساس يسأله عما إذا كان يمكنه تدبير عمل له عنده. وقال إنه سئم بلده الذي يسوده القانون والنظام، ولم يكن في ذلك إطراء على تكساس كما قد يبدو. لكن هذا القول يوضح ما قد يتبادر للرجل الإنجليزي من أفكار غريبة عن البلاد الأجنبية. لم يكن رد صديق سترونج عليه مشجعا جدا، لكنه مع ذلك شد الرحال إلى هناك بطريقة ما، وسرعان ما أصبح أحد رعاة البقر. لقد اكتسب خبرة أكبر في استخدام مسدسه وتنقل على ظهر حصان بري بالقدر من البراعة الذي قد يتوقعه المرء من شخص لم ير ذلك الحيوان قط في لندن ولا حتى في حديقة الحيوان. إن حياة راعي البقر في مزرعة في تكساس تنسي المرء أشياء مثل القمصان المنسوجة من الكتان والياقات الورقية.
ولم تنطفئ قط في هذه الأثناء نار كراهية دانبي في نفس سترونج، لكن تفكيره فيه بدأ يقل.
وذات يوم أثير انتباهه إلى الموضوع على نحو أدهشه بشدة، وباله أبعد ما يكون عنه. كان في جالفيستون يطلب مؤنا للمزرعة، فمر بمتجر كان من وجهة نظره هو متجرا بسيطا للأقمشة، ومن وجهة نظر أهل المنطقة متجرا للسلع الجافة، فهاله أن رأى الاسم «دانبي آند سترونج» مكتوبا بحروف كبيرة على عدد كبير من الصناديق الكرتونية الصغيرة المتراصة التي ملأت نافذة العرض كلها. في البداية ظن الاسم مألوفا بالنسبة إليه وكاد يسأل نفسه: «أين رأيت هذا الاسم من قبل؟» ومرت بضع لحظات قبل أن يدرك أن كلمة سترونج تشير إلى الرجل الذي يحدق الآن ببلاهة في نافذة العرض الزجاجية. ثم لاحظ أن جميع الصناديق كانت تحتوي على ياقات بيكاديللي الشهيرة. قرأ ولم يزل الذهول متملكا منه ورقة كبيرة مطبوعة تظهر بجانب الصناديق المتراصة. لقد كانت تتضمن أن الياقات على ما يبدو هي بالفعل ياقات دانبي آند سترونج الأصلية وتحذر العامة من المنتجات المقلدة. وأكدت الورقة أن الياقات مصنوعة في لندن ومكسوة بالكتان، وفوق ذلك كان هناك تأكيد على زعم يدعو إلى الفخر مفاده أن المرء إذا ارتدى ياقات دي آند إس مرة فلن يعود لأي نوع يدنوها جودة مرة أخرى. كان سعر الصندوق خمسة عشر سنتا، ويمكن شراء صندوقين بربع الدولار. وجد سترونج نفسه يجري عملية حسابية في ذهنه لتحويل هذه الأموال إلى العملة الإنجليزية.
وبينما هو واقف مكانه جالت بذهنه خاطرة جديدة. سأل نفسه: هل استمرت الشركة في العمل بالاسم القديم على يد شخص آخر أو أن هذه المجموعة من الياقات تعد جزءا من مخزون قديم؟ لم تكن قد وصلته أي أخبار من بلده منذ رحل عنه، وشعر بمرارة عندما خطر له أن دانبي ربما يكون قد استعان بشخص يملك رأس مال ساعده في إعادة إحياء الشركة. وقرر أن يدلف إلى المتجر ويحصل على بعض المعلومات.
قال للرجل الذي بدا أنه مالك المتجر: «يبدو أن لديك مخزونا كبيرا جدا من هذه الياقات.»
رد الرجل: «نعم.» ثم أردف: «نحن وكلاء هذه الماركة في الولاية. إننا نوردها إلى تجار الضواحي.»
سأله: «أوه، حقا؟ أما زال هناك وجود لشركة دانبي آند سترونج؟ أعرف أنها أفلست.»
رد الرجل: «لا أظن ذلك.» وأضاف بحرص مفاجئ: «إنهم يوردون إلينا ما يكفي. ومع ذلك فأنا لا أعرف شيئا عن الشركة سوى أنهم ينتجون منتجا على أعلى مستوى. إننا لسنا مسئولين عن شركة دانبي آند سترونج بأي صورة؛ فنحن لسنا سوى وكلاء عن ولاية تكساس كما تعرف.»
ناپیژندل شوی مخ