46

قال ستانديش وهو يكشف ذراعه لتضميده: «لا يمكنني تصور سبب يدفعه إلى مهاجمتي.» ثم أضاف: «لم ألتق به من قبل قط، ولم أتشاجر مع أي شخص. يبدو أن السرقة لم تكن الغرض من الهجوم، فقد كنت قريبا جدا من الفندق. لا يمكنني فهم الأمر.»

قال العجوز لينز: «أوه، بل من السهل تفسير ما حدث. إنه ...»

وحينئذ رمقت تينا أباها بنظرة اخترقته كما اخترق النصل ذراع ستانديش. فأغلق فمه كما يغلق فخ فولاذي.

ثم قالت لأبيها بلطف: «اذهب لإحضار الدكتور زاندورف رجاء يا أبي»، فذهب أبوها. ثم خاطبت ستانديش قائلة: «هؤلاء الإيطاليون لا يكفون عن التعارك. لا بد أنه ظنك شخصا آخر ولم يرك جيدا بسبب الغسق.»

قال ستانديش: «نعم، هذا مرجح جدا. إذا كان هذا الوغد قد استعاد وعيه، فعلى الأرجح أنه يندم الآن على التهجم على الشخص الخطأ.»

عندما بحثت السلطات عن بيترو لم يجدوا له أثرا، لقد اختفى كما لو كانت ضربة ستانديش قد قذفته إلى حدود الصين. فعندما استعاد وعيه، وفرك رأسه، وجد على الطريق دماء، فاعتقد أن ضربته قد أصابت مكانا حساسا. ورأى أن السكين المفقود سيكون دليلا ضده، فآثر السلامة وعبر الحدود إلى النمسا. واختفى من على ممر ستيلفيو، وعمل سائقا لعربات الخيول في مكانه الجديد.

ستظل مدة مكوث ستانديش يتجول حول تلك الحديقة الغناء وذراعه محمولة في حمالة الكتف في حين ترعاه تينا بعناية وإخلاص من الذكريات الذهبية التي لن ينساها ذلك الإنجليزي طوال حياته. لكنها لم تكن لتستمر إلى الأبد، فتزوجا بعد نهاية تلك الفترة. وكان مالك الفندق العجوز يفضل أن يكون صهره مالك فندق سويسريا، لكن هذا الإنجليزي كان في نظره أفضل من ذلك الإيطالي البائس، وربما أفضل من الألماني الذي انشغلت به تينا قبل ظهور الإيطالي في المشهد. يعد هذا المزيج المحير من الجنسيات من المتاعب المرتبطة بإدارة فندق دولي.

فضل ستانديش ألا يعود إلى إنجلترا على الفور؛ إذ لم يكن رأيه قد استقر بعد على الطريقة المثلى للتخلص من الفندق الصغير وتحويله إلى قصر. كان يعرف قلعة جميلة وعالية في تايرول بالقرب من ميران يقبل القائمون عليها استقبال المارة دون لفت الأنظار، وقرر أن يضع خطته هناك. جهز لهما العجوز عربة عظيمة ليعبروا بها الممر، وأمر سائقها سرا بأن يقل أحد الأشخاص من ميران ليعوض تكاليف العودة، ولو جزئيا. كانت خمسة خيول تجر العربة، واحد على كل جانب وثلاثة في المقدمة. في الليلة الأولى استراحوا في بورميو، واستيقظوا في وقت مبكر من صباح اليوم التالي؛ إذ كانوا يخططون لتناول العشاء في فرانتسينشوهي حيث يمكنهم رؤية جبل أورتلر المكسو بالجليد.

كان فصل السنة يشارف على الرحيل والطقس متقلبا بعض الشيء، لكنهما قضيا ظهيرة إيطالية جميلة يصعدان الطريق المتعرجة الخلابة التي تقع على الجانب الغربي من الممر. كان الجليد يتساقط خفيفا على قمة الطريق، والسحب تعانق قمم أورتلر العالية. ثم أمطرت السحب مطرا مستمرا بوتيرة ثابتة بينما بدآ يهبطان، وسعدا بأن وجدا في الحانة الصخرية المستطيلة الشكل في فرانتسينشوهي مأوى دافئا وعشاء دسما. وبعد العشاء صفا الجو بعض الشيء لكن ظلت السحب تحجب قمم الجبال والطرق زلقة. أسف ستانديش لذلك؛ إذ كان يريد أن يري عروسه المناظر الطبيعية الخلابة التي تظهر في الأميال الخمسة القادمة التي يتعرج فيها طريق الهبوط إلى تريفوي وتظهر من تحت كل زاوية في الطريق التي تبعث على الدوار هاوية سحيقة. كان ذلك الجزء من الطريق خطيرا يتطلب سائقا شجاعا هادئ الأعصاب حتى لو كان يقود حصانين فقط. كانا النزيلين الوحيدين في الحانة، ولم يكن من الصعب على الناظر إليهما أن يدرك أنهما عروسان تزوجا لتوهما. ذاع خبرهما، وشاهدهما كل من كانوا في المكان يركبان عربتهما وتأخذهما بعيدا، ولو انزلقت عجلة خلفية واحدة من مكانها، لانهار كل شيء.

عند أول منحنى شعر ستانديش ببعض الذعر لانعطاف العربة فيه بسرعة خطيرة. وظل السوط يقرقع كطلقات نارية متتالية، وهو ما لم يكن معتادا عند هبوط الجبل. لكنه لم يقل شيئا حتى لا يفزع عروسه، وظن أن السائق أفرط في شرب النبيذ في الحانة. وعند المنحنى الثاني انزلقت بالفعل العجلة اتجاه الحاجز الصخري الذي لم يقف سواه حائلا بين العربة والهاوية السحيقة، واصطدمت به. وبعث صوت الاصطدام والصدمة التي رافقته الرعب في نفس ستانديش؛ إذ كان يعرف الطريق جيدا وكانت لا تزال به بعض الأماكن الأكثر خطورة. وكان يطوق زوجته بذراعه، وحينئذ سحب ذراعه من حولها برفق كي لا يفزعها. وبينما كان يفعل هذا، رفعت نظرها ورأت ما جعلها تطلق صرخة حادة. فنظر ستانديش إلى النافذة الأمامية التي تمكن منها رؤية ظهر سائق عربتهما المغلقة حيث كانت تنظر زوجته، فإذا به يرى على الزجاج وجها مشوها لشبح مخيف. كان السائق جاثيا على مقعده بدلا من أن يجلس عليه، وكان يحدق إليهما، وزمام العربة على كتفه وظهره موجها إلى الخيول. بدا لستانديش أن علامات الجنون كانت تظهر في عينيه، أما تينا فرأت فيهما نظرة انتقام غاضبة لعاشق خاب مسعاه.

ناپیژندل شوی مخ