السياسة، أي في ميدان الأفكار المتجسدة في البلاد المستعمرة، فإنها تطبق من الناحية الأخرى في ميدان الأفكار المجردة.
ويجب ألا نغفل في هذا السياق ملاحظة نرى فيها بعض الأهمية فيما يتعلق بـ (المحامي المورّط): فإن هذا الكائن الغريب قد يكون موجودًا بالفعل تحت تصرف مراصد الاستعمار، وأحيانًا أخرى قد يكون من الواجب صنعه خاصة.
فإذا أخذنا فيما سبق فكرة كافية عن الصورة الأولى، يجب أن نكوّن أيضًا فكرة عن الصورة الثانية.
فلنتصور مثلًا أن شابًا قد أنهى دراسته العليا في عاصمة عربية ورجع ناجحًا إلى بلاده، حيث ترغب حكومته في توظيفه في وزارة الخارجية.
ولكن الشاب اندفع بدافع ثقافته، فنشر مقالات للتعريف ببعض الأفكار التي تثير اهتمامًا بليغًا من طرف مراصد الاستعمار، كالأفكار التي تتصل بمؤتمر باندونج، ثم أبدى رأيه في بعض المواقف السياسية، التي يريد الاستعمار عادة إحاطتها بالسر، فهذا الشاب الجسور يلاحظ مثلًا أنه «في الوقت الذي كان الاستعداد يجري فيه لعقد مؤتمر التضامن الآسيوي- الإفريقي في كوناكري دعا الرئيس نكروما إلى مؤتمر للشعوب الإفريقية في أكرا».
فهذه الملاحظة تمثل بالضبط ما أطلقنا عليه، خلال هذه الدراسة (إشارة خطر)، الإشارة التي تعلن بأن معركة قد بدأت في جبهة الصراع الفكري، لأن مراصد الاستعمار تلقتها قبل أن تبلغ إلى وعي الشعب المستعمَر. أو شبه المستعمَر.
فماذا سيحدث لهذا الشاب النبيل؟
إن مراصد الاستعمار ستتدخل أولًا وقبل كل شيء، حتى لا يحصل على الوظيفة التي كان ينتظرها بوزارة الخارجية ..