ما يناسب من التحفظ في الموضوع، حتى لا يكون للنزعة الذاتية فيه مجالٌ باسم التجربة الشخصية.
إن الشيء الذي تقره التجربة بكل وضوح، هو أن الاستعمار يتكيف مع الظروف، حتى إنه يتخذ أحيانًا طرقًا وسبلًا، لا ينتظر أن يتخذها ويتبعها لبعدها ظاهرًا عن الميدان الذي تدور فيه المعركة، حتى إن الفكر يصبح أحيانًا في حيرة حينما تتجلى له فجأة الحقيقة، وهي أن الاستعمار يفتح دائمًا في الصراع الفكري أبوابًا جديدة، لم نكن نفكر أنه سيأتي منها هجوم، فيأتي الهجوم من تلك الناحية التي لم نعدّ لها عدتها، ولم نستعد لصد الغارات التي تأتينا منها.
هذه حقيقة الصراع الفكري عامة، وإنما نريد توضيحها بواقعة تتضمن تفاصيلها ومحتواها.
فليتصور القارئ أنه أتى إلى عاصمة عربية منذ أربع سنوات ليقوم بمسؤولية مواطن ومسؤولية كاتب.
وأنه أتى خاصة من أجل نشر كتاب يتعلق موضوعه بمؤتمر باندونج، ولا شك أن القارئ الذي أخذ عبرة مما قدمناه وأصبحت لديه خبرة بما سلف ذكره، لاشك أنه يقدر أول ما يقدر، أن كتابًا هذا موضوعه لا يمكن أن تغيب فكرته عن شبكة المراصد المختصة بالصراع الفكري في البلاد المستعمرة، ولو ذكرنا بعض التفاصيل البسيطة لزدنا هذا القارئ يقينًا بموضوعية هذا التقدير، وإنما نلخص هذه التفاصيل كلها فنقول: إن من يكتب في موضوعات كهذه، وهو يعيش في بلاد مستعمرة، يرى نفسه «كذرة ألقت بنفسها بين قوى رهيبة متطاحنة، ويشعر بأنه إن لم يحدث لتلك الذرة أن تسحق إلى غبار الغبار فإنها معجزة».
ومن الطبيعي إذا كان في نفسك هذا الشعور عند وصولك إلى العاصمة العربية، أن تفكر أولًا كيف تضع الكتاب الممقوت في قرار مكين، فتتوجه به