تمثلت فطنة داروين في إدراك أن البيئة الطبيعية التي توجد بها الكائنات ستنتقي في الواقع من بين ذرية تلك الكائنات؛ فالكائنات التي تمر مصادفة بطفرات تعزز من قدرتها على البقاء والتناسل في تلك البيئة ستزيد احتمالات توريثها لتلك الطفرة، والكائنات التي تمر بطفرات تقلل من فرص بقائها وتناسلها في تلك البيئة ستقل احتمالات توريثها لتلك الطفرة. هكذا، وعلى مدار أجيال كثيرة، تتأقلم الكائنات تدريجيا مع بيئتها. بل وفي ظل ظروف معينة، قد ينشأ نوع جديد بالكامل.
أطلق داروين على هذه الآلية الانتخاب الطبيعي، لتمييزها عن الانتخاب الاصطناعي الذي يستخدمه مربو الكلاب وزارعو المحاصيل. وعلى عكس الانتخاب الاصطناعي، لا يستلزم الانتخاب الطبيعي عقلا ذكيا لتوجيه عملية الانتخاب نحو غاية بعينها؛ فالطبيعة العمياء غير المفكرة تتولى الآن عملية الانتخاب برمتها دون تخطيط.
وتوجد حفريات كثيرة وغيرها من الأدلة على أن العين البشرية تطورت في الحقيقة تدريجيا على مدار ملايين السنين، وربما بدأت بظهور خلية واحدة حساسة للضوء من باب المصادفة لدى كائن كان يعيش منذ ملايين السنين؛ وعلى أن الانتخاب الطبيعي هو الآلية الرئيسية التي تقود هذه العلمية التطورية.
واكتشاف آلية الانتخاب الطبيعي أدى بداروين إلى رفض برهان التصميم لبايلي؛ فكتب داروين يقول:
إن برهان التصميم القديم في الطبيعة، كما عرضه بايلي، وهو الذي بدا لي فيما مضى برهانا قاطعا، أصبح لا أساس له، منذ أن اكتشف قانون الانتخاب الطبيعي.
رغم أن ظهور نظرية داروين للانتخاب الطبيعي ومن بعدها نظرية الجينات أدى إلى انخفاض في شعبية برهان التصميم، فإن حجج البرهان بصدد العودة إلى الأضواء مؤخرا، وفيما يلي شكلان شهيران أكثر حداثة من تلك الحجج. (4) حجة التعقيد غير القابل للاختزال
يذهب البعض، مثل أستاذ الكيمياء الحيوية مايكل بيهي، صاحب كتاب «صندوق داروين الأسود»، إلى أنه توجد سمات معينة للكائنات البيولوجية لا يمكن لنظرية داروين للانتخاب الطبيعي تفسيرها. وفي حين يقبل بيهي بأن الأنواع الجديدة تتطور وبأن الانتخاب الطبيعي يلعب دورا في ذلك، فإنه يؤكد أن «بعض» الأنظمة البيولوجية معقد تعقيدا غير قابل للاختزال؛ ومن ثم لا يمكن أن تكون قد تطورت بالانتخاب الطبيعي.
يقصد بيهي بالنظام المعقد تعقيدا غير قابل للاختزال ما يلي:
نظام واحد يتألف من عدة أجزاء عديدة متفاعلة محكمة التوافق تساهم في القيام بالوظيفة الأساسية للنظام؛ بحيث تؤدي إزالة أي جزء من تلك الأجزاء إلى تعطل النظام بأكمله عن أداء وظيفته بفعالية.
ويسوق بيهي مصيدة الفئران باعتبارها مثالا لتوضيح فكرته. افصل أي جزء من أجزائها عنها - القاعدة أو الزنبرك أو الجبن - وستتوقف الآلة بأسرها عن أداء وظيفتها. ويضيف بيهي قائلا:
ناپیژندل شوی مخ