لكن عندما نطرح السؤال الفلسفي: «لم توجد أشياء بدلا من العدم؟» فنحن نقصد شكلا أكثر راديكالية بكثير من العدم، يمكن أن نطلق عليه العدم «المطلق». والبديل لشيء يفترض أننا الآن نتصوره ليس مجرد غياب للأشياء أو الأمور التي تجري. يفترض بنا أن نفكر في الاحتمال التالي: ليس الأمر غياب الشيء أو عدم حدوث أي شيء فقط، وإنما أيضا لا يوجد زمان أو مكان يمكن أن يوجد فيهما أي شيء أو يمكن أن يحدث أي أمر؛ فالساحة نفسها اختفت الآن.
وهذا نوع عميق ومحير من الغياب؛ محير جدا لدرجة لا يتضح معها إن كانت الفكرة تبدو منطقية أم لا (وهو بالتأكيد يطرح بعض الأسئلة المثيرة؛ مثل: «ما الفرق بين التفكير في العدم المطلق، وعدم التفكير في أي شيء؟»)
قد نسارع بقول «لكن بالتأكيد فكرة العدم المطلق منطقية، فما هي سوى فكرة عن «ما كان موجودا فيما مضى»، قبل وجود أي شيء». لكن في الواقع العدم المطلق ليس ما كان موجودا فيما مضى؛ فلم يأت زمن كان فيه العدم المطلق (لأنه إن كان هناك زمن كذلك، فلن يكون هناك عدم مطلق).
لكن دعونا نقر، وإن كان لغرض المناقشة وحسب، أن فكرة العدم المطلق منطقية، وكذلك السؤال القائل: «لم توجد أشياء بدلا من العدم؟» برغم هذا، تظل الحجة الكونية تواجه مشاكل أخرى .
ثمة مشكلة واضحة في افتراض أن الإله هو الإجابة على السؤال: «لم توجد أشياء بدلا من العدم؟» هي أنه بطرحنا الإله يبدو أننا طرحنا شيئا آخر يجب تفسير وجوده هو الآخر، فيبدو أننا زدنا من اللغز فحسب بدلا من أن نحله. وإذا ترك وجود الإله دون تفسير، فما المسوغ لطرح الإله؟ لم لا نتوقف عند الكون فحسب؟
ومن الردود التقليدية للتأليهيين على هذا الاعتراض الإصرار على أن الإله - بعكس الكون الطبيعي - كيان «ضروري»؛ شيء لا بد بالضرورة من أن يوجد.
وكيف يمكن لشيء أن يوجد «بالضرورة»؟ ربما إن كانت فكرة هذا الشيء تنطوي في الواقع على فكرة الوجود. إننا يمكن أن نتصور عدم وجود الكون. لكننا، كما يزعم بعض التأليهيين، لا نستطيع تصور عدم وجود الإله. فإذا تصورت عدم وجود شيء، فلا يمكن أن يكون الإله هو ما تتصوره؛ لأن مفهوم الإله يكتنف مفهوم الوجود. وبذلك فإن الإله، إن اتفقت مع هذا الطرح، «يفسر وجوده»، وتفسير وجود الإله هو «أنه، بطبيعته، يجب أن يوجد.»
لكن إن كان الإله كيانا ضروريا، فإن البحث عن تفسير نهائي لسبب وجود أشياء من الأساس يصل إلى غاية مرضية: لا حاجة إلى البحث فيما وراء الإله عن شيء آخر لتعليل وجوده (ثم عن شيء آخر وراء ذلك الشيء يعلل وجوده، وهكذا إلى ما لا نهاية)؛ ففي ظل وجود الإله، نصل إلى نهاية الطريق.
إلا أن فكرة الوجود الضروري بالتأكيد فكرة خلافية. وفي واقع الأمر، فإن كثيرا من الفلاسفة يتشككون في الزعم القائل بأن شيئا قد يوجد بالضرورة.
لننظر، على سبيل المثال، إلى إحدى الرؤى الفلسفية الأساسية عن الضرورة: إن ما هو ضروري أو أساسي هو في النهاية نتاج لممارساتنا اللغوية و/أو السبل التي نكون بها مفاهيمنا عن الأشياء. وهذا معقول للوهلة الأولى في كثير من الحالات؛ فعلى سبيل المثال، أليس السبب في أن من الضروري لكي يكون كائن من الكائنات فحلا أن يكون ذكرا وحصانا في نفس الوقت الذي يكون فيه هذا هو «تعريف » الفحل؟ فأن يكون الكائن ذكرا وحصانا في نفس الوقت، إن اتفقت مع هذا الطرح، هما مكونان أساسيان لمفهوم الفحل.
ناپیژندل شوی مخ