يتهم بعض مفكري عصر التنوير بأنهم من أنصار «اليوتوبية»؛ أي إنهم يفترضون على نحو ساذج أن عصر العقل سيجلب حتما عصر السلام والرخاء والرضا. كما أن فكر عصر التنوير متهم أيضا ب «العقلانية» المفرطة، بافتراض أن المجتمع ومنظومة الأخلاق يمكن أن يكون لهما أساس عقلاني «بالكامل». والآن ثمة اعتقاد واسع الانتشار بأن ذلك كان خطأ؛ فلا يمكن استدعاء مبادئ الأخلاق بالكامل من عباءة العقل. وسيضيف كثير من منتقدي عصر التنوير أن هذا كان خطأ خطيرا؛ فنبذ الركائز القديمة المتمثلة في التقليد والسلطة الدينية من شأنه أن يؤدي إلى ترك منظومة الأخلاق والمجتمع دون أي ركائز على الإطلاق؛ وهي وصفة للفشل ووقوع الكوارث.
ولكن، رغم أن بعض مفكري عصر التنوير كانوا يوتوبيين في الواقع، وبعضهم - مثل كانط - افترض أنه يمكن تأسيس الأخلاق على العقل وحده، لاحظ أن توصيف كانط لعصر التنوير لا يقتضي أيا من هذين الاعتقادين؛ فالإيمان بأهمية تنشئة مواطنين متنورين بالمعنى الذي قصده كانط - مواطنين يجرءون على التفكير والشك، ويستخدمون قوى عقلهم لأبعد حد ممكن بدلا من مجرد القبول السلبي غير الناقد لما يقال لهم من سلطة دينية ما أو غيرها - لا يعني تأييد اليوتوبية أو افتراض أن الأخلاق والمجتمع يمكن أن تكون لهما ركائز عقلانية بالكامل. والإنسانوية الحديثة تنطوي بوضوح على التزام بالتنوير بحسب معنى كانط. وهذا لا يعني أن إنسانويي اليوم يوتوبيون، أو أنهم يبالغون في تقدير قدرات العقل (مع أن كلا الاتهامين يوجهان عادة إلى الإنسانوية المعاصرة).
ثمة نقد شهير آخر يوجه إلى كثير من مفكري عصر التنوير؛ وهو أنهم يفترضون خطأ أنه يمكن استخدام العقل دون الاحتكام إلى تقليد مشترك؛ فكما رأينا، عرف ديدرو ودالمبير المفكر التنويري بأنه الذي «يطأ» بقدميه التقليد. ولكن ذهب كثير من الفلاسفة إلى أن هذه الرؤية غير متماسكة؛ لأنه أيا كانت صور التفكير التي سنستخدمها، «فإنها نفسها ستنبع من تقليد مشترك وتعتمد عليه.» على سبيل المثال، يقول الفيلسوف المعاصر أليستر ماكنتير:
كافة صور التفكير تحدث في سياق شكل تقليدي من أشكال الفكر.
فيزعم ماكنتير أنه لا يمكن «الخروج عن» التقليد بأسره والتفكير من منظور تخلى تماما عن التقليد. لذا، من وجهة نظر ماكنتير، من المستحيل عمليا أن نقوم بما يحضنا ديدرو ودالمبير على القيام به: استخدام العقل على أساس فردي، بمعزل عن أي تقليد.
لكن حتى لو كان ماكنتير على حق، فلا يستتبع ذلك أنه لا يجب علينا التشكيك في الفكر التقليدي. وكان ماكنتير نفسه واضحا في هذا الصدد، إذ أكد:
لا شيء يمكن أن يزعم أنه مستثنى من النقد التأملي.
أن نقول - عند استخدام العقل - إنه لا يسعنا سوى أن نعتمد على التقليد، فهذا شيء؛ وأما القول بأنه يجب ألا نبالغ في النقد عند فحص المعتقدات التقليدية، فهذا شيء آخر. ودعوة كانط بأنه يجب علينا أن نتجرأ على التشكك والتفكير بأنفسنا، لا القبول المستسلم بما يصرح به التقليد، تظل متماسكة. وإنها لدعوة التنوير التي يعتنقها الإنسانويون اليوم.
يعتبر ديفيد هيوم (1711-1776) مفكرا تنويريا ذا أهمية خاصة من وجهة نظر الإنسانوية. كان هيوم مؤرخا وفيلسوفا اسكتلنديا عبقريا أخضع الكثير من المعتقدات المفترضة منطقيتها للاستقصاء الناقد، وفيها المعتقدات الدينية. كان متشككا في المعجزات الدينية وغيرها من المعجزات. نشر كتاب هيوم «محاورات في الدين الطبيعي» بعد موته، وضم بعضا من أشد الانتقادات وأقواها التي وجهت في أي وقت إلى ما يعرف ب «براهين التصميم» المؤيدة لوجود الإله. ولا يزال الخلاف دائرا حول إن كان هيوم لا أدريا أم ملحدا، إلا أنه لم يؤمن بالإله.
طرح هيوم بعض الأسئلة المهمة حول «حدود العقل». وقال إن المعتقدات الأخلاقية غير قابلة أساسا للتبرير بالاحتكام إلى العقل أو الخبرة، مؤكدا على ما يلي:
ناپیژندل شوی مخ