مسألة وإذا ثبت أن صانع الموجودات ومحدثها لا يجوز أن يكون يشبهها، فيجب أن تعلم أن محدث العالم قديم، أزلي لا أول لوجوده. ولا آخر لدوامه. والدليل على صحة ذلك: أنه لو لم يكن قديما كما ذكرنا لكان محدثا، ولو كان محدثا لاحتاج إلى محدث أحدثه؛ لأن غيره من الحوادث إنما احتاجت إلى محدث لأنها محدثة. ولو كان ذلك كذلك لاحتاج كل محدث إلى محدث آخر، إلى ما لا نهاية له ولا غاية، ولما بطل ذلك صح كونه قديما أزليا.
وبمثل هذا الدليل: يستدل على بطلان قول من زعم من أهل الدهر أن الحوادث لا أول لوجودها، فافهمه ترشد، إن شاء الله تعالى.
### || ### || ### || مسألة
وحدانية الصانع
ويجب أن يعلم: أن صانع العالم جلت قدرته واحد أحد؛ ومعنى ذلك: أنه ليس معه إله سواه، ولا من يستحق العبادة إلا إياه، ولا نريد بذلك انه واحد من جهة العدد، وكذلك قولنا أحد، وفرد وجود ذلك إنما نريد به أنه لا شبيه له ولا نظير، ونريد بذلك أن ليس معه من يستحق الالهية سواه، وقد قال تعالى: " إنما الله إله واحد " ومعناه: لا إله إلا الله.
والدليل على أن صانع العالم على ما قررناه: قوله تعالى: " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " والدليل المعقول مستنبط من هذا النص المنقول، فإنا نرى الأمور تجري على نمط واحد، في السموات والأرض وما فيهما من شمس وقمر وغير ذلك. ولو كانا اثنتين أو أكثر فلا بد أن يجري خلاف أو تغير من أحدهما على الآخر، وقد بينه سبحانه وتعالى فقال: " قل لو كان معه آلهة كما يقولون " إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا " سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا.
وأيضا: فلو جاز أن يكون اثنين أو أكثر فيريد أحدهما شيئا ويريد الآخر ضده، فلا يخلو أن يتم مرادهما، أو يتم مراد أحدهما دون الآخر، ولا يجوز أن يتم مرادهما؛ لأن في إتمام مراد أحدهما عجز الآخر، لأنه تم ما لا يريد، وفي ذلك تعجيز لكل واحد منهما؛ لأنه تم ما لا يتم مراد واحد منهما، فقد ثبت عجزهما أيضا. ومن يكون عاجزا فليس بالإله، أو يتم مراد أحدهما دون الآخر؛ فالذي تم مراده هو الإله، والذي لم يتم عاجز ليس بالاله، فلم يكن إلا إله واحد كما ذكرنا.
فإن قيل: فيجوز أن لا يختلفا في الإرادة. قلنا: هذا القول يؤدي إلى أحد أمرين: إما أن يكون ذلك لقول أحدهما للآخر لا ترد إلا ما أريد، فيصير أحدهما آمرا والآخر مأمورا، والمأمور لا يكون إلها، والآمر على الحقيقة هو الإله، أو يكون كل واحد منهما لا يقدر أن يريد إلا ما أراده الآخر ولو كان كذلك دل على عجزهما؛ إذ لم يتم مراد واحد منهما إلا بإرادة الآخر معه. وإذا ثبت هذا بطل أن يكون الإله إلا واحدا على ما قررناه:
مسألة
الحياة
ويجب أن يعلم أن الباري جلت قدرته حي. وهذه المسألة أول مسائل قول الشيخ موصوف بما وصف به نفسه في كتابه، وعلى لسان نبيه فنقول الباري يوصف بالحياة.
والدليل عليه قوله تعالى: " الحي القيوم " وقوله تعالى: " وتوكل على الحي الذي لا يموت " . وأيضا: فإن الفعل يستحيل وجوده من الموات الذي لا حياة له، والله تعالى فاعل الأشياء ومنشئها، فوجب أن يكون حيا.
مسألة
القدرة
ويجب أن يعلم: أنه تعالى قادر على جميع المقدورات.
والدليل عليه قوله تعالى: " وهو على كل شيء قديره " ولأنا نعلم قطعا استحالة صدور الأفعال من عاجز لا قدرة له، ولما ثبت أنه فاعل الأشياء ثبت أنه قادر.
مسألة
العلم
ويجب أن يعلم: أنه تعالى عالم بجميع المعلومات.
والدليل عليه قوله تعالى: " أنزله بعلمه " وقوله تعالى: " يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم " وقوله تعالى: " يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور " . وقوله تعالى: " ويعلم ما في السموات وما في الأرض " وقوله تعالى: " فاعلموا أنما أنزل بعلم الله " إلى غير ذلك من الآيات التي لا تحصى.
وأيضا: فيدل على أنه عالم: صدور الأفعال الحكيمة المتقنة الواقعة على أحسن ترتيب ونظام وإحكام وإتقان، وذلك لا يحصل إلا من عالم بها، ومن جوز صدور خط معلوم منظوم مرتب من غير عالم بالخط، كان عن المعقول خارجا، وفي عمل الجهل والجا.
مخ ۹