وأنه مقدر لأرزاق جميع الخلق، وموقت لآجالهم، وخالق لأفعالهم، وقادر على مقدوراتهم، وإله ورب لها، لا خالق غيره، ولا رازق سواه، كما أخبر تعالى في قوله: " الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم " وقال تعالى: " فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون " وقال: " هل من خالق غير الله " ، وقال: " والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون " .
وأن بيده الخير، والشر، والنفع، والضر، وأنه مقدر جميع الأفعال، لا يكون حادث إلا بإرادته، ولا يخرج مخلوق عن مشيئته، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
وأنه فعال لما يريد، وأنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء، لا هادي لمن أضله ولا مضل لمن هداه، كما قال: " من يهد الله فهو المهتدي " " ومن يضلل الله فلا هادي له " .
وأنه موفق أهل محبته وولايته لطاعته، وخاذل لأهل معصيته، فدل ذلك كله على تدبيره وحكمته، وأنه عادل في خلقه بجميع ما يبتليهم به ويقضيه عليهم من خير، وشر، ونفع، وضر، وغنى، وفقر، ولذة، وألم، وصحة، وسقم، وهداية، وضلال: " لا يسأل عما يفعل وهم يسألون " " قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين " .
وأنه سبحانه يعيد العباد، ويحيي الأموات، وأنه يقصد يوم القيامة لفصل القضاء، ويجيء الملائكة صفا صفا، ويمد الصراط، ويزن الأعمال، وأنه سبحانه قد خلق الجنة والنار.
وما لا يتأتى الواجب إلا بفعله صار واجبا؛ كالطهارة مع الصلاة، والقراءة في الصلاة، وإمساك جزء من الليل في الصيام ، وإدخال جزء من الرأس في غسل الوجه، إلى غير ذلك مما لا يمكن تحصيل الواجب إلا به صار واجبا.
### || ### || مسألة
وجوب النظر
وإذا صح وجوب النظر فالواجب على المكلف النظر والتفكر في مخلوقات الله، لا في ذات الله، والدليل عليه قوله تعالى: " ويتفكرون في خلق السموات والأرض " ولم يقل: في الخالق، وأيضا قوله تعالى: " أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت " فالنظر، والتفكر، والتكييف يكون في المخلوقات، لا في الخالق، وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم: تفكروا في الله. وأيضا قوله عليه السلام: مثل الناظر في قدر الله كالناظر في عين الشمس، فمهما أراد نظرا ازداد حيرة. وأيضا: فإن موسى عليه السلام لما سأله اللعين فرعون عن ذات الله، أجابه بأن مصنوعاته تدل على أنه إله ورب قادر، لا إله سواه. إذا نظر فيها وتأمل ولم يحدد له الذات فلا يكيفها؛ لأنه لما قال له: " وما رب العالمين " قال: " رب السموات والأرض وما بينهما " إلى أن كرر عليه السؤال وأجابه بمثل الأول، إلى آخر الآيات كلها، فمهما سأله عن الذات أجابه بالنظر في المصنوعات التي تدل على معرفته.
وقيل: سئل بعض أهل التحقيق عن الله عز وجل ما هو ؟ فقال: إله واحد. فقيل له: كيف هو ؟ فقال: ملك قادر، فقيل: له أين هو ؟ فقال: بالمرصاد. فقال السائل: ليس عن هذا أسألك ؟ فقال: الذي أجبتك به هو صفة الحق، فأما غيره فصفة الخلق. وأراد بذلك أن يسأله عن التكييف، والتحديد، والتمثيل، وذلك صفة المخلوق لا صفة الخالق، ولأن التفكر إذا تفكر في خلق السموات والأرض وخلق نفسه وعجائب صنع ربه، أداه ذلك إلى صريح التوحيد؛ لأنه يعلم بذلك أنه لا بد لهذه المصنوعات من صانع، قادر، عليم، حكيم " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " .
مسألة
العالم محدث
ويجب أن يعلم: أن العالم محدث؛ وهو عبارة عن كل موجود سوى الله تعالى، والدليل على حدوثه: تغيره من حال إلى حال، ومن صفة إلى صفة، وما كان هذا سبيله ووصفه كان محدثا، وقد بين نبينا صلى الله عليه وسلم هذا بأحسن بيان يتضمن أن جميع الموجودات سوى الله محدثة مخلوقة، لما قالوا له: يا رسول الله: أخبرنا عن بدء هذا الأمر ؟ فقال: نعم. كان الله تعالى ولم يكن شيء، ثم خلق الله الأشياء فأثبت أن كل موجود سواه محدث مخلوق. وكذلك الخليل عليه السلام، إنما استدل على حدوث الموجودات بتغيرها وانتقالها من حالة إلى حالة؛ لأنه لما رأى الكوكب قال: هذا ربي، إلى آخر الآيات فعلم أن هذه لما تغيرت وانتقلت من حال إلى حال دلت على أنها محدثة مفطورة مخلوقة، وأن لها خالقا، فقال عند ذلك وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض.
مخ ۷