وقال عز وجل في المر باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم: " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " وقال: " وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى " وقال: " فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم " .
وقال سبحانه في وصف عدالة أمة نبيه صلى الله عليه وسلم والأمر باتباعها، والتحذير من مخالفتها: " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " وقال: " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر " وقال: " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا " .
وقال في الأمر بالقياس والحكم بالنظائر والأمثال : " فاعتبروا يا أولى الأبصار " وقال: " ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم " وقال النبي صلى الله عليه وسلم لقاضيه معاذ ابن جبل رضي الله عنه حين أنفذه إلى اليمن لإقامة الحدود واستيفاء الحقوق: بم تحكم ؟ قال: بكتاب الله عز وجل. قال: فإن لم تجد ؟ قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فإن لم تجد ؟ قال: اجتهد رأيي وأحكم. فقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسوله لما يرضى الله ورسوله. فأقره على الحكم والاجتهاد وجعله أحد طرق الأحكام.
وقال عز وجل في الأمر باتباع حجة العقل: " وفي أنفسكم أفلا تبصرون " وقال: " أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون " وقال: إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب " وقال: " وضرب لنا مثلا ونسى خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم " وقال تعالى: " وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه " فأمرنا بالاعتبار والاستبصار ورد الشيء إلى مثله أو الحكم له بحسب نظيره، وهذا هو الحكم، المعقول والتقاضي إلى أدلة العقول.
وأن يعلم: أن فرائض الدين وشرائع المسلمين، وجميع فرائض المسلمين وسائر المكلفين على ثلاثة أقسام: فقسم منها: يلزم جميع الأعيان وكل من بلغ الحلم وهو: الإيمان بالله عز وجل، والتصديق له، ولرسله، وكتبه، وما جاء من عنده، والعبادات على كل مكلف بعينه؛ من نحو الصلاة، والصيام، وما سنذكره ونفصله فيما بعد إن شاء الله.
والقسم الثاني: واجب على العلماء دون العامة، وهو القيام بالفتيا في أحكام الدين، والاجتهاد، والبحث عن طرق الأحكام، ومعرفة الحلال والحرام، وهذا فرض على الكفاية دون الأعيان، فإذا قام به البعض سقط عن باقي الأمة، وكذلك القول في حفظ جميع القرآن، وما تنفذ به الأحكام من سنن الرسول عليه السلام، وغسل الميت، ومواراته، والصلاة عليه، والجهاد، ودفع العدو، وحماية البيضة وما جرى مجرى ذلك مما هو فرض على الكفاية. فإذا قام به البعض سقط عن باقي الأمة.
والقسم الثالث: من الواجبات من فرائض السلطان دون سائر الرعية: نحو إقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، وقبض الصدقات، وتولية الأمراء، والقضاة، والسعاة، والفصل بين المتخاصمين، وهذا وما يتصل به من فرائض الإمام وخلفائه على هذه الأعمال دون سائر الرعية والعوام، وليس في فرائض الدين ما يخرج عما وصفناه ويزيد على ما قلناه.
وأن يعلم: أن أول ما فرض الله عز وجل على جميع العباد. النظر في آياته، والاعتبار بمقدوراته، والاستدلال عليه بآثار قدرته، وشواهد ربوبيته؛ لأنه سبحانه غير معلوم باضطرار، ولا مشاهد بالحواس، وإنما يعلم وجوده وكونه على ما تقتضيه أفعاله بالأدلة القاهرة، والبراهين الباهرة.
والثاني: من فرائض الله عز وجل على جميع العباد، الإيمان به والإقرار بكتبه ورسله، وما جاء من عنده، والتصديق بجميع ذلك بالقلب والإقرار به باللسان.
وأن يعلم: أن الإيمان بالله عز وجل هو: التصديق بالقلب، بأنه الله الواحد، الفرد، الصمد، القديم، الخالق، العليم، الذي " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " .
مخ ۴