فمن ذلك: أنه تعالى متقدس عن الاختصاص بالجهات، والاتصاف بصفات المحدثات، وكذلك لا يوصف بالتحول، والانتقال، ولا القيام، والقعود؛ لقوله تعالى: " ليس كمثله شيء " وقوله: " ولم يكن له كفوا أحد " ولن هذه الصفات تدل على الحدوث، والله تعالى يتقدس عن ذلك فإن قيل أليس قد قال: " الرحمن على العرش استوى " . قلا: بلى. قد قال ذلك، ونحن نطلق ذلك وأمثاله على ما جاء في الكتاب والسنة، لكن ننفي عنه أمارة الحدوث، ونقول: استواؤه لا يشبه استواء الخلق، ولا نقول إن العرش له قرار، ولا مكان، لأن الله تعالى كان ولا مكان، فلما خلق المكان لم يتغير عما كان.
وقال أبو عثمان المغربي يوما لخادمه محمد المحبوب: لو قال لك قائل: أين معبودك ؟ ماذا كنت تقول له ؟ فقال: أقول حيث لم يزل ولا يزول. قال: فإن قال: فأين كان في الأزل ؟ ماذا تقول ؟ فقال: أقول حيث هو الآن. يعني: إنه كما كان ولا مكان.
وقال أبو عثمان: كنت أعتقد شيئا من حديث الجهة، فلما قدمت بغداد وزال ذلك عن قلبي فكتبت إلى أصحابنا: إني قد أسلمت جديدا.
وقد سئل الشبلي عن قوله تعالى: " الرحمن على العرش استوى " فقال: الرحمن لم يزل ولا يزول، والعرش محدث، والعرش بالرحمن استوى.
وقال جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: من زعم أن الله تعالى في شيء أو من شيء، أو على شيء، فقد أشرك؛ لأنه لو كان على شيء لكان محمولا، ولو كان في شيء لكان محصورا، ولو كان من شيء لكان محدثا، والله يتعالى عن جميع ذلك.
وقال بعض أهل التحقيق: " ألزم الكل الحدث، لأن القدم له، فهو سبحانه لا يظله فوق، ولا يقيه تحت، ولا يقابله حد، ولا يزاحمه عد ولا يأخذه خلف، ولا يحده أمام، ولا يظهره قبل، ولا يفنيه بعد، ولا يجمعه كل، ولا يوجده كان، ولا يفقده ليس، باينهم بقدمه كما باينوه بحدوثهم. إن قلت متى: فقد سبق الوقت كونه وإن قلت: أين فقد تقدم المكان وجوده، فوجوده إثباته، ومعرفته توحيده أن تميزه من خلقه ما تصور في الأوهام فهو بخلاف ذلك كيف يحل به مامنه بدؤه، أو يتصف بما هو إنشاؤه، لا تمقله العيون، ولا تقابله الظنون، قربه كرامته، وبعده إهانته، علوه من غير ترق، ومجيئه من غير تنقل، هو الأول، والآخر والظاهر، والباطن. والقريب البعيد، الذي " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " .
### || مسألة
خلق الحوادث
ويجب أن يعلم: أن الحوادث كلها مخلوقة لله تعالى، نفعها وضرها، إيمانها وكفرها، طاعتها، ومعصيتها.
والدليل على ذلك: قوله تعالى: " والله خلقكم وما تعملون " وأيضا فإن الله تعالى رد على الكفار لما ادعوا معه شركاء في الاختراع، فقال تعالى: " أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه، فتشابه الخلق عليهم، قل الله خالق كل شيء، وهو الواحد القهار " وقال تعالى : " هو الذي يسيركم في البر والبحر " ، فأخبر تعالى أنه خالق لسيرنا؛ وهي الحركات والسكنات. وقال تعالى: " هل من خالق غير الله " وقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله خالق كل صانع وصنعته. وأجمعت الأمة على القول: بأن لا خالق إلا الله في الدارين، كما أجمعوا أن لا إله غيره.
مسألة
ويجب أن يعلم أن الحوادث كلها تقع مرادة لله تعالى، وأنه لا يتصور أن يوجد في الدنيا والآخرة شيء لم يرده تعالى؛ من نفع، وضر، ورزق، وأجل، وطاعة، ومعصية، إلى غير ذلك من سائر الموجودات.
مخ ۱۲