انصاف
الإنصاف والتحري في دفع الظلم والتجري، عن أبي العلاء المعري
ژانرونه
أخبرنا قاضي المعرة شهاب الدين أبو المعالي أحمد بن مدرك بن سليمان، قال: سمعت جماعة من أهلنا تقول: كان أبو العلاء متوقد الخاطر، على غاية من الذكاء من صغره، ونحدث الناس بذلك، وهو إذ ذاك صبي صغير، يلعب مع الصبيان، فكان الناس يأتون إليه، ليشاهدوا منه ذلك. فخرج جماعة من أهل حلب إلى ناحية معرة النعمان، وقصدوا أن يشاهدوا أبا العلاء، وينظروا ما يحكى عنه من الفطنة والذكاء، فوصلوا إلى المعرة وسألوا عنه، فقيل له: هو يلعب مع الصبيان. فجاءوا إليه وسلموا عليه، فرد عليهم السلام. فقيل له: إن هؤلاء جماعة من أكابر حلب جاءوا لينظروك ويمتحنوك. فقال لهم: هل لكم في المقافاة بالشعر؟ (¬1) فقالوا: نعم. فجعل كل واحد منهم ينشد بيتا وهو ينشده على قافيته، حتى فرغ محفوظهم بأجمعهم، وقهرهم. فقال لهم: أعجزتم أن يعمل كل واحد منكم بيتا عند الحاجة إليه على القافية التي يريد؟ فقالوا له: فافعل أنت ذلك. قال: فجعل كلما أنشده واحد منهم بيتا أجابه من نظمه على قافيته، حتى قطعهم كلهم، فعجبوا منه وانصرفوا.
ومن أعجب ما بلغني عن فطنته وذكائه، ما سمعت والدي رحمه الله يحكيه عنه، فيما يأثره عن مشايخ أهل حلب، أن أبا العلاء لما عبر إلى بغداد، اجتاز في طريقه وهو راكب على جمل بشجرة، فقيل له: طأطئ رأسك، ففعل. وأقام ببغداد مدة إقامته بها. فلما عاد من بغداد إلى معرة النعمان، اجتاز بذلك الموضع وقد قطعت تلك الشجرة، فطأطأ رأسه. فسئل عن ذلك، فقال: هاهنا شجرة. فقيل له: ما هاهنا شيء. فقال: بلى، قد كان هاهنا شجرة حين عبرت هذا منحدرا إلى بغداد. فحفروا في ذلك الموضع، فوجدا أصلها اه.
مخ ۸۳