ولو نظر الطاعن كلامه بعين الرضا، وأغمد سيف الحسد من عليه انتضى؛ لأوسع له صدرا وشرح، واستحسن ما ذم ومدح. لكن جرى الزمن على عاداته، في مطالبته أهل الفضل بتراته، وقصدهم بإساءاته، فسلط عليهم أبناءه، وجعلهم أعداءه، فقصدوه بالطعن والإساءة. واللبيب مقصود، والأديب عن بلوغ الغرض مصدود، وكل ذي نعمه محسود. ومن سلك في الفصاحة مسلكه، وأدرك من أنواع العلوم ما أدركه، وقصد في كتبه الغريب، وأودعها كل معنى غريب -كان للطاعن سبيل إلى عكس معانيه وقلبها، وتحريفها عن وجوهها المقصودة وسلبها. ألا ترى إلى كتاب الله العزيز، المحتوي على المنع والتجويز، الذي لا يقبل التبديل في شيء من صحفه، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كيف أحال جماعة من أرباب باطل الأقاويل، تأويله على غير وجوه التأويل، فصرفوا تأويله إلى ما أرادوا، فما أحسنوا في ذلك ولا أجادوا! حتى إن جماعة من الكفار، وأرباب الزلل والعثار، تمسكوا منه بآيات، جعلوها دليلا على ما ذهبوا إليه من الضلالات. فما ظنك بكلام رجل من البشر، ليس بمعصوم من إن زل أو عثر، وقد تعمق في فصيح الكلام، وأتى من اللغات بما لا يتيسر لغيره ولا يرام، وأودعها في كلامه أحسن إيداع، وأبرزها في النظم البديع والأسجاع، إذا قصده بعض الحساد، فحمل كلامه على غير المراد!
مخ ۳