وفي الساعة الرابعة بعد الظهر سمع نادر أغا نحنحة السلطان فعلم أنه استيقظ فوقف، وما عتم أن فتح الباب وأطل عبد الحميد فأشار إلى نادر أغا أن يدخل فدخل، فقال له: «سمعت مشيا في هذا الدهليز.»
فاستغرب نادر أغا قوله وأكد له أنه لم يمر أحد، ولم يكن عبد الحميد قد سمع شيئا لكنه قال ذلك لسوء ظنه على سبيل الاستطلاع. ثم أشار إليه أن يأمر رئيس الإسطبل بإعداد الجواد الأبيض للتجول عليه في الحديقة، فأسرع نادر أغا وبلغ الأمر لتخلو الطرق من المارة، وبعد قليل نزل السلطان فركب الجواد وسار بين اثنين من ياورانه، وهما مفوضان أن يقتلا كل من يجدانه في الطريق.
طاف الحديقة الصغرى والكبرى على هذه الصورة وهو يتلفت ذات اليمين وذات اليسار، فلاح له أن يلهو بزيارة المعامل، ومنها: معمل للترميم، وآخر لصنع البورسلين، وترسانة لصنع الأسلحة من كل نوع حتى المدافع والبنادق. وزار أيضا ما هناك من المتاحف الصناعية والملاعب المختلفة، ثم تحول إلى الإسطبلات وفيها الجياد على اختلاف أشكالها، حتى وصل إلى أبراج الحمام في الحديقة الصغرى.
وكان ينزل عند كل معمل أو متحف أو إسطبل ويلهو ويتفقد ما فيها، وعمالها يبذلون جهدهم في عرض ما تفننوا فيه من ضروب الصناعة، وهو يظهر أنه مهتم بكل ما يقولونه ولكنه في الحقيقة مشتغل بهواجسه.
فلما وصل إلى الحديقة الصغرى دخل الكشك فتذكر ما كان من حاله فيه في صباح ذلك اليوم. ووقع نظره وهو داخل هناك على شيء أذكره بالمهرج المضحك وهم يسمونه في اصطلاحهم «كاغدخانه أمامي»، فأشار إلى نادر أغا أن يأتيه به.
وبعد قليل جاء المضحك، واسمه علي أفندي، وهو كهل منظره يضحك الثكلى، وكان قصير القامة كبير الرأس عظيم الأنف، وقد لاث حول رأسه عمامة كبيرة وليس جبة طويلة تزيد منظره غرابة. جاء وهو يستعيذ بالله من تلك الدعوة لأن السلطان كان يبالغ في تعذيبه التماسا للضحك. فحالما أقبل على السلطان وقف مطرقا بعد أن قبل الأرض، فأشار السلطان إلى نادر أغا إشارة فهمها ، فأمر بعض الوقوف من الخدم أن يطلوا وجه المضحك بالسواد ففعلوا، ولما تم الطلاء وقف علي أفندي وألقى التحية فضحك السلطان من منظره. وأشار إلى نادر أغا إشارة أخرى، فقبض على ذلك المسكين وحمله بين يديه وألقاه في البحيرة فقهقه السلطان، ولكن الناظر في ملامح وجهه يعلم أنه يتكلف ذلك. فجعل علي أفندي يخوض الماء وقد وقعت عمامته عن رأسه وعامت جبته على سطح الماء وهو يصيح ويستغيث والسلطان يضحك. ثم أمر بإخراجه فأخرجوه والماء يقطر من أردانه وقد أعدوا له ثيابا أخرى في مكان آخر، فمضى فبدلها وعاد وهو يتظاهر بالسرور والمجون ويده على أنفه يضربه ضربا متواليا، فأغرب السلطان في الضحك وابتدره قائلا: «ما الذي أصابك؟ ولماذا تضرب أنفك؟»
فقال: «أضربه لأنه أصل هذا البلاء علي، أنا أعلم أن شكل هذا الأنف هو السبب فيما أقاسيه من العذاب!»
فأدرك السلطان أنه يعني الإشارة إلى الأرمن الذين هم كبار الأنوف وقد اشتهروا بعداوة السلطان، ولكنه تجاهل وقال: «هل نقطع لك هذا الأنف؟»
فابتسم المضحك وقال: «إذا كان البادشاه يريد أن يزيدني جمالا فليفعل.»
فضحك السلطان وقال: «نادر أغا، اقطع أنفه.»
ناپیژندل شوی مخ