فأخذ الخادم الورقة ودخل من باب المطبخ فلقي الخادم الجديد الذي جاءوا به للمأدبة في ذلك اليوم، فوقف يشاغله ويراقب حركات شيرين حتى رآها أتت المطبخ لتبعد عن أبيها وصاحبه، فأسرع ورمى الورقة في يدها وخرج.
ففضتها فعرفت أنها بخط خريستو فقرأت فيها: «إن رامزا حي وهو آت لنجدتك. لا تخافي.»
فلم تتمالك أن شهقت من الفرح بغير إرادتها وصاحت: «رامز!» ثم انتبهت وخبأت الورقة، ولما رأت أهل البيت انتبهوا لشهيقها أظهرت أنها أحست بألم شديد في رأسها ، فلم يستغرب أبوها ذلك لعلمه بما لحقها من القهر. أما صائب فلمهارته في الجاسوسية لم يصدق حيلتها، وحدثته نفسه بأمر طرأ عليها من جهة رامز، وكان جالسا في الصالون مع القاضي والشهود فأظهر أنه اهتم بأمر صحتها، فأسرع إلى غرفتها ووقف بالباب وقال لطهماز: «هل أدخل يا سيدي؟»
فقال: «تفضل يا باشا، لعل وجودك يذهب ألمها.»
فدخل وقد أرخت شيرين النقاب على وجهها لتخفي بكاءها، فلحظ في يدها ورقة فأصبح همه أن يتناول تلك الورقة من يدها بالحيلة، فقال: «دعيني أجس يدك لأرى ما بك.» ومد يده نحوها.
فاستلت يدها وخبأتها وراء ظهرها، فمد يده إلى هناك فوقفت ونفرت منه، فتبعها وأظهر أنه يريد الاطلاع على تلك الورقة عنوة، فتمنعت وصاحت فيه بلهجة الاستخفاف وقد عادت إليها قوتها لما علمت ببقاء رامز حيا وأنه آت لنجدتها، فقالت: «ابتعد عني يا رجل ...»
فصاح أبوها بلحن التوبيخ: «ما هذه الجسارة يا شيرين؟ ألا تعلمين أنك بهذه الوقاحة تحطين من قدري؟»
فقال صائب: «دعها يا سيدي إنها متألمة، وأنا أحب أن أرى الورقة التي في يدها.» فقالت: «ما لك ولها؟ الأحسن لك ألا تعرف ما بها لأنها تحمل إليك الشر!» فضحك وقال: «وماذا عسى أن يضرني؟» والتفت إلى أبيها وقال: «يظهر أنها حتى الساعة لم تدرك من أنا، فيا لضيعة المحبة! هاتي الورقة.»
فابتسمت وقد ذهب بعض امتقاع وجهها من ذكرى رامز وقالت: «ألا بد من اطلاعك على هذه الورقة؟ خذها.» ورمتها إليه وجعلت تتفرس فيه لترى ما يبدو منه وقد استعدت للدفاع بالخنجر المخبأ في أثوابها.
فلما قرأ الورقة ضحك ضحكة التهكم وقال: «إنهم يهزءون بك، إن رامزا أصبح ترابا نجسا مثل سائر رفاقه الأغرار، وسترين مصيرهم جميعا.»
ناپیژندل شوی مخ