فبغت رامز وقال: «أين ذهبوا؟»
قال: «سألت صاحب الفندق فأخبرني أنهم بعد خروجي في هذا الصباح ركبوا وساروا إلى حيث لا يعلم.»
فقال سعيد: «يظهر أنهم شكوا في أمر خروجك وخافوا أن تبلغ خبرهم للجمعية، فانتقلوا إلى مخبأ آخر.» فوقف رامز مبهوتا لا يقول شيئا، فقال له خريستو: «دع ذلك إلي يا سيدي وأنا آتيك بخبره عاجلا. أين أجدك؟»
قال: «اترك الخبر عند سيدتك توحيدة فإنها في بيت أهلها (ووصف له البيت)، وإذا اقتضى الأمر مكاتبتي فهذا عنواني.» وذكره له.
فقال: «حسنا، اتركاني وانصرفا.»
فتركاه وعادا وهما لا يتكلمان، والنار تتأجج في قلب رامز ويتمنى أن يرى صائبا ليأكله أكلا، ولحظ أبوه فيه ذلك فقال: «دع ذلك عنك يا بني، وهلم بنا إلى الجمعية لنزف لها نتيجة مهمتنا في مشورة فوزي بك.»
وأبلغا الجمعية أن فوزي بك يرى الإسراع في طلب الدستور، فأرسلت إلى القصر برقية طلبت فيها إعادة مجلس المبعوثان.
الفوز الأكبر
وقع الرعب في قلب السلطان عبد الحميد لفرار القادين وهي حامل، وتشاءم من فرارها، ووجه عنايته إلى مطاردة الجمعية والفتك بها، وجعل معوله على شمسي باشا المشير، ولم يلبث أن أتاه نبأ مصرعه، فخارت قواه وزادت وساوسه ومال إلى العزلة للتأمل والتفكير، وعمد إلى استطلاع الغيب على أيدي المشايخ وهم يطمئنونه. وإنما كان جل تشاؤمه من وضع القادين، فبذل جهده في تعقبها بعد فرارها حتى أخبره جواسيسه أنها في مناستير مع فوزي بك، وكان قد فوض إلى شمسي باشا الأمر بالقبض عليهما فتعجلت الجمعية منيته، ففوض ذلك إلى عثمان باشا فقبض عليه، واستحث فيلق الأناضول فلم يجبه فازداد فشلا. وكان صائب باشا يعلم رغبة السلطان في ذلك، فرأى أن يخدمه بقتل الطفل، إذ يستحيل عليه القبض على القادين أو الأميرالاي بعد فشل الحكومة. فعل ذلك من تلقاء نفسه والسلطان لا يعلم.
وملأ اليأس قلب عبد الحميد وتراكمت عليه الهواجس بذهاب القوة العسكرية من يده في مقدونيا والأناضول، وتضاعفت وساوسه وأصبح يكره أن يرى رسولا قادما نحوه لتوالي أخبار السوء عليه، حتى غدا لا يتوقع خبرا مفرحا، ومال إلى العزلة، ولم يعد أحد يجسر على مقابلته، وإن كان في حال المقابلة لا يظهر عليه شيء من القلق لاقتداره الغريب على إخفاء انفعالاته. على أنه كان كيفما توجه تصور القادين ج أمامه، وإذا تصور وضعها شعر بخفقان قلبه.
ناپیژندل شوی مخ