فقال: «وفقكم الله إلى ما تريدون! ونحن لم نترك يلدز إلا لنكون معكم في هذا السبيل، فماذا نفعل؟»
قال: «تنزلون مناستير، وسنلتقي هناك ونتعارف ونتعاون. والآن قد تعبتم، وأظن جرجيس يغض النظر عن مطالبه منكم.» والتفت إلى جرجيس وضحك، فقال جرجيس: «بل أنا في خدمتكم إلى حيث تريدون.»
فقال نيازي: «لا نكلفك هذه المشقة فأنا أتولى إيصال حضرة الأميرالاي إلى مكانه، وإنما أطلب منك المحافظة على العهد الذي عقدناه في هذه الليلة.»
قال: «إني على ما تريدون.»
فودعوه وعادوا، فمشى نيازي ورجاله في خدمة فوزي بك حتى وصلوا إلى الطريق السلطاني وهناك افترقوا. فعاد نيازي إلى بلده وهو غارق في بحار التفكير لأمر خطر له وهو يخاطب جرجيس في تلك الليلة، سيكون له شأن في نيل الدستور.
سار سعيد بك وفوزي بك يطلبان مناستير، فقص هذا حديثه عن القادين وأنه كان يتعشقها قبل أن تصير قادين، وهي لا تلتفت إليه لاشتغالها بعبد الحميد، وأنها كانت تظهر انعطافها نحوه وكان لها يد في ترقيته حتى صار من الياوران وتولى رياسة إحدى فرق الحرس. فلما علمت بعزم السلطان على الغدر بها بسبب حملها بعثت إليه فدبر أمر تهريبها مع شيرين. فسأله عن شيرين أين هي، فقال: «جئنا معا إلى سلانيك بعد أن طال سفرنا في الطريق لأننا جئنا على الأفراس في طرق بعيدة عن المدن، خوفا من عيون عبد الحميد. فلما وصلنا إلى سلانيك نزلنا في فندق متنكرين وهي معنا، ثم استأذنتنا في الذهاب إلى بيت أبيها لعلها ترى والدتها هناك لأنها فارقتها في ذلك البيت، فمضت مع خادمها ولم تعد. فبعثنا خادمنا في اليوم التالي يبحث عن خبرها فعاد وقال إنه وجد أباها، وهو يعرفه منذ كان في يلدز، وإن صائب باشا الجاسوس معه، وقد اعتزم أن يزفها إليه، وكأنها يئست من بقاء رامز فقبلت. ولم يعد بإمكاننا البقاء في سلانيك خوفا من كشف أمرنا، فسافرنا نطلب بلدا لنا من ولاية مناستير، فاتفق لنا ما رأيت.»
فشق خبر شيرين على سعيد لعلمه أنه يغضب رامزا غضبا لا مزيد عليه، وفكر قليلا فتذكر الكتاب الذي قبض عليه عند جرجيس بإمضاء صائب يبث فيه روح الشقاق، فتحقق أنه إذا عرضه على الجمعية حكمت على صاحبه بالموت فيقتل على أهون سبيل، لكنه يجب أن يعرف مقره وأن يبلغ رامزا ذلك، وهو لا يعرف أين هو.
إعلان الثورة
وصل الركب بعد سفر شاق إلى قرية في ضاحية مناستير صاحبها من نصراء الجمعية، فكلفه سعيد تهيئة بيت لإقامة عائلة الأميرالاي. وكانت القادين قد ثقل حملها ودنا وقت وضعها، فارتاحت في تلك القرية وأعد لها سعيد كل ما يلزم من أسباب الراحة. وصحب الأميرالاي إلى مناستير وقدم اسمه للجمعية فقبلت عضويته، فأدخلوه وأقسم اليمين في الظلام وهم ملثمون كعادتهم عند قبول عضو جديد في الجمعية. وبعد خروجه قص سعيد على الجمعية ما كان من أمره مع جرجيس، ثم أخرج الورقة بإمضاء صائب وأطلعهم عليها، فتقرر بالإجماع أن سعي هذا الجاسوس من قبيل محاربة الحرية والدستور، وذلك أشد نكاية على الجمعية من الجند والسلاح، فتبرع أحد الفدائيين بقتله حالما يعرف مقره.
وبعد انفضاض الجلسة عاد فوزي بك إلى منزله، وذهب سعيد إلى توحيدة وقص عليها ما سمعه عن ابنتها فلطمت وصاحت: «ويلاه! إنه لا يزال يفكر في صائب وكل مصائبنا منه! لا ينبغي أن أبقى هنا، يجب أن أذهب إلى سلانيك، لا شك أن شيرين تكون في أشد الضيق، وأخاف أن تقبل الزواج بذلك المنافق ليأسها من بقاء رامز، فهي لا تعرف أنه حي. ويلاه! ما العمل يا سيدي؟!»
ناپیژندل شوی مخ