فنهض سعيد وقال: «إنه لنعم الرأي! وأنا أتولى تفريق هذه المنشورات بيدي.»
فقال صادق بك: «بورك فيك! إنك نعم الصديق الأمين لأبينا مدحت، رحمه الله! إن هذه المهمة شاقة وكثيرة الخطر، إذ يعسر عليك الوصول إلى تلك العصابات وهي لا تستقر في مكان. ولكني أشير عليك أن تستعين في معرفة أماكنها بالأخ نيازي بك قائد طابور رسنه، إنه ذو حمية وبسالة، وقد قضى مدة في مطاردة العصابات البلغارية، وقد أحس البطل هادي باشا العمري حامي حمى الأحرار بتعيينه هناك، وإني أتوقع لهذا الشاب مستقبلا مجيدا. ونحن نعرفه ولكنه لا يعرفنا، إنه من إخواننا أعضاء هذه الجمعية المقدسة، فهو يعرف أحوال العصابات، فإذا لقيته فاستعن به في البحث عن أماكن رؤسائها.»
ثم استأنف صادق بك الكلام فقال: «وهناك أمر عظيم الأهمية أيضا، أعني به مخابرة الدول على أيدي قناصلها بتقارير نشرح فيها حالنا مع سلطاننا ورجاله، حتى نعذر في نظرهم إذا مست الحاجة إلى التحكيم أو نحوه، وهذا العمل لا أرى فينا أليق به من أخينا رامز، لأنه لا بد من بحثه عن خطيبته الباسلة الحرة، وهو كاتب متضلع في اللغات الأجنبية، ففي طريقه يقوم بهذه المهمة.»
فوقف رامز وقال: «إنه لشرف عظيم لي أن يراني الأخ صادق بك أهلا لهذه المهمة، وسأقضيها على الرأس والعين.»
فوقف صادق بك عند ذلك وقد أبرقت عيناه وبانت البسالة فيهما، وقال: «بقيت مهمة واحدة أطلب إليكم أن تسمحوا لي بها لأنها من واجباتي.»
ففهم الجميع أنه يعني قتل شمسي باشا، فتصدى ضيا بك قائلا: «إن المهمة التي تشير إليها أيها الأخ الباسل نضن بيدك أن تمتد إليها، أنا أنوب عنك فيها.»
فوقف حبيب بك وأبدى مثل هذه الرغبة، فقال صادق: «نحن متفقون إذن على وجوب إزالة ذلك المخلوق الفاسد، ولا فرق في أن يكون أحدنا أو الآخر هو المنفذ لهذا العمل. وها أنا ذا أقسم اليمين.» وتقدم نحو القرآن والسيف فتسابق رضا وحبيب إلى هناك ووضع كل منهم يدا على القرآن ويدا على مسدسه وأقسموا اليمين المغلظة بقتل ذلك الرجل وغيره عند الحاجة في خدمة الحرية والدستور. فأثر ذلك في سائر أعضاء الجمعية، فهبت الحماسة فيهم ودبت الحمية في عروقهم دبيب الكهرباء، فنهض شاب من الأعضاء هو الملازم ك وقال: «لا يليق بأحد منكم أن يلوث يده بدم ذلك الفظ الغليظ، أنا أريحكم منه، ثقوا أني أفعل ذلك، ويجب أن أفعله وحدي.» قال ذلك وقد تجسمت الشجاعة في عينيه.
فهتفوا جميعا: «فليعش الفدائي الحر!» وقال صادق بك: «هكذا تكون الحماسة والمروءة! كان الله معك أيها الأخ لكسر شوكة الظالمين.» •••
ثم قال صادق بك: «والآن سيتلو عليكم الأخ الكاتب صورة المنشور، الذي سيوزع على يد الأخ سعيد بك في رؤساء القبائل وزعماء العصابات البلغارية وغيرها. وبما أنه طويل أرجو أن يتلوه مختصرا.»
فوقف الكاتب وقرأ هذه الخلاصة :
ناپیژندل شوی مخ