قالوا: وكان فعل عمر في توقيف الأرض بمحضر الصحابة، من غير نكير (١)، فدلَّ ذلك على أن معنى قوله ﷿: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال: ٤١]: فيما عدا الأرضين، وأن الأرض لا تدخل في عموم ذلك، واستدلوا بأشياء من هذا الباب، ليس فيها بيانٌ جليٌّ.
وقول ثالث: إن الإمام مخيَّرٌ بين أن يقسمها في المغانم، كما فعل رسول الله ﷺ بخيبر، أو يقفها لمصالح المسلمين، كما فعل عمر بأرض السَّواد، وهو قول سفيان الثوري، وأبي عُبيد، وأكثر الكوفيين (٢)، وكأنهم رأوا الآيتين -آية الغنيمة من سورة الأنفال، وآية الفيء من سورة الحشر- واردتين مورد التخيير في حكم الأرض بخاصّة، قال بعضهم: فقسم رسول الله ﷺ خيبر اتباعًا لآية الغنيمة، ووقف عمر أرض السواد اتباعًا لآية الفيء، وهذا أيضًا مما لا دليل عليه يوضح دعوى التخيير فيه، والأرجح ما ذهب إليه الشافعي، والله
أعلم (٣) .
(١) وتلا عمر على ذلك كلٌّ من: عثمان، وعلي ﵄.
فذكر هذا الفعل عن عثمان: أبو يوسف في «الخراج» (٣٥)، وأبو عبيد (ص ١٠٩)، وابن زنجويه (١/٢٥٣) كلاهما في «الأموال» .
وأما عن علي: فقد أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (١١/١١٠ رقم ١٠٦٥٦)، وأبو عبيد (رقم ٢٠٨)، وابن زنجويه (٣٢٣) كلاهما في «الأموال»، ويحيى بن آدم (١١٣-١١٧)، وأبو يوسف (٣٦-٣٧) كلاهما في «الخراج»، والبلاذري في «فتوح البلدان» (٢٦٦)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٩/١٣٥) من طرق عنه -وهي لا تسلم من ضعف أو انقطاع، ومجموعها يدلل على أن لها أصلًا- بألفاظ متقاربة، منها: «لولا أن يضرب بعضكم وجوه بعض؛ لقسمت السواد بينكم» .
(٢) وهم: أبو حنيفة وأصحابه، وسيأتي -قريبًا- توثيق ذلك.
(٣) بل الراجح -والله أعلم- أن الإمام مخير في الأرض المفتوحة عنوة؛ بين جعلها فيئًا وبين جعلها غنيمة، فإذا رأى المصلحة في جعلها غنيمة قسمها بين الغانمين؛ كما قسم النبي ﷺ خيبر، وإن رأى أن لا يقسمها جاز؛ كما لم يقسم النبي ﷺ مكة، مع أنه فتحها عنوة، وهذا مذهب: أبي حنيفة، والثوري، وأبي عبيد -كما ذكر ذلك المصنف-، وكذلك هومذهب: ابن سيرين، وعمر بن عبد العزيز، وأحمد في المشهور عنه.
انظر: «الأموال» (١٠٧) لأبي عبيد، «الأموال» لابن زنجويه (١/٢٤٨)، «السير الكبير» (٣/ =