ابتداءً (١)، فهما في الحكم غير مختلفين، وثبت أن رسول الله ﷺ عقد الصلح بينه وبين المشركين يوم الحديبية، وكتب لهم بذلك كتابًا، كتبه علي بن أبي طالب
﵁، خرَّجه مسلم وغيره (٢)، فكان ذلك حُجّة لمن أجاز الهدنة للعدو.
وقد اختلف في المعنى الذي له صَالحَ رسول الله ﷺ أهل مكة عام الحديبية.
فقالت طائفة: كان ذلك على جهة النظر للمسلمين من وجوهٍ؛ منها: كثرةُ عدد المشركين، وإصفاقُهم على منعهم من الدخول عليهم، ومنها: طلب التفرُّغ لقتال غيرهم، ومنها: الأمن لمن أراد الدخول في الإسلام، وليتقوَّى على حربهم فيما يستقبل، وقالت طائفة: بل صالحهم وهو غير عاجز عنهم، لكن طمعًا في أن
يُسلموا، أو يُسلم بعضهم، وممن رُوي عنه القول بالمهادنة للعدو: مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، والأوزاعي، وغيرهم (٣) .
(١) وقال ابن المنذر في «الأوسط» (١١/٣١٣): «للإمام إذ رأى مصالحة العدو ومهادنتهم، أن يبدأ هو، فيعرض ذلك، لأن النبي ﷺ بدأ، فقال لبُديل بن ورقاء: «إن قريشًا قد نهكتهم الحرب، فإن شاؤوا هادنتهم مدة» ...» .
(٢) أخرجه من حديث البراء بن عازب: البخاري في «صحيحه» في عدة مواطن (الأرقام: ١٨٤٤، ٢٦٩٨، ٢٦٩٩، ٢٧٠٠- معلقًا، ٣١٨٤، ٤٢٥١) . ومسلم (٩٠، ٩١، ٩٢) (١٧٨٣) .
ومسلم من حديث أنس (٩٣) (١٧٨٣) .
والبخاري (٣١٨١، ٣١٨٢، ٤١٨٩، ٤٨٤٤، ٧٣٠٨)، ومسلم (٩٤، ٩٥، ٩٦) (١٧٨٥) من حديث سهل بن حنيف ﵃ جميعًا-.
(٣) انظر في مذهب الشافعية: «الأم» (٤/٢٠١- ط. دار الفكر)، «منهاج الطالبين» (٣/٣٠٤)، «روضة الطالبين» (١٠/٣٣٤)، «المهذب» (٢/٢٥٩-٢٦٠)، «البيان» للعمراني (١٢/٣٠٢، ٣٠٦)، «شرح النووي على صحيح مسلم» (٧/٤١٩)، «مغني المحتاج» (٤/٢٦٠) .
وفي مذهب المالكية: «عقد الجواهر الثمينة» (١/٤٩٧)، «الكافي» (١/٤٦٩)، «الذخيرة» (٣/ ٤٤٩)، «النوادر والزيادات» (٣/٣٤١)، «قوانين الأحكام» (ص ١٧٥)، «حاشية الدسوقي» (٢/٢٠٥) .
وفي مذهب الحنفية: «الهداية» (٢/٤٢٩)، «البناية» (٥/٦٦٩)، «فتح القدير» (٥/٤٥٥)، «المبسوط» (١٠/٨٦)، «بدائع الصنائع» (٧/١٠٩)، «الفقه النافع» للسمرقندي (٢/٨٤٢ رقم ٥٦٩) .
وهو مذهب الحنابلة -أيضًا-؛ انظر: «المغني» (١٣/١٥٤) . =