خرَّجه مسلم (١) .
كل ذلك دليل واضح وحجة بيِّنةٌ في إمضاء الشرع العمل على مفهوم ذلك كلِّه، وأما لزوم ذلك، وإن لم يُرِدْ المسلم به الأمان إذا ظَنَّه الحربي أمانًا؛ فلأنه فعل ما يوهم الأمان، فكان سببًا لاطمئنان الحربي إليه، فَثَبَت له بذلك حُرمة الأمان، فأمَّا أن يُمْضِيَ له ما ظنّ من ذلك، أو يُردَّ إلى مأمنه، ولا يهجم -بعد ظنه الأمان واطمئنانه إلى ذلك- على قتله أو أسرِه، قال الله -تعالى-: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ﴾ [الأنفال: ٥٨]، فأمر الله -تعالى- أن يُعْلَموا برفض ما كانوا يعتقدونه من صِحَّة عهدهم وثبوت أمانهم، ولم يُبح اغتيالهم حتى يكونوا على بصيرة من أمرهم، وأخذ حذرهم، فكان ذلك أصلًا في كل مستشعرٍ من أهل الكفر أمانًا من المسلمين؛ اطمأنَّ إليه، أو نزل عليه.
وأيضًا؛ فالذي يشير بما يشعر الأمان، أو يفعل ما يُستقرأ منه الأمان، وهو لا يريده، فله حالتان:
* إما أن يكون لاهيًا غير قاصدٍ لإشعار التأمين، فهو وإن لم يلزم به التأمين مُطلقًا، فلم يخلُ عن شبهةٍ، فهو سبب انبعاث الاطمئنان إليه، فعهدة ذلك على المسلم حيث سَبَّبه، لا على الحربي، فوجب أن يُزال ذلك بالردِّ إلى مأمنه.
* وإمَّا أن يكون فعل ذلك ذاكرًا وهو لا يريد تأمينه حقيقة، وإنما يُريد أن يوهمه حتى يتمكن منه، فهذا هو عين الخيانة والغدر المحرم باتفاق، ولذلك توعد في مثله عمر بن الخطاب ﵁ بما توعَّد (٢)، ولا خلاف يعلم بين المسلمين في تحريم ذلك، ونحن نبيِّن -إن شاء الله- وجه الفرق بين
(١) في «صحيحه» في كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات (باب ثبوت القصاص في القتل بالحجر وغيره ...) (١٥) (١٦٧٢) من حديث أنس ﵁.
وأخرجه البخاري في عدة مواطن من «صحيحه» (الأرقام ٢٤١٣، ٢٧٤٦، ٥٢٩٥، ٦٨٧٦، ٦٨٧٧، ٦٨٧٩، ٦٨٨٤، ٦٨٨٥) .
(٢) مضى تخريجه قريبًا.