فكانت نشأته مثارًا للإعجاب وأنظار الناس، فأقبل على العلم بجد ونشاط وعزيمة، فحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب قبل أن يتجاوز الثانية عشرة من عمره في مدرسة المربي سليمان بن دامغ (^١).
واشتغل بالعلم على علماء بلده ومن يرد إليها من العلماء، وانقطع للعلم وجعل كل أوقاته مشغولة في تحصيله حفظًا وفهمًا ودراسة ومراجعة واستذكارًا، حتى أدرك في صباه ما لا يدركه غيره في عمر طويل (^٢).
ثم أقبل على كتب الشيخين ابن تيمية، وابن القيم، قراءة وفهمًا، فكان لها أثرًا في فتق ذهنه، وتوسعة مداركه، حتى خرج عن طور التقليد، إلى طور الاجتهاد، فصار يرجح من الأقوال ما يرجحه الدليل، ويصدقه التعليل (^٣).
فنشأ السعدي يتيمًا، واليتم يصنع في الرجال الطموح والتحدي، والقفز على الصعاب، وكان في بيت صالح من أب وأخ وأم وزوجة الأب، فكان لهؤلاء أثرًا في نشأة السعدي، نشأة صالحة متوجهة إلى الخير ومعالي الأمور.
لم يذكر المترجمون للسعدي رحلات علميه له، وإنما كان أكثر مشايخه من علماء نجد، ومن أهل عنيزة تحديدًا، وقد أشار إلى ذلك البسام بقوله: (ولو حصل له جولة في بلاد العالم، وجالس العلماء والمفكرين، واطلع على ما يقدمه العلم الحديث من صناعة واختراع واكتشاف لتفتحت أمامه آفاق واسعة) (^٤)، إلا أن السعدي رحمه حاول سد هذا الباب بالمكاتبة، فقال البسام في ذلك: (كاتب علماء الأمصار