المروق في البرق
القطة المسحورة
رحلة التيه والحب والمستحيل
قصيدة الذهب
الطليق يظل رباطا لجيدي
قرابين النار
السقوط الأخير
الدائرة الخبيثة
وجه آخر
رحيق، ونار الهزار
رسالة إلى سليمان العظيم
بكائية القار والعار «سراييفو» التي قبضت على الجمر
رحيق البرق
طائرا في برج العنقاء
على هامش القلب
دوائر في كيمياء الحب
النبض المتسامت
حمى اليراعة
انعتاق إلى القيود
مرثية الجروح العصية
بشائر الميلاد
التوءمان
الغيبوبة الكبرى
تمثال بلا قلب (بجماليون)
التائه بين شعاب المرجان
سموم
المروق في البرق
القطة المسحورة
رحلة التيه والحب والمستحيل
قصيدة الذهب
الطليق يظل رباطا لجيدي
قرابين النار
السقوط الأخير
الدائرة الخبيثة
وجه آخر
رحيق، ونار الهزار
رسالة إلى سليمان العظيم
بكائية القار والعار «سراييفو» التي قبضت على الجمر
رحيق البرق
طائرا في برج العنقاء
على هامش القلب
دوائر في كيمياء الحب
النبض المتسامت
حمى اليراعة
انعتاق إلى القيود
مرثية الجروح العصية
بشائر الميلاد
التوءمان
الغيبوبة الكبرى
تمثال بلا قلب (بجماليون)
التائه بين شعاب المرجان
سموم
انعتاق إلى القيود
انعتاق إلى القيود
تأليف
محمد محسن
المروق في البرق
تذاوبي في لحظة،
لا تصطلى في العمر إلا مرة،
وعانقيها حلوة ومرة،
ولا تحاولي تذكر الذي
محا سواه من دروب الذاكرة. •••
وفي تضاريس الشعور خط وشمه الجميل،
وحط لحن طيره في اللاشعور،
طائر ولا يطير!
شلال نهرك ابتدأ في لحظة، ثم انتهى،
وأرضك البكر انتشت
واخضوضرت؛
لما الرذاذ مسها.
وغزوة الفتح انتهت بفارس
يفتح أبواب المدينة،
ويعتلي قلاعك الحصينة،
لتصبحي في لحظة منتصرة. •••
فلتكتبي منابت الحروف،
ولترشفي الرحيق من حريقه،
وسهمه احضنيه في الكنانة،
اغمري جموحه في صدرك الرقيق،
هدهدي جنونه في بحرك العميق،
أججي النيران تحت مائه حتى يفور، وأنطفي،
تذوقي شهد العذاب المشتهى؛
فهذه تذكرة الولوج في عوالم الخصوبة،
ورحلة الغريق في السعادة العجيبة،
وثروة العمر التي قد آن أن تباع دونما ثمن.
وحاجز ما بعده يسير،
السيول برهة وتنتهي!
والألم الشهي ليته ...!
فكيف للدماء بعدما تخثرت؟!
وكيف للدماء بعدما تمزقت خيوط العنكبوت؟!
فلتصرخي صادقة،
ولترقصي في موجة تجتاح عامدة،
ولتنتمي إلى حميا اللحظة الآسرة. •••
حرية: قيد الثواني العابرة،
ورحمة: سوط الهوى،
فلا تمر منك لحظة النجاة والمغامرة،
كلاعب يحمل فوق كفه حياته؛
للحظة المبهرة! •••
تشبثي بنصلها؛
لتعبري المسافة الضئيلة المخيفة،
بين الدماء والقطيفة،
بين الجليد والمياه،
بين الحياة،
وتمرقي في شعرة المستحيل،
بين الجناح والهواء،
بين السماء والأفق،
بين الشبق. •••
تشبثي بحلمك الجميل،
واعتصري خمره؛
كي لا تكون لحظة مبتسرة؛
فربما نعيش ألف مرة!
وربما ... •••
لكنها بارقة نادرة!
ونشوة حتمية مطبوعة
على دفوف الذاكرة!
القطة المسحورة
يا قطة الأرق المراوغ
والزهور القائلة،
تأتين بالنيران طائرة؛
لتنطفئي بأعماق الشعور المستكين،
وتستبيني من دمائي القاحلة. •••
عيناك ملهمتان بالجنات تكسوني،
وبالحرف المقدس
تفتح الأمصار،
تجتاح البحار،
ويبدأ الغزو المحبب؛
فالجيوش تدكني،
والملح في أمواجها يغتالني،
وتظل من أهدابها تترقرق الأنهار
حاملة إلى قلبي الخصوبة،
والرياض الذابلة! •••
كرتان من ألق ومن لهب - هلامي أثير -
تسبحان على ظلال الحلم،
تختفيان في لجج الضمير،
وفي خلايا اللاشعور،
وتحتويني باليراع،
وتمطر القلب المعنى بالنجوم،
وتنبش الشعر الذي
قد أقبرته نيوبها يوما. •••
فهل
تحيي يد الجاني الرماد؟!
وتبعث الحب الرميم؟!
تلملم الأشلاء؟!
تدعوها لكي تأتي،
وتسعى من غيابات الجبال النائية؟!
وتحوم في غيبوبتي جنية
تأتي مماتنة، إذا اختلطت بأشباح الضياء؟!
وتنجلي في عتمة المشكاة أكثر فتنة،
وتراود الحلم المؤجج في دمي عن نفسها؟! •••
بيضاء تخرج،
ثم تدخلني؛ لكي تتلبس الروح
التي انصهرت،
وذابت في أثير خطوطها؛
فأروض الحلم العصي،
وألجم الحرف الأبي،
تحيلني شبقا شقيا عبقريا،
أو بقايا هيكل من سنبلة. •••
وإذا رأيت مواءها وسط الدجنة؛
فزعت في القوافي،
واستبد حنينها بين الحنايا
بلسما،
زهرا، وأشواكا،
وأشواقا، وترياقا. •••
يخلخلني انعدام الوزن،
ألمس طيفها مذبذبا،
وأربت الآهات في صدري،
ورعشة ظهرها؛
فتهدهد الأشواق
تحدو في سحائي القافلة! •••
أين الصواعق والمدى والكهرباء؟
فيا لهولي، قطة مسحورة
ذابت،
وتاهت في ظلام الضوء!
أطيافا، ونرجسة، وشلالا
يبعثرنا، يباعدني؛
فتدنو من شراييني وتلدغني،
وتحفر بينها والقلب جرحا مستطيلا
جامعا فوق الدماء، وموغلا في قنبلة. •••
يا قطة الوجع المعربد والشظايا الخاتلة،
مثل النيازك تقفزين من الغياهب في دمي!
كم ذا اشتهيتك، إنما للنار ذائقة مدمرة!
ومن إدمان أجيال السموم عصارتي
وتغلغل الحب الكظيم.
مناعتي انهارت، وغاصت في عذاباتي؛
فلا تتجشمي!
قد صار سهلا أن يذاب إلى حمياك الحديد،
وأن يفر الحب في ذيل الخيول المجفلة.
يا ليته قد ظل أطلالا تعشش في الفلول الآفلة،
لكنه أجزاء أطيار توزعها الخليل؛
فهل لديك المعجزات في سعير الأسئلة؟
رحلة التيه والحب والمستحيل
مهداة إلى توءم الروح: أحمد صلاح الدين عيسى
محيط من الكهرباء،
وأمواج بحر الضياء،
مغامرة واشتهاء،
ومدهشة تستحم بقيظ الندى،
وألماسة في ضباب الأصابع مرشوقة في المدى،
والمسافات تهوي على عجل الحافلات،
وتنزاح خلفا،
وخفق الفجاءات يعلو،
ونصل الدقائق ينساب في كعكة الشوق،
والزبد منصهرا والزبد. •••
وشوق التعمق حلم عصي،
ودرب الوصول إلى قلب فاتنة
يستبيها نزيف الأحبة؛
فالحب للأقوياء،
ومن يبتغ الشهد؛ فليعرج الفارس الفذ نحو السماء،
ويساقط الآخرون. •••
سألت الطيور، محنطة الشدو، عالقة في الدخان،
فقالت:
كلانا هنا غرباء،
وحيتاننا اعتصرتنا، ومضت دمانا؛
لتنبذنا في العراء،
ولولبة الريح بعد الجفاف
تبعثرنا في الغبار هشيما،
فلا لحن من شاعر أو هزار،
وما من قطار يعود ليرجعنا أو مطار. •••
ولما رأيت النجيمات شاحبة في السديم،
استدارت، وقالت:
بمن تهتدي، يا ابن عصر النجوم؟!
أراك
تدور تحوم مثل الفراشة حول الحريق،
وتصعد، تهبط كل الدروب الجسور،
وتلهث، ثم تعود إلى نقطة الصفر؛
ماذا تروم؟ •••
العشيقة:
عشاقها العنكبوت، واللافتات مضللة، والمساء،
وفى زخم الرقص والخمر تطفو الملاهي،
ألوف المآذن، والناطحات السحاب بلا أفق،
والنوافذ تسكب ألحانها تخمة،
والشوارع معجونة بالضجيج،
وسبعون لونا من الطيف،
مليون صوت تشع وتخبو. •••
ومملكة العشق في ظلها
تتهامس من غير بوح،
ورب وحيد نشاز ببؤرة هذا العجيج!
ورب غريب يسوح بوحشته في خضم الجنون
وطيف الصبابة وحش أطارده؛ علني
أقتفي أثرا للوصول لوجه الأميرة؛
فهل سندباد اهتدى؟
أم ترى كان وهمي الجزيرة؟ •••
سألت المجرات، حراس غيب الفضاء القديم،
فقالوا:
رأوك بغيبوبة الكون ليل التواريخ:
غانية شطرها يمم النيل وجهه،
وشق من الصخر مجراه بعد دهور الجهامة والقحط،
فيضا يزف إليك جموع المطر،
وعرقا يلم المياه إلى القلب نضاخة بالنماء،
وطفلا إلى الأم يحبو؛
ليستاف منها رحيق الحياة،
ويهدي إليها الحياة،
فهل أنت واهبة أم هبة؟
ومنذ الفراعين،
لوتسة تتبختر في مفرق النهر،
يحرسها موكب الشمس بنتا ل «رع». •••
كيف أبدع آلهة المنتمين إليك على صدرك المعجزات
مهادا إلى بعثهم، واصطفوك ملاذا وأمنا؟ •••
فهل أستجير بك الآن من أذرع التيه،
يا وطنا أشتهيه؟!
دعيني أذوبه في يقيني،
دعيني أغني، وأبكي طويلا،
وأبحر - بعد اغترابي - بالشعر في مقلتيك؛
فما غير عينيك، أهدي نشيدي.
قصيدة الذهب
من يستطيع أن يعوم في مراجل الذهب،
ويعبر المحيط طالبا يد الأليف،
ويقهر المحال مثل ريشة تريد
أن تدك صرح مارد مخيف،
مثل الفراشة التي تناطح الصخور واللظى الكثيف؟!
من يستطيع؟ •••
من يستطيع أن يخوض أعمق البحار،
ويستحيل حلمه الجميل لانتحار؟
فذلك المحيط ماؤه انصهار عالم الذهب،
وشطه الجبال والسدود والتخوم واللهب! •••
أميرتي،
عزلتها يا سيدي في الشاطئ البعيد،
وقلت: من يرم قطوف شهدها؛
فليهدم السدود، وليحطم القيود
ما بين حبنا وعرسنا،
أقمت يا وليها المحال،
وقلت: مهرها
أن أقطف النجوم،
أعصر الشموس،
أطحن الجبال،
وأجمع السدوم والشهب،
أحيلها جميعها إلى ذهب؛
كي أشتري رضاك، لا رضاها،
وأحتوي هواك لا هواها. •••
يا سيدي،
السوط في يديك يرسل الأنين، يطلب النجاة،
ومن تسومه العذاب، لن يهون في هواه؛
فالحق يا ولي أمرها،
يا قدرا يجلدني، ويستبين مهجتي بها،
أنا ولي قلبها،
أنا ولي حبها،
وفي سبيلها
فتحت قلب شاعر، وفي أديمه غرستها،
أهديتها مشاعر أغلى من الذهب،
أسكنتها منازل أعلى من الشهب،
رويتها عصارتي، رحيق مهجتي؛
فأصبحت حبيبتي. •••
يا سيدي،
أرجوك دع سفينتي تسير،
فلست منجما من الذهب،
ولست ساحرا
يحيل كل ما يمسه إلى ذهب،
ولست حاكما
متوجا على كنوز الأرض والبحور،
لكنني بحبها غدوت أسعد البشر،
لفظت عالك الكنوز والقصور والعبيد،
بنيت كوخ حبنا من الوفاء،
فرشته الخلود والهناء،
سموت فوق عالم الرياء ،
وعشت في القمر. •••
أحببتها
بقلب شاعر، وروح طائر صغير،
حملتها
في قلبي الرحيم طائرا بلا جناح؛
لكي تهيم روحنا - تهيم في السماء -
نطل من عل،
نرى الحياة عالما حقيرا
مكبل الشعور في سلاسل الذهب،
مقيد المصير في براثن الذهب،
مبعثر الضمير في متاهة الذهب؛
فدع لحكمة الإله ما وهب،
ودع لقلبي ما أحب،
ودعك من
خرافة الذهب.
الطليق يظل رباطا لجيدي
تشبين في داخلي
مارجا من قلق،
وتنمين في مهجتي
ماردا من أرق،
يفزع نومي، ويهتك حلمي،
ويسكنني؛
فأصير أسيرا له لا أريد انعتاقا،
ويسلبني معطيات الإرادة،
يجرعني في هواه الخضوع، الخنوع، كئوس البلادة،
ويرجعني - رغم أني الغني - لعام الرمادة. •••
أيا شمعة تذرف الدمع زلفى إلي،
وتحنو علي،
وتحرقني مثل نار المجوس؛ فأبعث حيا،
وتهتف - بي دائما للعذاب المخلد - هيا. •••
وأنثى تغازلني، تستثير الغرائز؛
حتى أمد يدي أقطف الجمر، أسكبه في حشاي،
وأحشو الخلايا،
تعانقني فوق نصل مسمم،
أراقصها
رقصة الجوع والنار والموت والبعث والملحمة. •••
أسير لحبك، أجرع من شفتيك السموم،
وألقي على كتفيك الرضا والهموم،
وليت الذي في هواه الشقاء يدوم!
وكم قيل: إن جوى الحب تذكيه نار الفراق!
ولكن وصلك - هذا التوحد، هذا المزيج المؤبد -
نار الصبابات والاشتياق. •••
أيا نار «كسرى» متى تخمدين،
لعلي أشهق يوما أريج النسيم النقي،
وأعتق من قيدك السرمدي؟ •••
جريمة حبي فوق القوانين؛
هل باركتها السماء؟!
ودون عقاب تبثين في الفناء،
مراوغة تحتويها الأصابع،
أهفو إليها، وتهفو إلي،
وتفنى من الحب بين يدي؛
لتثوي بين الدماء. •••
هي الطائر الهمجي الطليق يظل
رباطا لجيدي،
ومشنقة لوجودي،
وحتمية ليس يلزمني منطق أن أحوم بقرب حماها،
وتفاحة - في يميني - حلال سواها.
فيا وردة الضعف، ما زلت
رمزا لضعفي،
وزيفا لذيذا أرى الحق فيه،
وسيفا على عنقي أشتهيه؛
فمن ذا يخلصني من عذابي وحتفي؟
ويا أنت، أفعى بكفي،
وفي كل يوم أقبلها ألف مرة،
وأدخلها جمرة في فؤادي،
وأحضنها في عنائي وسعدي ونومي وسعيي،
وألقي على قدميها عنادي،
وأعشقها مشتهاة ومرة،
فيا شهقة إلى رئتي، ارحميني،
ويا جمرة أدمنتها الجوارح، هيا اعتقيني؛
فما أنت في الصدر إلا دخان،
وهيفاء بيضاء فتنة هذا الزمان،
بقد نحيل، وخبث جميل.
تجوبين بحر المحال
بسحرك أو حسنك المستعار، «وحواء» منك تغار،
وتعشق نكهتك المرمرية،
ويا ليت شعري،
هل أنت أم أنها ستكون الضحية؟! •••
وما أنت إلا حصان جموح مثير شهي،
سأخسر من أجله كل شيء،
إذ كان حتى رحيق الحياة الرهان؛
ألست صديقا لدودا وفيا، يزف السراب إلي
رضاه علي رهين بأرصدة «البنكنوت»؟
وغولا أنام بأحضانه مطمئنا،
وأشهق أنفاسه طائعا للدماء الدفينة؟ •••
تكاد تمزقني رغبة جامحة
سنابكها فوق صمغ الجراح،
وذرتها لا تمل التكاثر في طفرة وانشطار؛
فيجذبني كل قطب، وينثرني فوق كل مدار. •••
إذا لم تكن لي كل الغنيمة؛ لا شيء يكفي،
وإن لم تكن لي كل الهزيمة؛ لا شيء يرضي؛
فكيف إذا ما برأت أعاند نفسي،
وأقطع بالطيش رأسي؟
أصر على أن أشق بجسمي المهلهل
دربا عسيرا، وأجتاز نفسي
إلى غابة الشوك والجن والانتحار،
وحلم الوصول إلى عالم من سراب؟ •••
قشعريرة الخوف تلهمني؛ فأهيم على كل درب؛
يطاردني مارد من ظمأ؛
فألعق
صيف البوادي،
ووهم حلول الضباب المخلف طيف الغنائم. •••
أيا خمر «أفيونتي» الأنثوية،
ويا «شهر زاد» السنين الشهية،
أتدرين حجم الخسارة، إما استمر هوانا؟
وكم سنعاني إذا
ما افترقنا برغم امتزاج دمانا؟ •••
عذابي وحبك
أنشودة عبقرية،
نرددها دون حرف ودون بيان،
وإن لفنا الصمت أم شل منا اللسان؛
فعين الملاحم تبقى على الدهر حية. •••
أيا نهر،
هل ينضب النهر حتى إذا ما احترق؟!
وهل يعبأ النهر
إما غرقت به أو جحيم غرق؟ •••
أيا قلب معشوقتي الأزلية،
ويا صفوة الحب والشعر والسحر والمستحيل،
أما آن وقت الرحيل؟!
قرابين النار
«مولوك»
1
يشوي ظله الأطفال،
يرمي خضرة الأغصان في جوف الجحيم،
يؤرق الليل التوهج،
يمطر الطير اللهيب،
ويرتقي درج السماء،
وينفخ الجبل الأشم؛
فينتهي وسط الهباء. •••
وأنت، يا ناري التي صلبت عليها مهجتي
منذ اكتشاف النار،
منذ تبرعم الأشواك في طيني،
ومنذ تمازج الأشواق في سفر النشوء
على يديك،
فهل لديك سلافة تطفي وتيني؟
ضمخيني عند عرشك باللهيب،
وعمديني من لظاك،
وسجريني من خمور الحب
لما أخطبوط النار يأسرني بأذرعه انبهاري،
ثم يعتقني، ويسلبني محاولة الفرار؛
لأنني أهديك حبي وانتحاري،
أدخليني قلبك الموار؛
علي أزرع الإحساس في قلب النحاس،
وأطفئ الصنم الإله،
أحول البركان أنهارا وجنات وحلما للحياة،
وأنتمي،
ويلاه من حب
يمنيني، ويقليني،
ويغتال الأزاهير البريئة، والهوى. •••
قربان روحي في جحيمك قد هوى،
ثم استوى،
لما احتوى عينيك
عند
تضوعي بالنار،
عند تبرج الأشعار،
حين تعرت الذرات. •••
غيلان الطبول تدك أنفاسي؛
فلم أسمع من الأعماق صرخاتي وأجراسي،
وآهات الحديد. •••
أواه يا موتي، ويا بعثي،
ويا حلمي العنيد،
يا زهرة «الأوركيد»
هل منك الحريق أم الرحيق؟! •••
هل أنت أحضان العناق أم الشراك؟
هل أنت أسر وانعتاق؟!
هل دمي يهفو إلى نار المجوس؛
تعيد تكوين الغريق؟!
السقوط الأخير
وكل لحظة
تعربدين داخلي بعرضك المثير،
وتمرقين في الأثير،
تزلزلين خيمة الشعور،
وتسكبين في الضمير دهشة المغامرة،
وتمتطين صهوة المقامرة،
تسافدين في الهواء المستحيل،
تعلقين جسمك النحيل
في مدى النخيل،
والخيوط لا ترى
والعنكبوت - طائرا - يذوب في الفضاء،
ويبلغ السماء،
حينما يحفني الدوار؛
فكيف ذوبت عيونك النهار،
وتاه نجمنا،
وهام «سندباد» بيننا؟! •••
وأنت
حية سحرية في «السرك» تلعبين،
تنبسطين حين تأرزين،
وتختفين حين تبرزين،
والدماء تحت جلدك الشفيف تنثني،
تشع شهوة، تمور
لاصطلاء مهرجانك الخطير،
تشد حبل شوكي النخاع،
تدور في السماء كاليراع. •••
تحملين روح حبنا على كفوف من يصفقون،
تكتبينه - مذبذبا وباهتا -
على دفوف من يراقصون طيف بهلوانة.
تحرك الخيوط والقلوب،
والخرائط، العرائس، الضياء. •••
غانية تفيض أنهرا؛
لتغرق الجموع دونما ارتواء،
والعاشقون متخمون بالخواء،
والقلب في الضجيج
صابر،
مغلف بصمته،
يذود عن سراب حلمه،
ويدفع اللهيب،
يفرش العيون،
حينما يراك تسقطين،
ثم تقفزين كالشهاب صاعدا،
وتلهبين العصب اللاإرادي القدير، «السمبثاوي» الذي
يغزو مدى الذرات،
يشحذ اضطراباتي،
المؤجج الرؤى
يفيض بالرعب المعت ...
الذي يثبط الحب المهيض
الحائر الغريق في الشبق. •••
وأنت تدخلين يا يمامتي - طائعة -
في القفص المسحور،
والفؤاد
تحطمينه، تمزقين ما به،
وتبتسمين، ترقصين ، تهزئين،
والوحوش - دونما قيودهم - مكبلون،
يصدعون للجمال،
حينما يعانق المحال. •••
والخيال
عالم يحرك الفراشة اليراعة الفتون،
لاهثا يفسر الطلاسم التي ترعرع الجنون،
ونردك فوق احتمالات الفنون؛
فكيف لا أظن بالهوى الظنون؟! •••
صلادة الزجاج هشة،
حتى إذا خدشت مهجة الحديد. •••
والنرجسية التي بها
ولجت عالم المرايا،
وسحت في دوائر الفراغ،
وانتثرت في دقائق الزوايا. •••
وموجة التمرد الذي كساك
موديا إلى سقوطك الأخير. •••
وعند كل زلة مضت،
تحفك الشباك وانخلاع الأفئدة،
ويحتويك شص كبوة السلامة
إسفنجها
النعيم واللهيب والنشوء والقيامة. •••
فتحت منحنى ارتجاجك،
استعدت في تناسق رشاقة الظباء،
رغم قلة وكثرة تراكمت. •••
وفوق مستوى ارتجالك
انطلقت نجمة تعانق السماء.
آلمت وما تألمت،
غزالة
نافرة تطير في دمي،
تخلخل الأعصاب والعروق،
زئبقة
تماتن السوائل والمعادن الظلام والبريق،
تشق دربها بلا هوية
كخنجر يغوص في الرحيق؛
فهل تحلق الطيور دونما جناح،
وتأسر السدوم والأفلاك والرياح،
وتصعد المياه ضد جاذبية الأديم والصخور؟ •••
جناحك الصمغي ذاب حينما
فقأت عين الشمس؛
فانصهرت في جراح شمعة الغرور. •••
فهل هويت داخلي؟
وأنت
هوة الهوى ومغنطيس الانبهار «وكمبيوتر» الخوارق
الذي بعبقرية طغى وأغرق البحار؟! •••
أتضربين موعد الهوى على خمائل السحاب،
واللقاء عند روضة السراب،
والعناق حين ينشق الأفق
حين تغرب الحقيقة،
المكان والزمان عند ثرة الشفق؟! •••
فقلبك - الذي مزجته بضوء سحرك - احترق،
وطيرك - الذي ختلت قلبه -
قد فر وانطلق!
الدائرة الخبيثة
مدينة
كثيرة الزوايا،
غريبة المرايا،
تلقي ظلالها كئيبة على دمي،
أحسني بها تشرد الغريب،
يحفني بها تنكر القريب،
وأصطلي نعيمها،
وأرتوي حنانها الرهيب! •••
ولدت بعدما نجوت من ذراع أخطبوطها،
وحين حاولت وراثتي تفك قيد بيئتي؛
ألفيتني
محاصرا بحبها،
محاسبا بذنبها،
مطالبا بثأرها
من أين تبدأ الخيوط في ضبابها؟!
وأين تنتهي النقوش في جلودها؟!
وكيف تبرق الحياة في هلامها؟! •••
لقد تآمر الذئاب يا حبيبتي،
وألبسوا مدينتي قناعها الغريب،
وشوهوا عيونها،
ودنسوا ترابها،
وعكروا مياهها،
وسمموا الحليب؛
فأصبحت شيطانة تجاوزت قرونها السحاب،
وأنشبت نيوبها في مرقد التراب،
ديمومة أنوائها بالكون دائرة،
أرجوحة حبالها على الرقاب دائرة،
طاحونة غليظة الرحى،
تفتت المياه والحديد،
وتشعل الهواء والجليد،
تزاوج الجراح بالصديد،
وتفرز العداء والحروب والتمرد العنيد،
كيف النجاة يا حبيبتي؟!
وكيف مهربي معك؟
وكيف أتقي جروحي؟
وكيف ألتقي بروحي؟
فالجيفة التي تبعثرت وضمخت فم المدينة
تغلغلت في الكائنات كلها،
أخاف أن ينالنا وباؤها
ونحن لا نزال برعمين،
نلعق النقاء والطهارة
والخير والجمال والضياء والبراءة؛
فلا أمامنا سوى اعتصامنا بحبنا. •••
مسافر إليك يا حبيبتي،
طريقي الحياة،
حصاني الثواني،
وزادي الأماني،
أدور راكضا على الدوائر المفرغة، «سيزيف» لم يزل مبعثرا على السفوح والقمم،
معلقا بين القنوط والألم،
وصخرتي - مدينتي -
دماؤها بداخلي،
ولم أزل سجين سورها العتيق،
عمري يقي كل ليلة على غدي،
روحي تدوخ حينما تروم معبدي،
أعود خائب المنى،
منكس الجبين،
حينما يشدني دمي إليك،
هاربا إلى طفولتي؛
فكيف أنتمي إلى أمومتي،
وثديها بلا مذاق،
وحبها، لطفها نفاق،
وصالها جميله الفراق،
حلالها جميعه الطلاق،
ضميرها لنزوة يراق؟ •••
فأين أنت يا مدينتي؟!
وأين فيك بيتنا؟ •••
فعشنا الصغير ليس عشنا؛
البيت بيت ضيفنا الثقيل،
أنيسنا صديقنا اللدود،
لا أمن دونما حماه،
لا حب دونما رضاه. •••
حريتي،
أواه يا حريتي!
ظلان نحن في الفراغ
دونما وطن. •••
طيران هائمان،
طفلان في العراء دونما كفن. •••
الحب في مدينتي يباع،
الحب صار أبخس المتاع،
نبض القلوب صار عملة اللصوص والسماسرة،
والسوق سيطرت عليه قوة الذئاب واليهود والجبابرة،
قد أوشكت أن تلجم الأيام شر الدائرة،
هبت رياح الآخرة،
تأخر اللاهون عن سفينة النجاة؛
فالويل للطغاة! •••
لقد تعلقت مشانق القيامة،
أكاد أسمع الصفير في السماء،
وأبصر الورى يهرولون،
يصرخون يهربون من دمائهم،
ويبتغون ثقب إبرة؛ لينفذوا خلاله سدى
أكاد ألمح المسيح هابطا
ليقتل الذي طغى، وقال:
إنني الإله خالق الفتن.
ليرحل الشقي للجحيم بعدما خوى جرابه،
وبعدما تنكرت له الفنون والحيل.
ليرحل الشقي:
كافرا،
وباطلا،
وساخطا على المدينة.
وجه آخر
مهداة إلى وجهي الآخر
الصديق الفنان: ماهر داوود
العقرب يلهث نحو الحد الفاصل،
والساعة سيدة الموقف،
والناس جميعا - لهفى - ينتظرون؛
لتكسر أطباق الماضي،
ولترمى في الطرقات - وفوق رءوس التعساء -
كئوس الخمر الجوفاء،
ولتحطم أكواب الذكرى؛
لتبعثر حبات البلور بغير هدى،
ويراق ضمير الليل سدى! •••
الكون يضج
طبولا وغناء،
موسيقى وبكاء،
أضواء وعطورا،
وزهورا وبخورا،
وشموعا ودموعا،
ويعج بأكوام الحلوى وخرافات الأطفال،
وخمور تنبع من آبار الجن،
ويموج ويصخب في فوران الكأس،
والكأس تدور،
الأشجار الحمراء تبدت،
وشموس الليل تدلت،
والأرجوحة لا تهتز ولا تتوقف،
لا يدري أحد ما الحد الفاصل فيها،
كرة تحمل قشرتها
ألباب المعتوهين وأحلام العقلاء،
وتخبئ في مركزها المجهول
حصاد الدنيا المصهور. •••
والكون المجنون يعربد فوق النار،
وينبش في جب الأسرار،
لا يعرف أيان تقوم قيامته،
أجراس كنائس هذا العالم
تصرخ في آن واحد. •••
انفض السامر في لحظة،
اختلطت أوراق اللعب،
وتعثر في الميدان النرد،
وتولى شبق الحلم. •••
انسلخ المارد من قشرته،
من لحظات كان جنينا،
والآن بدا ثعبانا ضخما
يزحف نحو الأزل المجهول
منتشيا من
تصفيق الجمع،
وشلال الخمر،
ولألأة الأضواء. •••
يرقص في ثوب أرقط
تتقاطع فيه خطوط الأيام،
وزركشة الساعات. •••
يحمل فوق الجلد الأملس من يتشبث،
والزئبق يهوي فوق زجاج مائل! •••
في كل زمان
الزمن الساحر يصنع ثعبانا
من لحم الأيام؛
فيزكيه، ويربيه،
ويتوجه، ويمجده؛
كي ينحره تحت الأقدام! •••
واختار الحب الزائف
أن يصبح جلدا للثعبان؛
ليمرق من عنق الأشياء،
ويعبر فوق الأشلاء،
ويدخل في التاريخ المغلوب على أمره،
ويساوم - إن شاء - على قلبه،
منبهرا
بسراب يصدر عن عينيه،
وخداع يلمع في فوديه،
طماعا يحلم بالكنز نظير رغيف مسموم،
غدارا يفتقد الأمن على ظهر أسير مهزوم.
بعثر في الأوهام شعوره،
وانهارت فيه الأسطورة. •••
قالوا من كذبوا: «الوجه جديد،
والحظ فريد،
والنجم سعيد.» •••
قالوا: «هذا عام الحب؛
برج «الحمل» الآن يعانق برج «الجدي»،
ويحلق في الأنسام،
ويرفل في ورد الأحلام،
والسعد يحف الروحين،
والحب يضم القلبين.» •••
لكن القلب الصامت يمضغ صمته،
يجتر عذاب الوحدة في هذا الحشد المجنون،
يحمل أكثر من «أيوب»،
يعبد تمثال الحب المقلوب،
النبض صداه يذوب،
ورمال الصحراء قلوب،
والقطرات الحيرى في أمواج البحر قلوب
القلب الصامت يمضغ صمته،
والصخب القابع فيه
بركان مكتوم. •••
همسات الحب تلاشت وسط ضجيج محموم،
طفل الحب التائه داسته خيول الظلماء،
وعقود الحب انفطرت،
والسعر ابتلعته الكلمات الجوفاء،
وزهور الحب الغرقى
ماتت ظمأى للماء. •••
منتظرا
كنت أحس طلوعك بالبشرى،
وأرى ميلادك مزدانا بالفرح،
ومهدك محفوفا بالأزهار،
أترقب أن ينفتح الباب،
ويغفل عني السجان؛
لكي أدخل،
أتمتع بالحرية خلف القضبان،
وأغني في قفصي أشهى الألحان،
فالكون الواسع ضاق بقلبي،
والبين يزلزل حبي،
وتلال الثلج تحاصر جمر الأشواق؛
فإلام أصير شقيا
لا ألمس أثواب الراحة؟
ولماذا أجتر عذابي،
والعالم حولي يعلن أفراحه؟
أكلوها،
ومضت كل الأجيال؛
لماذا جئت أنا؛
كي أدفع عنهم ثمن التفاحة؟ •••
منتظرا كنت،
وكنت صديقا لا يخلف وعدا،
كنت
شعاعا يهديني،
ورحيقا يرويني،
وأديما يؤويني،
وجناحا يحملني،
وشراعا ينقلني؛
فلماذا
أغفلت عذابي؟
وسفحت شبابي؟
وعبثت بشريان حياتي؟
وطمست سريعا في ركب الفوضى،
وأنا لا أقدر أن أتشبث أو أتزاحم،
لا أقدر أن أتسلق أو أتملق،
أو أصبح ذيلا للثعبان؟!
فأنا الإنسان. •••
منتظرا كنت
لنفحة حبك،
ولبسمة وجهك. •••
لكنك جئت غريبا في وجه آخر،
اصطرعت فوق لساني
أمطار الشوق وأمواج الحنظل،
واشتجرت في وجداني
أشباح الوحل وأطياف المرمر. •••
فاخلع عنك قناعك، واختر
أي الوجهين.
رحيق، ونار الهزار
مهداة إلى الصديق الشاعر: علي الدكروري
أيهذا الهزار
الذي روع القلب،
ما أروعه! •••
كل شيء - سوى أغنياتك عندي -
ما أضيعه! •••
فاهجر الشك والشوك،
وامرح على خلجات الزهور،
ورفرف بنور انعكاس مراياك نحوي،
فنارك في الصدر بالثلج تهوي،
وكأس من الحنظل المحتوي بسماتك يروي؛
فنفض خلاياك؛
ينهمر الشعر من ثرة اللاشعور،
وينعتق الحرف بالصدق حرية،
نخلة هزها بنشيدك؛
يساقط الحب في مهجتي رطبا، رطبا،
قبلا من رحيق ونار. •••
أيهذا الهزار الذي يحتويني،
وفي قفص الحب أدخلت نفسي طوعا؛
لعلي أراه
يبث الحياة ويروي المياه،
ونحو الجروح يمد الشفاء يدا،
ثم يمزج ألحانه في مدى لؤلؤات الندى.
فإذا ما
سما للسماء،
وأصبح حادي السحاب؛
استجاب لأحضان أرضي،
وراح يبل الصدى لتباريح روضي،
وذاب بنبضي
أغرودة الارتواء،
وزغرودة الانتماء. •••
فيا لحن غيث العطاء،
ويا أيهذا الهزار الشرود ،
دوما تجود؛
فكيف تعود
لتسلبني ما تغلغل في،
وأنبت منك الورود،
وتحرمني من عبير الخلود؟ •••
وكيف تمردت - هونا وهولا - على الحب،
واستمرأت شفتاك الصدود؟! •••
وخفت على اللحن أن يستبى
حين أرجعتني خائبا،
إن شدوك في مهجتي
بصمة،
بسمة أشتهيها،
ووشم الزمان بكل الخلايا التي ذبت فيها،
وشمسك لا تستطيع
الملائك والإنس والجن أن تستبيها. •••
أترضى إذا ما وضعت بمشكاة عينيك
عيني ملاك - بديلا -
وغيرت لون دماك،
ورمت سوى قلبك المحتويك دليلا؟ •••
وكيف مصير الذي يسرق
الكهرباء، الصواعق، والنار؟! •••
يا أيهذا الهزار،
يا حاضن الطيف،
يا عاشق السيف،
يا ساحر الفل،
يا آسر الجلنار،
ويا «سندباد» العذارى،
ونجم الحيارى،
تحرر،
وغرد ورفرف بكل الحنايا،
ولا تحبس النفس في حجرة كلها من مرايا،
وبث الأهازيج في كل دار،
أمن يؤثر اللحن منك على لحنه،
من يحب ظلالك عن ضوئه،
وينمي نخيلك في عينه،
ثم يرعي يراعك في قلبه،
هل تراك تخاف على أغنياتك
من حبه؟!
أيهذا الهزار،
لحونك - ملء المدى -
أنجم أستحم بنهر ضياها،
وتفاحة من جنانك أو من جنونك،
لكنني في يميني حلال سواها،
ولست شقيا بغير فؤادي الأبي،
ولست «معاوية» يا «علي»؛
فكيف لسرك، عهدك، جرحك، لا تصطفيني،
وتطعنني في وتيني؟! •••
فرحماك:
إني حملت الأمانة حين «أبتها»،
إني تساميت فوق اصطياد انبهار القصائد،
عفت نزيف اشتهاء الموائد،
إني تمردت فوق القلائد والغيد والناهدات الحسان،
وما رمت إلا البراءة والحب أجنحة لوجودي،
وليس ادعائي لغير وليدي،
وإن تساميت فوق السماك بجيدي،
فرحماك بالسيف يا شهريار.
رسالة إلى سليمان العظيم
مهداة إلى أستاذي ووالدي: د. محمد السعيد لبن
أخرى رسالاتي إليك بها دمي،
خرت معانيها صراعا من فمي،
لما انتصرت على الجراح، ولمتني؛
أسقطت قلبي في عذاب مضرم. •••
يا أيها الضوء المخلد من سليمان العظيم،
يا هالة قدسية تسبي العيون،
وينحني في نورها نور الأحبة أجمعين،
الإنس والجن الموثق عهدهم لا يخلفون،
وأنت من فوق البساط تسخر الريح؛
ابتهالا للذي خلق الرياح،
وجمع الأبناء والأحباب أفئدة بها نهفو إليك،
فشدني من هوتي ، هبني الدواء،
ودع عيوني رانيات بالدموع لعلها تروي انتمائي؛
واكسني صفحا جميلا علني أطفي بلائي،
وأحبني حبا عميقا
بالنماء يمدني فرعا إليك ومنك،
عمدني بمائك من رحيق الطهر،
وامنحني - لكي أحيا - رضاك
يأيها البشر الملاك. •••
يأيها البشر الملاك،
هبني مسيئا؛
من سواك يعيدني ويضمني ويلم أشتاتي وأشلائي،
ويمحو من دمي الحزن الكظيم؟!
فعدني - إن غبت -
طفلا تائها وسط الدجنة
أقتفي دربا لنورك؛
فالجميل مطوق جيدي. •••
وهبني هدهدا يأتيك من سبأ بأشعار
وبالنبأ العظيم. •••
غنى رسولك، واستطال جناحه فوق السديم،
ورفرفت آياتك العصماء في
حقل النجوم،
وفي ضمير الكائنات،
وفي ربا الكون القديم؛
لتبشر الأحياء بالبعث المجدد للهوى؛
فالعرش في قلبي، وملكك مهجتي. •••
لو نعلم الغيب - الذي لا نبتغي علما به -
كنا لبثنا في هواك معذبين؛
فالحب ناموس الحياة تميمة،
زلفى إلى قلب الحبيب،
لو قبل الظمآن خديه ارتوى واخضوضرا،
بيديه حاز الكوثرا
ما كان يكفيك اللآلئ والبحار، تحية،
أو عرش بلقيس الثمين هدية،
ما كان يكفيك الكواكب والقصائد والندى،
وقلادة للحب في حجم المدى؛
فاقبل هديتي التي خلقتها من طين ذراتي؛
فقد ربيتها في خاطري،
ونقشتها في نبض شرياني وقلب دفاتري،
يا آسري،
هل كنت حين نهرتني يوما على الأشهاد
إلا رحمة،
لا يصطليها غير قلب مفعم بالانتماء،
ترقرقت حباته حبا عليك؟
وهتفت بالنمل «ادخلوا هيا مساكنكم: ولا ...»
لا ذنب لي إلا هواك،
يا أيها المتبختر الماشي سعيدا فوق أجفاني،
كفاني أنني كحلت عيني من ضياك،
يا أيها البشر الملاك.
بكائية القار والعار
مهداة إلى الشاعر الصديق: محمد محمد الشهاوي
أيا فتنة مزقتنا بوادي الشتات،
وجرثومة عربدت في هيولى الحياة،
ودمرت الكائنات،
وتفاحة وسوست بالخيانة والغدر،
يا ثروة أرضعتنا الشراهة والفقر،
يا قوة دحرتنا إلى هوة الوهن،
يا شهوة أرجعتنا إلى رتبة البهم،
يا حية المعجزات التي ابتلعتنا،
ويا شمعة أشعلت في ليالي هوانا،
وفي لعبة الطيش
قد أحرقت نفسها، أحرقتنا،
ويا نعمة لونت بالسواد القلوب الغريرة،
ويا نقمة حسدتنا عليها النفوس الحقيرة،
لتنسكب الآن فوق جبين الخليج سيولا غزيرة ،
لينسجم القار من حلمات السماء على أرضنا
غضبا، لعنة، وسموما مريرة،
ليقتتل الإخوة الفرقاء،
لترو الدماء رمال الجزيرة
نخبا على شرف الأجنبي،
لترقص جموع المجانين جذلى
بموت مهين، وعار لعين،
وذكرى انتحار غبي. •••
ويا سادة الحفل،
يا زعماء السكارى،
انثروا فوق لوثة هذي الرءوس العطايا،
ألا هللوا لنحيب الضحايا،
ألا باركوا زمجرات المراجم،
وحيوا هطول القنابل
فبين فحيح الصواريخ تهوى الجماجم،
ألا صفقوا للدماء الرخيصة حين تراق
مزيجا مثيرا يعري هوى اللهو فيكم؛
ففي «السرك» ما يستبيكم،
ألا حركوا كل هذي الدمى؛
فشطرنجكم
رقعة الموت فيه بحجم المدى،
وهيا احشدوا في صياصي الردى،
كل هذي الجموع؛
فتلك المباراة تسلية
تشعلون بها النفط نارا غبارا دمارا
وجائزة ووساما لمن سيبيد ومن سيبيد،
وسيان كل الوقود من الناس
أم من خيول المدى العربي. •••
وهيا - بفرحتكم - أطلقوا في سماء القيامة بعض الحمام،
وأقواس نصر، وأغصان زيتونة، وأكاليل غار
فحين تسوى بنا الأرض بعد انقشاع الغبار؛
يحل الوئام،
ودوسوا على جثث القوم نشوى،
وغنوا نشيد السلام؛
وسوف يردده كل حي كما الببغاء،
وسوف يعم بأرض الفناء الغناء،
ويرفل في طيلس الخيلاء ضمير رعاة البقر،
وترتاح - في عالم من هناء -
جفون حماة الرذائل والقيم البربرية؛
فبعد انقضاء القرون - وباسم الحضارة - تستنزف البشرية
وتمحى رؤى الكون والأبجدية
بحرب صليبية
بل يهودية، بقناع وباسم معار،
تحرر نفط البلاء المقدس،
أكذوبة صدقتها عقول البلاهة والانسياق المدنس. •••
أيهذي الجياد التي روضتها الأيادي الدنيئة،
وقادت خطاها إلى غابة الوحل بين نيوب الخطيئة
وسط الدجنة نحو السقوط الرهيب،
ومستنقع النفط فخ عجيب،
وقد زينته أيادي الحواة؛
فمن يمسح القار؟!
من يغسل العار
عن جسد الفرس العربي؟!
ومن يمسح الدم
والغل والثأر «يقلي» القلوب؟
فيا ليت غربان هذا الزمان تعلمنا؛
لنواري سوآتنا
ونخبي - يا ورق التوت - عوراتنا،
فمأساة قومي
بطول التواريخ والجسد المهترئ
فوق عباب الخليج وبين رمال المحيط. •••
وحجم المصيبة
حجم التمزق
حجم التشرذم والمهزلة؛
فقد أحرق الإخوة الجبناء قراهم،
واستغاثوا بسطوة هذا الحذاء الغشوم؛
ليطمس قدس ثراهم،
واستعاروا سموم الفرنجة ؛
حتى تداوي دماهم. •••
وقد حاصرتنا شياطين حلف الردى والفتن،
وغصنا عميقا بجوف المحن،
ولم نجن غير الضياع،
وقد مزقتنا الضواري الجياع، «فوائد قوم لئام مصائبنا، وجراح القلوب العصية؛
وأضحوكة نحن قدامهم؛ نحن شر البلية.»
فمن يأخذ النعمة النقمة المارد المتفجر
من تحت أرض مقدسة لوثتها يداه،
وعاثت فسادا بها خطوات الطغاة؛
فلم نجن منه سوى
فتنة تحتوينا،
سوى ردة تصطلينا،
ولم نجن منه سوى فرقة وعذاب مقيم؟! •••
ومن يأخذ الزيت حتى يعود لنا البيت
والأهل والخبز والملح،
حتى يعود لنا الشعر والحلم
واحة حب وعش سلام؟ •••
ومن ذا يعيد لنا بلدا آمنا
يرزق الله من فضله أهله ثمرات القناعة؟
ومن ذا يعيد لنا وحدة الصف والقلب
في صلوات الجماعة؟
«سراييفو» التي قبضت على الجمر
«سراييفو»
التي قبضت على جمر الحقيقة
منذ أحقاب الدجى الأولى،
وخبأت الزهور البكر في بحر من الأشواك - لم تأمن سواه -
فما طفا منها؛ تمص النار أعينه،
وتحسو الجن سوسنه،
ومن يرفع من المستنقع الموار رأسا؛
كي يقول: الله.
أو يستنشق الحرية؛ انسحقت دماه
على نيوب الغول.
كيف تمردت هذي الغزالة وانتمت للحب
نافرة تطاردها الوحوش،
وأورقت في غابة الديجور،
وانتصرت على الطوفان،
وامتشقت مآذنها تفيض: «الله أكبر»
في مدى البركان
وسط جهنم العجم،
وما زالت سفينتها
تجوب المستحيل المر في بحر من الظلمات،
باحثة عن «ابن زياد»،
تبرق من غياهب سجنها سورا لقرطبة،
وآيات إلى الأمم؟! ••• «سراييفو»
لأنت الطفلة العصماء،
عاشت في صحاري التيه أحقابا بلا أبوين،
في كبت بلا رئتين،
حافظة طفولتها، بكارتها، حضارتها.
وسمت نفسها «إيمان».
تغني رغم قبضة خانقيها،
رغم قسوة قاتليها أخلد الألحان.
هي اللغة التي قد هاجرت يوما وما هجرت،
فأهل الكهف قد ناموا وما نامت،
وقد صامت، وقد صانت
على وعد بعود يوم نصر الله والفتح. ••• «سراييفو» حمامة حبنا
ظلت رهينة قلعة الشيطان،
تبحث عن سلام غارب فيها،
وعن غصن يظللها ويؤويها،
وعن عش بلا ثعبان،
وعن بحر بلا قرصان. ••• «سراييفو» التي ضجت من الصمت، «سراييفو» التي ولدت من الموت ،
تنادي نخوة الإنسان
أن يحمي هويتها وبسمتها وقبلتها،
وقبلتها من الطغيان.
فيا قلبي على الإسلام بعد الهيضة الكأداء
من ذئب بحجم الكون يرصدنا،
وتنين يحوم حول مسجدنا،
ويا لهفي على صف أمام الله
في قلب يوحدنا.
رحيق البرق
دعي الأحلام،
واسترقي شظايا اللحظة الملقاة من غيبوبة الأيام،
بين جنوننا سكرى. •••
وذوبي في خيوط المستحيل المستبي أوتار قلبينا،
وفري من رؤى الأوهام،
واقتنصي غزالة سهدنا،
وتشبثي بمرافئ الليل المشتت في زوايانا. •••
أنا الموت المناسب؛
فاجرعيني جرعة
لن تظمئي من بعدها أبدا،
فكم دخنا وطاردنا السراب،
وقبلة الطير المبعثر في نزيف الريح!
ناجينا شذى الأحلام؛
كي تأتي إلينا فتنة مسحورة
تهدي رحيق البرق
لليل الذي حالت ضفائره الجريئة دون كفينا؛
فهل تحكين - يا حلمي -
ل «يوسف» عن صدى حلمك،
وعن سبع عجاف ينتهين الآن؟! •••
هلا نلتقي قطبين
من ثغريهما تهمي الشرارات السجينة،
والبشارات الدفينة
حين تسري كهرباء الشوق
تصهر لحن بوتقة التوحد
في هلام الوجد؛
فاعتصري خمور الحب،
وانغرسي بصدر الكون
أغنية تفر من الشموس المستبيحة بردة الليل،
الذي قد ضم عصفورين
في قفص من الحرية البيضاء،
تشرق منهما شمس بلا مأوى،
تشاركنا حقيقة خوفنا أن نصهر الشمس
التي جاءت توحدنا؛
فذوبي في لظى برقي وإعصاري،
وبين طلاسم النار
احتويني للهوا بردا،
وودا يستجير بما تشي عيناك من حبي. •••
فيا تفاحتي،
إني حلمتك من ذرى الجنات للأرض الطريدة،
فانبتي في جنة الطين، ولا تتلفتي،
ما عاد غير الحب يجمعنا،
وما عاد البراق يلم أدمعنا،
وما عادت سوى عينيك تؤويني،
فقد أغويت أشواقي، وأصبحنا معا
قنينة من عطرك الباقي،
فكوني بصمة من وشم أعماقي،
وذوبي في خيوط المستحيل المستبي أوتار قلبينا،
وفري من رؤى الأوهام،
واسترقي شظايا اللحظة الملقاة من غيبوبة الأيام
بين جنوننا سكرى،
دعي الأحلام.
طائرا في برج العنقاء
سأحبس في دمي شيطان أشواقي،
وأفقأ - إن أردت - الآن أحداقي،
وأبدو كالملاك المكتوي حبا بلا أهواء،
وكالطفل الذي تلهو سذاجته على جناتك الصماء
ظمآنا لغير الماء. •••
سأصنع - من جبال الكبت فيما بيننا -
كونين معزولين، كل منهما يجتر وحدته،
ويحرق في عناد الهجر مهجته،
سأطوي سيفي المكسور في قلبي،
وأترك للطواحين الهواء. •••
وإن أتت من برجها العنقاء
حاملة حريقا من دمي
يثوي لديها،
أو رحيقا ملء عينيها،
سأحمل رأسي المقطوع
في طبق «لسالومي»؛
ليأرز حلمي المغتال
قربانا إلى التمثال. •••
سأرمي جمرتي في الماء
بعد تشبثي بلهيبها الضاري،
وفي صمت
أصحر كل أنهاري،
وأمحو من خريطة عمري
الغابات،
والآهات،
والعشق الذي ينمو كثيفا؛
كي يغطيني،
ويزحف كي يعريني؛
فيختلج السكون مع الجنون،
ويصطفيني.
الزهر للأشواك،
والأشواك للترياق،
والترياق للأشواق. •••
وللأشواق شيطان يخاتلني،
يقاتلني،
ويغويني بأشعاري،
ويسقيني ندى النار!
على هامش القلب
على هامش القلب
خطت يداي سطورا،
بنيت مدائن حب على سحب الوهم.
تمطر أرضي نعيما ودفئا وعشقا ونورا. •••
ومن عنكبوت الخيال نسجت خيالات حب،
وحاولت أن أحتويه،
وجاهدت نفسي لأغرق فيه،
وأدمنت خمر المعاناة
ظمآن حتى الثمالة،
غريقا وما من مياه
تبل الثياب. •••
على هامش القلب
سرت على ظل خيط رهيف،
أضأت الشموس على جانبيه،
غرست الورود على شاطئيه،
وخلقت أشجار حب عليه،
أقمت الجبال،
وشدت - بلا عمد - في رباه
قباب المحال.
نفخت بأنهاره؛ فاستحالت حليبا،
وأصبح يوم حصاد النجوم قريبا. •••
على هامش القلب
صغت الحروف،
ولم تكتمل للحياة القصيدة،
وطال انتظار المخاض،
وطالت عهود الرمادة،
فسافرت في التيه وسط الغياهب
تحاصرني وحدتي،
لا أرى النور في وحشتي،
غير ضوء يغازلني من فؤاد شفيف،
يضخمني بروائح حب قديم،
بليلي توسدت بيض الأماني،
شحذت جميل الرؤى والمعاني،
أنقب عن
خامة لا ترى،
وعن مضغة لم تتح للورى؛
لأصنع حبا جديدا،
وأرغم قلبي على ضمه
بسوط التملك والاشتهاء،
وسيف التمرد والخيلاء،
ولكن حبي القديم وذرات قلبي
حليفان لا يهزمان،
فقلبي هو البحر والحب ملح الفؤاد؛
فكيف أفرق بين المياه وذرات ملح الأزل؟
وكيف أباعد بين النجوم وبين المدار؟
وكيف أغني على هامش القلب؟
دوائر في كيمياء الحب
مهداة إلى الأصدقاء:
صلاح المعداوي
د. محمد مهدي غالي
والشاعر: د. سليمان محمد سليمان
تستطرق أمواء الأحباب،
تأخذ شكل القلب،
تمتزج هيولى الروح
عصارات تتعادل بالخاصيات «الأسموزية»،
عند تماس الحملين،
خطوط البرق الخالد مشتعلات بالأطياف،
نداء العينين رحيق
يتلاقى عبر الجسر السحري،
جرد عينيك من العدسات اللاصقة،
وألوان الطيف وقوس «قزح». •••
مهما تتجمل؛
لن تتحمل صبغات الزيف وراثاتك،
أو تنتقل صفات ليست فيك إلى أمشاجك،
أو ترسل حبك بجهاز التوجيه على البعد،
أو تطبع بصمتك بقفاز،
أو تصل البسمة عبر قناع. •••
أعضاء الإنسان جميعا أصغر من ذاته،
ما أحلى أن يتذاوب نصفان؛
فكل يهفو لكميله.
لن يفصل بينهما عرض الكون وتيه مجراته،
أو لغط اللغة العجماء،
وبحور حضارات عمياء
أو لون البشرة.
يا لضآلة صبغة ذرات «الميلانين»!
1
ويا لتفاهة كل مساحات تضاريس المخ الشاسعة؛
اختزل الآن ملايين البشر،
وسافر خلفا في الأحقاب إلى «حواء وآدم»،
وستعرف أنك تشطب
كل فوارق أنواع الأجناس،
وأنك مجذوب لامرأة حتمية.
وستعرف أنك «ضلع أعوج». •••
هل تحقن فئران تجاربك،
بترياق الحب وإكسير الشعر وأفيون اللغو،
وتزجرها إن برئت أو مرضت أو ماتت عشقا،
وتجرم أرضا ما وطئتها قدم قبلا،
نشرت لما انسحقت تحت سنابك خيلك؟!
هل تنتظر الشدو
إذا حنطت البلبل في قفص ذهبي،
يتلظى بالقضبان وأندائك
بخناجر شعر تمطره؟
لا تتأب،
ولا تستكبر،
أو تشر امرأة سجدت لك،
واستكشف - لما تشرق شمسك -
نصف الكرة الآخر في ذاتك،
واستكشف - أيضا - أعماق الدائرة،
ومركزها الناري المجهول. •••
لا تنس النقطة في باء الحب،
ونضد عنقود القلب.
لن تهرب لحظة طيران السهم إلى هدف محتوم،
هذب أشواقك،
وتفصد حبا،
واضرب بعصاك لتعبر أبحر وجسك،
واصقل ذاكرة تتهرأ،
لما تسلمها لغرور الوسواس القهري،
وحين تحدق أو تبحر في طبقات ضباب؛
يمسخ ويؤلف بين وجوه الأحياء،
ويمسح منحنيات الأشياء؛
فكيف ضباب النسيان المتعمد؟! •••
فتعمد بالماء السابح فيك،
وعمد أزهارك بقصائد تتقاطر من فيك،
وروض حسنك؛
يكفي أن قطعت النسوة أيديهن،
لا تتلذذ بوفاء المنتحرات على شطيك
المحتشدات إلى شفتيك،
دماء الأزهار تلون ماءك،
وهشيم ضحاياك فراشات تجتاح دماءك.
سل نفسك:
هل يحيا قلبانا برباط الشعرة
فوق سفين القشة ؟
أم بزواج اللحظة
بين رحيق الدهشة؟
أم بسفاد البرق السادي؟!
أشعورك مشدود بشذوذ الشعر
وسفسطة الأهواء الأزلية؟
أم بحداثة سيمياء الوهم الأبدية؟ •••
فاضمم أنثاك - القوس الآخر -
تصنع دائرة حبلى بالماء الأول،
واضغط ينسرب الماء،
ليروي قلبين تماسا واتحدا،
لتعود معادلة الكيمياء مزيجا من طرفين
اتحدا في كون واحد!
النبض المتسامت
ما أضيع هذا النبض المتسامت،
والشلال المتصامت،
ورتابة شريان سبح للحب،
وسيمفونية عشق عزفت عن دفء القلب!
وما أضيع شمسا لا تحرق،
أو بحرا لا يغرق!
ما أضيع!
قالت:
يا جمرا أتلذذ بالقبض عليه،
وسيفا يتوغل قلبي فيه،
وتيها أتذاوب بالوحشة والأمن لديه،
ما عزفت عنك صباباتي،
أو أخفق في الشريان النبض،
ولكن
ما عادت أمطارك تروي الأرض،
وما عادت أشعارك. •••
يا سيدتي:
الأمطار تحركها الريح،
وتحملها الروح
إلى أعماق الأرض المنسية،
والصحراء تجادل في مائي الذرات،
وتتحدين بيخضور الكلمات،
وتمتشقين الوجع الموار،
وتحتضنين جذور الصبار،
أم أن الحب زهور صامتة
تتوقع حين تطل النار؟!
حمى اليراعة
طافت على حلمي طيوف يراعة،
بثت إلي السهد، وانقشع الجمود
وأيقظت غيبوبتي!
لما تجلت؛ أمطرتني، قبلتني؛ فانتشيت،
وذاب من قلبي جليدي،
قلبها أفضى إلي،
وقبلها أحسست وجهي جامدا،
ونسيته، لكنها
جعلت همود الليل بحرا زاخرا،
جعلت من المرآة عنوانا
أرى بصماتها بملامحي
حمى، وآلاما،
وسهدا واقفا يشكو إلى المرآة
إن يراعتي سكنت طلول القلب؛
كيف بقسوة تبنيه، تبعثه؟!
وكيف تؤجج البركان فيه؟!
وكيف تلدغ مهجتي وتبثها الترياق؟!
هل أدمنتها؟!
يا ويلتي!
يا ويلتي إن قبلتني أو جفتني
إن تجلت، أو تخلت، أو تولت
عربدت حمى حمياها!
فما ليراعتي مصاصة لدمي،
وحاقنة لنبض غير نبضي لا ينام؟! •••
ما عدت أطردها، ولكني
أطاردها إلى أعماق أعماقي؛
فيطفو الجمر في عيني،
وتفضحني عيوني
إن حوته، وإن حبته رحيقها!
هذي اليراعة
أهرقت نومي على أصدائها،
وتسربلت عيناي من أطيافها،
ورأيت في دمها بقايا من دمي،
ألم الحبيبة قد ألم، ولم ألم غيري
إذا ما خلتني أمسكت بالحلم الشهي!
انعتاق إلى القيود
أتهاوى في دوامة هذا الكون؛
فيجذبني كذبابة. •••
أتخبط عند سفوح الأرض،
وأسعى محكوما بلزوجة أقداري،
تشهق أغنيتي إذ تخرج من قمقمها؛
فالناس عطاشى لرحيق من فمها،
وبذور تحفر قلب الطاغوت المظلم،
وحروف تصعق أرباب الحب المبهم. •••
منصهرا في بوتقة الكون الثلجية،
ممزوجا برحيق الأمواج النارية،
أبحث للحب التائه عن أية عين وهوية،
طفلا يحبو فوق اللهب المسنون
حبا - محصورا بين الكاف وبين النون -
تسكنه أنثى ساحرة،
ترضعني ترياق هواها،
وتكفرني بسواها،
تشهدني أن النار لديها أبرد من شهد الجنة،
تستنزف أحلامي الحبلى،
وتعري الجبل الهائل عن بركان الذكرى،
وتجرر طاقاتي الغضة فوق دروب العطش المر،
تستدرج إيماني للوحل المجهول الأعماق. •••
يا أرضا تنبتني، وتمص دمائي،
تكسوني، وتقد ردائي،
يا قيدي الناعم،
يا خاتمي السحري،
يا أما ترضعني حبا وحياة من دمها،
هل عدل
أن يحيا رجل بالحبل السري؟!
ما زال يعاتبني ميلادي،
ويسائلني: أين الجنة؛
حتى أختارك من بين بنات الحور؟ •••
قدري أن أغوتنا التفاحة،
ذنبي أن ذقنا فيها شبق العصيان،
فظللنا نجرع منها أبدا نهر الحرمان،
أوليست كل ثمار وصخر وقهر الأرض؛
وكل دماء الناس ... عصير التفاحة؟ •••
والخلق جميعا نسخ من «قابيل» «وهابيل»
والغربان انقرضت؛ يا ويلاه!
فكيف أواري قلبي؟!
أو أنفخ روحا من روحي فيه؟
كم من آمال تذبح باسم الحب!
وزهور تقبر في بطن الجب!
وبرغم دماء الغدر ف «يوسف» لم يأكله الذئب،
يا زمن البسمات الصفراء،
والجلد الأملس والأضواء،
قلبي يتمرغ فوق الموج
ينوء بكل اثنين نقيضين.
لا أبغي لبن العنقاء
أو حبا من قلب الإنسان الآلي؛
فامنحني الصدق الأبدي. •••
أتعذب وحدي،
وأصب عذاباتي في قمقم وجدي،
فدموعي تحرق مملكتي إذ تفضحني،
وعذابي يتضخم لو يعرفه الناس. •••
يا صبوة أحلامي الثكلى،
أهواك كمن يغلبه
النوم على الأرصفة الموحشة الرطبة،
أو من يرتاح على أنفاس الخوف بحضن الغول،
أو من يغمره الفرح فيبكي،
أو يقهره الحزن فيضحك،
أشحذ طيفك
حين تجف بحور الشوق وتصمت أوتاري؛
فأراك تحيلين القلب حياة
تتمخض بالأشعار وبالأنهار وبالثورة والنار.
وأنا ما زلت أسائل نفسي:
إن كنت أحبك؛
لكني أوقن أني
أستلهم كل حروفي من وجهك.
1980م
مرثية الجروح العصية
مهداة إلى روح أختي سعاد
استغاثة
لو أنني عمياء؛
لاستنفرت آمالي،
وقدت الناس نحو مصحتي،
وأضأت للدنيا شموس بصيرتي،
لكنني - وعمودي الفقري محطوم ويأسي جامح -
لا أستطيع سوى الإشارة بالبنان إلى السماء.
القصيدة
إن جذب الأرض للأشياء
ناموس، وسر أزلي؛
لا تراعي،
واعلمي أن الخلايا قد تلين
حينما يطغى الحنين،
واشتياق الطين فينا لأديم الأرض
حب عبقري،
يرتمي فيه الوفاء
بين أحضان البلاء. •••
صبوتي والقلب مهد؛ فارقدي،
واعذريني حين أثني جرحك المشتاق
للأرض التي تغوي الجروح؛
فأديم الأرض يغلي بالقروح،
وكلانا - محض روح -
احترقنا بالألم،
ودمانا صارعت فينا العدم،
وتشبثنا بظل بين أهداب الحياة. •••
حينما حاولت يوما أفتديك؛
كانت الأقدار أقوى.
أخطبوط هاج في الدنيا وماج،
قبضة الفولاذ دكت كل حي،
واشرأب الموت من تحت الثرى،
ضلت الأشلاء درب الموت،
عادت غافلت درب الحياة،
حيث لا ترياق يجدي أو مياه،
كل ما نلناه يا أختاه
ظل بين أهداب الحياة.
حلمك الوردي ضاع
في زمان ليس يغني
والتئام للنخاع
واستحالات التمني
كل أوج صار قاع
وتخلي الحظ عني
وسط غابات الصراع
حطم الإعصار لحني
يا غراما لا يباع
للمآسي، لا تدعني
وسط تابوت وثير ترقدين،
والثواني
تسكب الأيام في بحر السنين،
والحياة استنزفت
إلا من الأنفاس لهثا،
تشحذ الدقات رهقا؛
تكتري شح السنين
يا زمان المعجزات استسلمت بلواك للهول الرهيب،
قوضت باليأس أعصاب الطبيب،
أمنيات الحب سارت لانتهاء وانتهاء،
وانتظار للوداع،
جرعة من كأس موت لا تميت،
تجعل المقتول مصلوبا،
جبال الصبر تذوي تحته،
لكنه روح معناة تمنت لو تموت،
صولجان الموت قزم لا يهاب،
لم يواجهنا، ولكن حين واجهناه فر،
لم يدعنا، إنما بث الرزايا حولنا،
سمم الدنيا بأشباح وأمراض، ومر
إنما المأساة أن لا ليل يبدو أو نهار،
والجراثيم استباحت محنة الزهر العليل؛
فانشدي الصبر الجميل،
انشدي الصبر الجميل.
بشائر الميلاد
اخرج وطل - برأسك المبتل -
من ثقب يطل على الحياة،
واشهق من الأنسام أول شهقة،
حرك بها الصدر الأصم ،
وانظر إلى وجهي،
ووجه ناظريك لناظري،
أهناك تحنان إلي؟ •••
فأنا الذي أسندت رأسك
حينما لاحت لتهوي في الحياة.
وأنا الذي قبلت فاك،
عانقت فجرك واستمعت إلى نداك،
وبراحتي حملت نبتا عاريا
هدهدته، أدفأته حتى علا من حلقه بشر الصراخ؛
فكان يحفر فرحة في خاطري،
وكسوته ورقا، ودفئا،
وابتساما من ثغور أزهري،
وأنا قطعت بمبضعي لك حبلك السري - شريان الحياة -
لكي أزف لك الحياة.
فدع حياتك داخل «البرنس»،
وودع مهدك المقلوب في الأرحام،
وابدأ رحلة الأيام. •••
اخرج إلى سفح الحياة،
واكتب وجودك في سجلات الزمن،
واسكب بسمعك أول الألحان فرحا أو شجن،
واسبح بأمواج الهواء بدون شط أو شراع،
فشراعك الأقدار والشط الغيوب،
والزيت من دمك البريء،
وقلبك المصباح في هذا الزمان. •••
واصرخ وهز الصمت،
ودع بالصدى كبت الرحم،
وانس الألم - إن كنت تدري أي معنى للألم -
واقطف بكفيك الأماني التي تهفو إليك. •••
يا ليت شعري هل تحس،
وهل تعي معنى الحياة؟
وهل تراني أو ترى «ماما» بآلام المخاض؟!
أرأيتها إذ أنت تقطع كبدها قطعا وئيدا؟!
إذ أنت تعصر قلبها عصرا مميتا،
تستل منها روحها،
وتعود ترجعها وتسلبها؛ فيمتد العذاب؟!
أرأيتها إذ أنت خيال عنيد وامتطيت فؤادها،
وجعلت تلهب نبضها
بسياط مولدك الرهيب؛
فكاد أن يذوي جوادك،
قبل أن يلقيك في شط الضياء؟! •••
حتى ولدت مخضبا بدماء فرحتها،
وقد نثرت دماها - مثل باقات الزهور -
تحف مهد وليدها،
ولعلها لو خيرت بين البقاء
وبين رؤيا ما نما واخضر فيها؛
فضلتك على ربيع حياتها. •••
يا أيها الطفل الذي يسعى
إلى حضن الحياة وسحرها،
اذكر عناءك وقت كان مخدرا فيك الأسى،
ومجمدا فيك العناء،
في البرزخ الممدود من إظلامة الأرحام،
حملتك في أحشائها «وهنا على وهن»،
ولم تبخل بروح أو دماء؛
فاحمل بقلبك والديك - كليهما -
واخفض جناح الذل قل:
يا رب فلترحمهما،
وانقشهما
في قلب طفل لم يزل كالصفحة البيضاء.
التوءمان
أنموذجان بصفحتي متطابقان
كأنما صنوان والمرآة بينهما،
وقلبي طائر بالدفء فوقهما،
ومشطور تقاسم ضفتيه حميم حبهما،
تلاشت لجة المرآة؛
حين رأيت أشكالا من الحركات والسكنات - في غير انتظام -
رد فعلهما نظام عبقري رائع،
متشابه ثمري،
بهذي الجنة الفيحاء مشتبه،
يحف بنوره المهد الصغير،
التوءمان تفردا وتوحدا في مقلتي،
تمددا في مهجتي؛
فمن لدي هو الأثير،
فمن هنيهات توارت خضرة الأرحام دونهما،
وقد عبرا إلى شط الحياة،
ومن صراخهما البشارات استحمت في عروقي،
تحتويني في ثناياها ضويضاء القطيفة،
والرؤى الملساء من غصن العيون تلألأت
فكأنها تستكشف الكون الجديد،
تعانق الأضواء
لكن ترعوي عن ضوئها،
وتزيغ غير مرأرئات في المدى،
تهفو إلى وجهي؛
فأحسو الحسن من وجهيهما،
أهمي على خديهما
من ثرة القبلات أزواجا،
وأزواجا من الأشواق
من أعماق ذراتي. •••
وإن حملت ذراعاي الفريخين البريئين؛
استحالا لي جناحين،
السماء بلهفة تدعوهما حتى أطير،
ويبتدي ثغريهما أهزوجة الأفلاك،
تبذرها الملائك في الأثير. •••
هذان في الدنيا
بنياي الملاكان
اللذان كم انتظرت مواسم الخصب الندية فيهما،
رئتاي - حين بلهفة المخنوق - أشهق منهما،
أركان كوني،
فالشروق مع الغروب تعانقا،
قطبا الشمال مع الجنوب تجاذبا،
نجمان - دواران في فلكي - دمي يحويهما،
يتشبثان بدون وعي إن ضممتهما
كأني مغناطيس يجذب الزغب الهلامي
الذي يكسو العصيفيرين،
والأطراف أهداب تطوقني برفق مستحيل،
حين تنغرس البراعم في لحائي،
فانتماؤهما لشوق في دمائي.
والبساتين الصغيرة في يدي قد أينعت،
باض الحمام على ضلوعي آمنا،
وانشق صدري عله يؤوي الأجنة،
علني أبني لهم في الأرض جنة. •••
يا خالق الحب،
الحبيبان
اشتهاء واحدا،
يتنازعان الحب.
يا ليت انفلاق القلب كونين،
السعادة منهما تهمي على قلبيهما،
تفجر الينبوع من قدميهما،
يروي الصحاري خالدا،
فتصير حبلى بالسنابل والنخيل،
من كل سنبلة ملايين الحروف ترقرقت،
ونخيلها في كل واد أغدقت،
ورياضها فوق المدائن أورقت،
مترقبا فيض الطفولة منهما.
أرنو
متى تنمو على ثغريهما البسمات؟!
كيف يبادلاني نشوة القبلات؟!
كيف يناديان بغبطة «ماما وبابا»
يجريان، ويفتحان الكون لي بابا؟
متى؟!
ومتى أراني فيهما أغدو شبابا؟!
طائرا
أجني ثمارا من غصونهما،
وأهتف: من لدي هو الأثير،
ومن لدي هو الصديق؟
ومن سيهديني القصيدة والرحيق؟
أيعادل الظمآن للماء
اشتياق الماء للحلق الحريق ؟!
الغيبوبة الكبرى
وكم أهدرت من حبي هلام دمي
على أفيون أشعاري!
سعيدا كنت في قفصي،
وكنت أخاله الفردوس
في غيبوبتي الكبرى،
وكنت بقسوة الحرمان يكفي قلبي الظمآن أن يلقاك.
حتى إن تمادت بيننا القضبان
في زهو لتمنعني! •••
وكنت برحمة الحب
أحس بأن إعتام الحديد يشف،
والجدران لا تخفيك عن عيني،
يد السجان كانت تحمل السجن
تدحرجه، وتقلبه، وترميه،
وتنسى الدمية الروح التي تحيا بواديه!
ولا تدري يد المحبوب؛ إذ تغتال في بطء ضمير الحب!
فحبك للعصيفير الذي في سجنك المحبوب، هل ولى؟
شغوفا كنت مجنونا بأشعاري،
ظننت الشعر لا ينساب
إلا إن عبثت بدمية صماء
نسيت - لهول ما تنساه -
أن الحرف أعصاب،
وأن اللحن روح كله ودماء. •••
تركت الباب مفتوحا، ولم أهرب،
ولكن جذوة الأشواق تسألني عن المهرب،
أغني وحشتي لليل مؤتنسا بآهاتي!
عذابي أنك المحبوب والسجان،
وأنت القمقم المدفون في تسبيحة الفنان،
وأني لا أرى في الحب إلا أن يكون النهر
مشتاقا الي الظمآن.
وقد أصبحت كالطفل الذي ينمو؛
فينسى شهوة اللعبة
وكالشيخ الذي باع الصلاة وأنكر الكعبة،
فمعذرة إذا جفت بحور النار في قلبي،
فكم أهدرت من حبي هلام دمي
على «أفيون» أشعاري!
تمثال بلا قلب (بجماليون)
مهداة إلى الفنان التشكيلي: عبد الوهاب عبد المحسن.
أنا، يا حبة الرمل التي جرحت
لكي تجتاز أحشائي،
وتثوي في ربوع القلب لؤلؤة،
تؤسس عرشها الدري في أحضان مملكتي،
أسيرك أم أثيرك،
حين أبعث مهجتي شعرا
ودفئا يحتويك، ويشتهي جرحك؟! •••
وأنت بداخلي جبل جليدي
يشف حرارتي وعصارتي،
ويشل كيميائي، يعض صقيعه قلبي،
يجمد خصبه الثلجي أمشاجي،
ويعلن عن تمرده
جحودا ليس تصهره شموس هاجرت طوعا،
وتاهت في مجراتك،
فيا أفيونتي،
مهلا إذا أدمنت ترياقك،
وكررت انتحاري؛
لانعتاقي من جنوني واشتهاءاتك،
فكم أهدرت فوق الصخر إصراري،
وأهرقت الدم المكنون؛
كي أحيي تماثيلي وأحجاري،
وأحرقت العروق الخضر والأعصاب فوق ترابها،
ونفخت من حبي وروحي في خلاياها
التي لا تستجيب لسوط أعماقي،
هتفت بها:
دعي وهم الخلود،
تشبثي بالحلم،
وامتزجي بإكسير الحياة،
ورفرفي،
وتنفسي بالحب في رئتي،
وانفلتي من الموت. •••
فلا صنت انتماءك للجمال،
ولا رؤي الفنان
لما حاولت كفاه أن تحيي
حروفا في لسان الصخر كي تنطق،
ونورا في عيون من زجاج علها تشفق،
وأن تحيي عبيرا دونما رئة،
وإحساسا من الأصنام،
وأنغاما بأسماع الهوى الأخرس،
ونبضا في فؤاد من رخام بارد أملس!
فهل تبقين عنوانا بلا وطن،
وعازفة بلا لحن،
وغانية بلا معنى،
وفاتنة بلا إيحاء؟!
فليست أعين الفيروز رائعة وجامدة
بأحلى من عيون الطفل ملهمة،
وليس الزئبق البراق أشهى من قراح الماء،
جمالك قطعة مني، وفيض من خيالاتي،
ووحي عبقري قد تلبسني؛
لأهديه إليك
صبابة فنا وموسيقا. •••
وحبك يا معذبتي
سراب عشت أجنيه،
وأمزج مهجتي فيه،
أنا من صغت من ناري وصلصالي لك التمثال،
واستنزفت
ألواني، وألحاني، وأوهامي،
جعلت القلب قاعدة،
رفعتك في سماواتي،
حضنتك ملء ذراتي،
توحدنا،
وخلتك تبسمين وتنظرين إلي،
يا حلما هلاميا،
وتكتسبين مني صبغة الأحياء،
حتى تطلعي للكائنات بسر ملحمتي،
وأحسست اختلاجك في عناق،
زلزل الوجدان، أيقظني! ••• «كيوبيد» الهوى انطلقت سهام منه،
حاملة دمي المسفوح،
وانكسرت على أضلاعك الصماء،
وأنهاري - التي روتك - ظامئة،
لعل الماء!
فهل أعطيتني بعض الذي أهدرت من حبي،
فقلبي الآن أطلال بلا قلب.
التائه بين شعاب المرجان
منتظرا فوق البرزخ
أتشبث بالآمال،
أتعلل بالأنسام؛
لعلي أتلقاك بصدري في رائحة اليود،
أنظر في عينيك خلال الماء،
وأعد جيوش الأمواج لعلك تأتين على ذرات الملح،
وأضرب؛ عل عصاي تشق البحر اثنين،
أو ينشطر القلب اثنين فلا أتعذب،
وأصبر نفسي بالأمواج المتصارعة لحضن الشاطئ؛
عل عروس البحر تطل علي،
تجيء إلي على أجنحة الأقدار،
يقفز قلبي فوق الزبد المتطاير في الأجواء،
يهتز مع الأصداء،
يصغي كي يسمع صوت حنين. •••
يمضغني الصمت،
وسكون الموت،
أجتر عذاب الوحدة دون رفيق،
لا صوت لحي أو لغريق
إلا أطياف نوارس فوق الصفحة تلمع،
والشمس عيون من لهب متجمد،
والبحر المارد في القلب يعربد،
وأظل أناجي الموج، أناجي الشوق،
أنادي الحوت؛
علك تجتازين الأبحر،
تحتضنين الشاطئ،
تلتصقين بحبات الرمل المغروسة في جسدي ،
تنتزعين نيوب اللوعة من ذراتي. •••
آه لو أبحر في هذا الجبار،
على متن الأنواء،
بشراع الغيب وفي حضن الغيهب!
أسأل عنك الأسماك، وأبحث في الأصداف،
أجتاز جبال الملح ومملكة المرجان،
أبحث في عرق البحر وفي الشريان،
أحمل قلبي فانوسا في كفي،
وأسير بأحلام الفارس أستكشف قلبك،
أقطف حبك من بستان الخصب الأبدي؛
فهل ألقاك جزيرة حبي؛
كي ألقى
الأمل المنشود،
والكنز المفقود
وأنفض شعري الأشعث من
ملح الأسفار،
ولون الأقدار؛
كي تخضر بعيني الأشعار.
1978م
سموم
مهداة إلى الداعية الديني المفكر: د. مصطفى محمود
تغلغلت في لبن المرضعات،
وأحرقت ماء الحياة،
وزاحمت دمع الوليد البريء،
تحدرت من سرة المعجزات،
وأشرقت في ثرة الطين،
لوثت عند اختفائك زهو الضياء،
ولما تجليت لونت وجه السماء،
وشعشعت عبر العروق،
تسللت في الجلد والرئتين،
وصمت الصخور،
وفي اللاشعور؛
فهللت الكائنات لسحرك،
وامتشق الناس فتنتهم
حين راودتهم عن هلام الحياة؛
فهل يعبدونك ثم يبيعون أصنامهم؟
يصنعونك ثم يذيبون فيك مصائرهم،
يعبرون خطوط الزوال ببسمتهم،
وجهالة علم عنيد،
وفقر الثراء
وغول تشيأ؟! •••
بصمتهم تتلاشى رويدا،
ضآلتك المستحيلة قد عربدت،
واستحالت بذراتنا أخطبوطا
يضيق به الكون،
يساقط الحب
سؤرا مريرا،
وترياق بحر حريق،
وغابات وهم عجاف، «جيوش الثعابين قد خذلتنا.»
تقول العقارب،
ثم تنحت،
ومملكتان تلاشت سمومهما
نقطة في محيط جديد،
من الكيمياء المخلقة
المستبيحة معزوفة الكون،
تطعمها للفناء. •••
هل النفس تعشق قاتلها،
أم بريق الظلام المراوغ
يغشى انبهار العيون،
ومغنطة العقل
تجذبه للصعود السريع
على الضوء نحو
السقوط السريع؟! •••
هل الحب روح الحياة وحارسها؟!
هل سيكسر دائرة الانتحار الخبيثة
حين تعاقر خمر الشياطين جذلى،
ويحكم قبضته حول شمس البقاء؟
ناپیژندل شوی مخ