قال كينيون: «أنا لا أعرف كيف سندفع نصيبنا من كل هذا.» «لا يوجد شيء أسهل من ذلك، يا صغيري؛ لقد رتبت كل هذا. سأدفع لهم نصيبي وهو الثلث نقدا عندما ينهون العمل، واتفقت معهم على أن ينتظروا ثلاثة أشهر كي يحصلوا على الباقي. وبحلول ذلك الوقت، سيكون لدى كل منكما ستون ألف جنيه، ولن تكون تكلفة صغيرة كهذه شيئا بالنسبة إليكما.»
بدا كينيون متجهما.
وقال: «يبدو الأمر قليلا مثل عد الفراخ قبل أن يفقس البيض.»
ضحك لونجوورث وقال: «آه، وكلها ستفقس على ما يرام.» ثم سقطت عدسة نظارته.
الفصل الثالث والعشرون
ليس من الحكمة أبدا أن تقلل من شأن عدوك، مهما بلغ مقدار ضعفه. لقد حرر الفأر الأسد الواقع في الشباك. كان يجب أن تكون جيني بروستر ممتنة أن الظروف، التي كانت تعمل لصالحها، قد جعلت إرسالها للمعلومات التي توصلت إليها عن المناجم غير ضروري. لقد أنقذت من مرارة الاعتراف بالهزيمة من خلال برقية كانت بانتظارها في كوينزتاون، أخبرتها ألا تبعث المعلومات التي توصلت إليها. والرسالة التي استقبلتها من مدير تحرير صحيفة «آرجوس» لاحقا أوضحت معنى البرقية. لقد حصلت الصحيفة من مصدر آخر على ما زعم أنه ملخص لما ورد في التقريرين الخاصين بالمناجم، الذي نشر. إن أكدت المعلومات التي لدى جيني ما جاء في هذا المقال، فإنها ستكون غير مهمة؛ أما إذا عارضت ما نشر بالفعل، فإنها، بالطبع، ستكون غير مهمة على نحو مماثل؛ إذ إن الصحيفة كانت من نوعية الصحف التي لا تقلل أبدا من قدر نفسها بالاعتراف بوقوعها في خطأ. لذا، أرسل مدير التحرير لمراسلته رسالة تلغرافية قصيرة ليوفر تكلفة إرسال رسالة تلغرافية طويلة ومكلفة كانت ستكون غير مجدية عندما تصل إلى مقر الصحيفة.
لكن، بدلا من أن تكون جيني ممتنة للأقدار التي حاربت بشدة من أجلها ، كانت غاضبة بشدة من فليمنج، وكانت غاضبة بالقدر نفسه تقريبا من الآنسة لونجوورث. فلولا تدخل السياسي المتطفل، ما كان ونتوورث سيكتشف أبدا هويتها، وما كانت سلسلة الأحداث المهينة التي تلت ذلك ستحدث. وحينها كانت ستفترق عن ونتوورث على نحو ودي، على الأقل. كانت مضطرة، رغما عنها، إلى الاعتراف في قرارة نفسها بأنها كانت تحب ونتوورث أكثر من أي شاب آخر قد قابلته من قبل؛ والآن وفي ظل تضاؤل فرصة رؤيته ثانية، كان أسفها يزيد أكثر وأكثر مع مرور الوقت. لقد أخبرها بكل آماله بشأن منجم الميكا قبل حدوث تلك الحادثة المؤسفة، وائتمنها على سره على نحو هي متأكدة أنه لم يفعله قط مع أي امرأة أخرى. لقد كانت ترى النظرة المخلصة في عينيه الصادقتين كلما أغمضت عينيها، وتلك النظرة كانت تطاردها طوال اليوم، على نحو تبادلي مع تذكر نظرة العتاب غير المصدقة التي نظر بها إليها عندما اكتشف مهمتها، الذي كان حتى أصعب في تحمله من تذكر ثقته في نفسه وتقديره لذاته.
وما جعل الأمر أكثر مرارة حقيقة أن هذا كله كان بلا طائل أو فائدة. لقد جرحت صديقها وأذلت نفسها، وكل هذا من أجل لا شيء! إن التغييرات السريعة التي حدثت في مقر الصحيفة منذ أن سافرت قد جعلت تضحياتها بلا جدوى، ورغم أنها كانت تشد من أزر نفسها على متن السفينة بقول إنها كانت فقط تقوم بواجبها تجاه رؤسائها، فإن تلك التعزية حتى قد أصبحت بلا معنى بسبب رسالة مدير التحرير.
هكذا الحال دائما في عالم اليانصيب الدائم التغير والهائل والمدهش هذا، عالم الصحافة الحديثة. إن الشيء الذي سيبيع مدير التحرير نفسه من أجله اليوم يكون لا قيمة له غدا. إن أغبى شخص في الصحيفة قد يقع تحت يديه أحيانا أهم خبر في اليوم، في حين أن أبرع صحفي قد ينهزم في صراعه المستمر مع الوقت؛ لأن الصحيفة تظهر في وقت معين، وبعد ذلك، يكون الجهد بلا فائدة. إن القائم على إدارة أي صحيفة كبيرة يشبه سائق عربة رومانية؛ إنه يحتاج إلى رباطة جأش وذراعين قويتين، وعين بصيرة تنظر للمستقبل ولا تأبه كثيرا لضحايا الشفرات المنجلية الدائرة في المنتصف. إنه قد يطيح بإحدى الحكومات، أو قد يلقى هو نفسه، بحركة غير متوقعة، تحت العجلات. إن الجياد المندفعة لا تقف أبدا، وعندما يترك أحد اللجام، يلتقطه آخر، ليضيع هو الآخر وينسى في السباق المجنون، الذي لا ينظر فيه أبدا إلى الخلف. إن أفضل العقول في البلاد يستولى عليها وتعصر وتنحى جانبا. وبيد سخية ولكن عشوائية يتم توزيع السمعة الطيبة والسمعة السيئة، والغنى والفقر. إن الصحافة، على نحو غير قابل للرشوة بالمعنى العادي للأمر، من أجل حفنة نقود، تبالغ في التخويف من الكوليرا وتصيب حال أمة ما بالشلل، ثم تهاجم حكومة فاسدة وتسقطها، على الرغم من أنه يمكن جني الملايين باتخاذ مسار آخر. إنها مصدر رعب الأوغاد وسبب يأس الشرفاء.
كانت جيني بروستر، في وسط أسفها الذي بلا جدوى، تحكم قبضتها الصغيرة غيظا عندما تتذكر فليمنج. من المعتاد ومن المعزي أيضا أن يلقي الفرد باللائمة على الآخرين وليس على نفسه. إن الطبيعة البشرية فاسدة بحيث عادة ما يكون باستطاعتنا إيجاد كبش فداء من رفاقنا البشر، يمكن اعتباره مسئولا عن أي أخطاء أو حالات فشل هي جزء منا بشدة لدرجة يصعب الإقرار بمسئوليتنا عنها. إن اهتم فليمنج فقط بشئونه، كما هو مفترض من أي شخص، فما كان ونتوورث سيعرف أن جيني تعمل لصالح صحيفة «آرجوس»، ولأصبح لجيني صديق في لندن، الأمر الذي كان سيضفي طابع الإثارة على زيارتها، الذي عادة ما يرتبط بالصداقة بين شاب لطيف وفتاة جميلة وساحرة للغاية.
ناپیژندل شوی مخ