بسم الله الرحمن الرحيم (1) الحمد لله ولي الحمد ومستحقه، وصلاته على خيرته من خلقه، محمد وآله، وسلم كثيرا.
وبعد:
أطال الله بقاء الأستاذ الجليل، وأدام له العز والتأييد، والعلو والتمهيد، فإنني مثبت بتوفيق الله عز وجل، وما يهب من التسديد، طرفا من المقال في المعنى الذي كنت أجريت منه جملا بحضرته معاينة، وما في حيزه بيان الطرف والجمل من الدلائل على إيمان أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف رضي الله عنه وأرضاه، المقتضبة من مقاله وفعاله، التي لا يمكن دفعها إلا بالعناد، وإن كنت قد أشبعت الكلام في هذا الباب في مواضع من كتبي المصنفات، وأمالي المشهورات (2)،
مخ ۱۷
ليكون ما يحصل به الرسم في هذا المختصر تذكارا، ولما أخبرت عنه بيانا، وفي الغرض الملتمس منه كافيا، وبالله أستعين.
فمن الدليل على إيمان أبي طالب رضي الله عنه ما اشتهر عنه من الولاية لرسول الله صلى الله عليه وآله والمحبة والنصرة، وذلك ظاهر معروف لا يدفعه إلا جاهل، ولا يجحده إلا بهات معاند، وفي معناه يقول رضي الله تعالى عنه في اللامية السائرة المعروفة:
لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد وأحببته حب الحبيب المواصل (1) وجدت بنفسي دونه وحميته ودارأت عنه بالذرى والكلاكل (2) فما زال في الدنيا جمالا لأهلها وشينا لمن عادى وزين المحافل (3) حليما رشيدا حازما غير طائش يوالي إله الخلق ليس بما حل (4)
مخ ۱۸
فأيده رب العباد بنصره وأظهر دينا حقه غير باطل (1) ومن تأمل هذا المدح عرف منه صدق ولاء صاحبه لرسول الله صلى الله عليه وآله، واعترافه بنبوته، وإقراره بحقه فيما أتى به، إذ لا فرق بين أن يقول: محمد نبي صادق، وما دعا إليه حق صحيح واجب، وبين قوله:
فأيده رب العباد بنصره * وأظهر دينا حقه غير باطل وفي هذا البيت إقرار أيضا بالتوحيد صريح (2)، واعتراف لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة صحيح (3)، وفي الذي قبله مثل ذلك، حيث يقول
مخ ۱۹
وهو يصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
حليما رشيدا حازما غير طائش * يوالي إله الخلق ليس بما حل يعني: ليس بكاذب متقول للمحال.
وما بعد هذا القول المعلوم من أبي طالب رضي الله تعالى عنه المتيقن من قبله طريق إلى التأويل في كفره، إلا وهو طريق إلى التأويل على حمزة وجعفر وغيرهما من وجوه المسلمين، حتى لا يصح إيمان أحدهم وإن أظهر الاقرار بالشهادتين، وبذل جهده في نصرة الرسول صلى الله عليه وآله.
وهو في أمر أبي بكر وعمر وعثمان أقرب (1)، لأنه إن لم يثبت لأبي طالب، وهو مقر به في نثره ونظمه الذي يسير به عنه الركبان، ويطبق على رواياته نقلة الأخبار، ورواة السير والآثار، مع ظهور نصرته للنبي صلى الله عليه وآله، وبذل نفسه وولده وأهله وماله دونه، ورفع الصوت بتصديقه، والحث على اتباعه، كان أولى أن لا يثبت للذين ذكرناهم إيمان، وليس ظهور إقرارهم وشهرته يقارب ظهور إقرار أبي طالب رضي الله تعالى عنه، ويداني في الوضوح اعترافه بصدقه ونبوته، ولهم مع ذلك من التأخر عن نصره، ومن خذلانه، والفرار عنه ما لا يخفى على ذي حجا (2)، ممن سمع الأخبار وتصفح الآثار وهذا لازم لا فصل منه.
ثم إن أبا طالب رضي الله تعالى عنه يصرح في هذه، لقعيدة بتصديق النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأخص ألفاظ التصديق، ينادي بالقسم (3) في نصرته
مخ ۲۰
صلى الله عليه وآله وسلم وبذل المهجة والأهل دونه، حيث يقول:
ألم تعلموا أن ابننا لا مكذب لدينا ولا يعبأ بقول الأباطل (1) وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ربيع اليتامى عصمة للأرامل يطوف به (2) الهلاك من آل هاشم فهم عنده في عصمة وفواضل إلى حيث قال:
كذبتم وبيت الله نسلم أحمدا ولما نطاعن دونه ونقاتل (3)
مخ ۲۱
ونسلمه حتى نصرع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل (1 و 2) وفي هذه الأبيات أيضا بيان لمن تأملها في صحة ما ذكرناه من إخلاص أبي طالب رضي الله عنه، والولاء لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبذل غاية النصرة له، والشهادة بنبوته وتصديقه حسب ما ذكرناه.
وقد جاءت الأخبار متواترة لا يختلف فيها من أهل النقل اثنان، أن قريشا أمرت بعض السفهاء أن يلقي على ظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم سلى (3) الناقة إذا ركع في صلاته، ففعلوا ذلك، وبلغ الحديث أبا طالب، فخرج مسخطا (4) ومعه عبيد له، فأمرهم أن يلقوا السلى عن ظهره صلى الله عليه وآله وسلم ويغسلوه، ثم أمرهم أن يأخذوه فيمروه على سبال (5) القوم، وهم إذ ذاك وجوه قريش، وحلف بالله أن لا يبرح حتى يفعلوا بهم ذاك، فما امتنع أحد منهم عن طاعته، وأذل جماعتهم بذلك وأخزاهم (6).
مخ ۲۲
وفي هذا الحديث دليل على رئاسة أبي طالب على الجماعة، وعظم محله فيهم، وأنه ممن تجب طاعته عندهم، ويجوز أمره فيهم وعليهم، ودلالة على شدة (1) غضبه لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وآله، وحميته له ولدينه، وترك المداهنة والتقية في حقه، والتصميم لنصرته، والبلوغ في ذلك إلى حيث لم يستطعه أحد قبله، ولا ناله أحد بعده.
وقد أجمع أهل السير أيضا ونقلة الأخبار أن أبا طالب رضي الله عنه لما فقد النبي صلى الله عليه وآله ليلة الاسراء، جمع ولده ومواليه، وسلم إلى كل رجل منهم مدية، وأمرهم أن يباكروا الكعبة، فيجلس كل رجل منهم إلى جانب رجل من قريش ممن كان يجلس بفناء الكعبة، وهم يومئذ سادات أهل البطحاء، فإن أصبح ولم يعرف للنبي صلى الله عليه وآله خبرا أو سمع فيه سوءا، أومأ إليهم بقتل القوم، ففعلوا ذلك.
وأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المسجد مع طلوع الشمس، فلما رآه أبو طالب قام إليه مستبشرا فقبل بين عينيه، وحمد الله عز وجل على سلامته، ثم قال: والله، يا ابن أخي، لو تأخرت عني لما تركت من هؤلاء عينا تطرف. وأومأ إلى الجماعة الجلوس بفناء الكعبة من سادات قريش ذلك.
ثم قال لولده ومواليه: أخرجوا أيديكم من تحت ثيابكم. فلما رأت قريش ذلك انزعجت له، ورجعت على أبي طالب بالعتب
مخ ۲۳
والاستعطاف فلم يحفل بهم (1).
ولم تزل قريش بعد ذلك خائفة من أبي طالب، مشفقة على أنفسها من أذى يلحق النبي صلى الله عليه وآله، وهذا هو النصر الحقيقي نابع عن صدق في الولاية، وبه ثبتت النبوة، وتمكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أداء الرسالة، ولولاه ما قامت الدعوة، ومن لم يعرف باعتباره إيمان صاحبه وعظم عناه في الدين، خرج من حد المكلفين.
على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يزل عزيزا ما كان أبو طالب حيا، ولم يزل به ممنوعا من الأذى، معصوما حتى توفاه الله تعالى، فنبت (2) به مكة، ولم تستقر له فيها دعوة، وأجمع القوم على الفتك به، حتى جاءه الوحي من ربه، فقال له جبرئيل عليه السلام: إن الله عز وجل يقرئك السلام، ويقول لك: اخرج عن مكة فقد مات ناصرك (4).
فخرج عليه السلام: هاربا مستخفيا بخروجه، وبيت أمير المؤمنين بدلا منه على فراشه، فبات موقيا له بنفسه، وسالكا بذلك منهاج أبيه رضي الله عنه في ولايته ونصرته، وبذل النفس دونه.
فكم بين من أسلم نفسه لنبيه، وشراها الله تعالى في طاعة نبيه صلى الله عليه وآله، وبين من حصل مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أمن وحرز، وهو لا
مخ ۲۴
يملك نفسه جزعا، ولا قلبه هلعا، قد أظهر الحزن، وأبدى الخور (1)، شاكا في خبر الله تعالى، مرتابا بقول رسول الله صلى الله عليه والله وسلم، غير واثق بنصر الله عز وجل، آيسا من روح الله، ضأنا (2) بنفسه عن الشهادة مع نبي الله صلى الله عليه وآله، أم كم بين ما ذكرناه من نصر أبي طالب لرسول الله صلى الله عليه وآله وقيامه بأمره حتى بلغ دين الله ومسارعته إلى اتباعه ومعاضدته ومؤازرته وبين تأخر غيره عنه واخلائه مع أعدائه عليه ونحره في السفر إلى......... يطعم منه الراحلين معه لسفك دمه حتى إذا ظفره الله تعالى به مقهورا وجئ به إليه أسيرا دعاه إلى الإيمان فلجلج وأمره بفداء نفسه فامتنع، فلما أشرف على دمه أقر وانقاد للفداء ضرورة وأسلم.
إن هذا لعجب في القياس وغفلة خصوم الحق عن فصل ما بين هذه الأمور حتى عموا فيها عن الصواب، وركبوا العصبية والعناد، لأعجب والله نسأل التوفيق.
ومما يؤيد ما ذكرناه من إيمان أبي طالب رضي الله تعالى عنه ويزيده بيانا، أنه لما قبض رحمه الله، آتى أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فآذنه بموته فتوجع لذلك النبي صلى الله عليه وآله وقال: " امض يا علي، فتول غسله وتكفينه وتحنيطه، فإذا رفعته على سريره فأعلمني ".
ففعل ذلك أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، فلما رفعه على
مخ ۲۵
السرير اعترضه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فرق له، وقال: " وصلتك رحم، وجزيت خيرا، فلقد ربيت وكفلت صغيرا، وآزرت ونصرت كبيرا ".
ثم أقبل على الناس، فقال: " أما والله، لأشفعن لعمي شفاعة يعجب منها أهل الثقلين " (1).
وفي هذا الحديث دليلان على إيمان أبي طالب رضي الله عنه:
أحدهما: أمر رسول الله عليا صلوات الله عليهما وآلهما بغسله وتكفينه دون الحاضرين من أولاده، إذ كان من حضره منهم سوى أمير المؤمنين إذ ذاك على الجاهلية، لأن جعفرا رحمه الله كان يومئذ ببلاد الحبشة، وكان عقيل وطالب حاضرين، وهما يومئذ على خلاف الاسلام، لا يسلم واحد منهما بعد، وأمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام مؤمن بالله تعالى ورسوله، فخص المؤمن منهم بولاية أمره، وجعله أحق به منهما، لإيمانه ووفاقه إياه في دينه.
ولو كان أبو طالب رضي الله عنه مات على ما يزعم النواصب كافرا، كان عقيل وطالب أحق بتولية أمره من علي عليه الصلاة والسلام ولما جاز للمسلم من ولده القيام بأمره، لانقطاع العصمة بينهما.
وفي حكم رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه الصلاة والسلام به دونهما وأمره إياه بإجراء أحكام المسلمين عليه من الغسل والتطهير والتحنيط والتكفين والمواراة، شاهد صدق في إيمانه على ما بيناه.
والدليل الآخر: دعاء النبي صلى الله عليه وآله [له] (2) بالخيرات، ووعده
مخ ۲۶
أمته فيه بالشفاعة إلى الله، واتباعه بالثناء والحمد والدعاء، وهذه هي الصلاة التي كانت مكتوبة إذ ذاك على أموات أهل الاسلام، ولو كان أبو طالب مات كافرا لما وسع رسول الله صلى الله عليه وآله الثناء عليه بعد الموت، والدعاء له بشئ من الخير، بل كان يجب عليه اجتنابه، واتباعه بالذم واللوم على قبح ما أسلفه من الخلاف له في دينه، كما فرض الله عز وجل ذلك عليه للكافرين، حيث يقول: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) (١١).
وفي قوله: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن- الكريم/0/9" target="_blank" title="سورة التوبة 9">﴿وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه﴾</a> (2).
وإذا كان الأمر على ما وصفناه، ثبت أن أبا طالب رضي الله عنه مات مؤمنا، بدلالة فعله ومقاله، وفعل نبي الله صلى الله عليه وآله به ومقاله، حسبما شرحناه.
ويؤكد ذلك ما أجمع عليه أهل النقل من العامة والخاصة، ورواه أصحاب الحديث عن رجالهم الثقات من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل فقيل له: ما تقول في عمك أبي طالب، يا رسول الله، وترجو له؟ قال:
" أرجو له كل خير من ربي " (3).
فلولا أنه رحمة الله عليه مات على الإيمان لما جاز من رسول
مخ ۲۷
الله صلى الله عليه وآله وسلم رجاء الخيرات له من الله عز وجل، مع ما قطع له تعالى به في القرآن وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم من خلود الكفار في النار، وحرمان الله لهم سائر الخيرات وتأبيدهم في العذاب على وجه الاستحقاق والهوان.
مخ ۲۸
فصل فأما قوله لم رضي الله عنه المنبه على إسلامه وحسن نصرته، وإيمانه الذي ذكرناه عنه، فهو ظاهر مشهور في نظمه المنقول عنه على التواتر والاجماع، وسأورد منه جزءا يدل على ما سواه، إن شاء الله تعالى.
فمن ذلك قوله في قصيدته الميمية التي أولها:
ألا من لهم آخر الليل مقتم طواني وأخرى النجم لما تقحم؟ (1) إلى قوله:
أترجون أن نسخو بقتل محمد ولم تختضب سمر العوالي (2) من الدم
مخ ۲۹
كذبتم وبيت الله حتى تفرقوا (1) جماجم تلقى بالحطيم وزمزم وتقطع أرحام وتنسى حليلة خليلا ويغشى محرم بعد محرم وينهض قوم في الحديد إليكم يذودون عن أحسابهم كل مجرم على ما أتى من بغيكم وضلالكم وعصيانكم في كل أمر ومظلم (2) بظلم نبي جاء يدعو إلى الهدى وأمر أتى من عند ذي العرش مبرم (3) فلا تحسبونا مسلميه ومثله إذا كان في قوم فليس بمسلم (4) أفلا ترى الخصوم إلى هذا الجد من أبي طالب رضي الله عنه في نصرة نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم، والتصريح بنبوته، والاقرار بما جاء من عند الله عز وجل، والشهادة بحقه، فيتدبرون ذلك أم على قلوب أقفالها؟!
مخ ۳۰
ومنه قوله رضي الله تعالى عنه:
تطاول ليلي بهم نصب ودمع كسح السقاء السرب (1) للعب قصي بأحلامها وهل يرجع الحلم بعد اللعب (2) إلى قوله رضي الله عنه:
وقالوا لأحمد أنت امرؤ خلوف الحديث ضعيف النسب ألا إن أحمد قد جاءهم بحق، ولم يأتهم بالكذب (3) وفي هذا البيت صرح بالإيمان برسول الله صلى الله عليه وآله.
ومنه قوله رضي الله تعالى عنه:
مخ ۳۱
أخلتم بأنا مسلمون محمدا ولما نقاذف دونه بالمراجم (1) أمينا حبيبا في البلاد مسوما بخاتم رب قاهر للخواتم (2) يرى الناس برهانا عليه وهيبة وما جاهل في فضله مثل عالم (3) نبيا أتاه الوحي من عند ربه فمن قال لا يقرع بها سن نادم (4) تطيف به جر ثومة (5) هاشمية تذبب عنه كل باغ وظالم (6) ومنه قوله رضي الله تعالى عنه:
مخ ۳۲
ألا أبلغا عني على ذات بينها.
لؤيا وخصا من لؤي بني كعب ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا نبيا كموسى خط في أول الكتب وأن عليه في العباد محبة ولا شك فيمن خصه الله بالحب (1) وفي هذا الشعر والذي قبله محض الإقرار برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبالنبوة، وصريحه بلا ارتياب.
ومن ذلك قوله رضي الله عنه:
ألا من لهم آخر الليل منصب وشعب العصا من قومك المشعب إلى قوله:
وقد كان في أمر الصحيفة عبرة متى ما تخبر غائب القوم يعجب (2) محا الله منها كفرهم وعيوبهم وما نقموا من باطل الحق مقرب (3)
مخ ۳۳
فكذب (1) ما قالوا من الأمر باطلا ومن يختلق ما ليس بالحق يكذب وأمسى ابن عبد الله فينا مصدقا على سخط من قومنا غير معتب فلا تحسبونا مسلمين محمدا لذي غربة منا ولا متغرب ستمنعه منا يد هاشمية مركبها في الناس غير (2) مركب (3) وقال أيضا رضي الله عنه يحض حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه على اتباع رسول الله صلى الله عليه وآله، والصبر على طاعته، والثبات على دينه:
فصبرا أبا يعلى على دين أحمد وكن مظهرا للدين وفقت صابرا نبي أتى بالدين من عند ربه بصدق وحق لا تكن حمز كافرا فقد سرني إذ قلت: لبيك، مؤمنا فكن لرسول الله في الدين ناصرا
مخ ۳۴
وناد قريشا بالذي قد أتيته جهارا، وقل: ما كان أحمد ساحرا (1) وليس وراء هذه الشهادة والاقرار بالنبوة والحث على اعتقادها بيان في إيمانه ولا بعده شبهة وليس غير ذلك إلا العناد ورفع الاضطرار، نعوذ بالله من الخذلان.
ومن ذلك قوله رضي الله تعالى عنه:
إذا قيل من خير هذا الورى قبيلا، وأكرمهم أسره؟
أناف بعبد مناف أبي أبو نضلة هاشم الغره (2) وقد حل مجد بني هاشم مكان النعائم والزهره (3) وخير بني هاشم أحمد رسول المليك على فتره (4) وهذا مطابق لقوله تعالى: (قد جاءكم رسولنا يبين لكم على
مخ ۳۵
فترة من الرسل) (1).
فإن لم يكن في ذلك شهادة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة، فليس في ظاهر الآية شهادة، وهذا ما لا يرتكبه عاقل، له معرفة بأدنى معرفة أهل اللسان.
ومنه قوله في ذكر الآيات للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ودلائله، وقول بحيراء الراهب فيه، وذلك أن أبا طالب رضي الله عنه لما أراد الخروج إلى الشام ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إشفاقا عليه، ولم يعمل على استصحابه، فلما ركب أبو طالب رضي الله تعالى عنه بلغه ذلك، فتعلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالناقة وبكى، وناشده الله في إخراجه معه، فرق له أبو طالب وأجابه إلى استصحابه.
فلما خرج معه أظلته الغمامة، ولقيه بحيراء الراهب فأخبره بنبوته، وذكر لهم (2) البشارة في الكتب الأولى، فقال أبو طالب رضي الله تعالى عنه:
[إن الأمين محمدا في قومه عندي يفوق منازل الأولاد (3) لما تعلق بالزمام ضممته (4) والعيس قد قلصن بالأزواد (5)
مخ ۳۶