162

من كلامه الذي لم يزل ينازعني فيه ، من ادعائه أن الدنيا لم تزل ولا تزال شجرة تنبت واخرى تسقط ، ونفس تولد وأخرى تتلف ، وزعم أن انتحالي المعرفة لله دعوى لا بينة عليها ولا حجة لي فيها ، وأن ذلك أمر أخذه الآخر عن الأول والأصغر عن الأكبر ، وأن الأشياء المختلفة والمؤتلفة والباطنة والظاهرة إنما تعرف بالحواس الخمس : النظر والسمع والشم والذوق واللمس ، ثم قاد منطقه على الأصل الذي وضعه ، فقال : لم يقع شيء من حواسي على خالق يؤدي الى قلبي إنكار الله تعالى.

ثم قال : أخبرنى بم تحتج في معرفة ربك الذي تصف قدرته وربوبيته وإنما يعرف القلب الأشياء كلها بالدلالات التي وصفت لك؟

قلت : بالعقل الذي في قلبي ، والدليل الذي أحتج في معرفته ، قال : فأنى يكون ما تقول وأنت تعرف أن القلب لا يعرف شيئا بغير الحواس ، فهل عاينت ربك ببصر ، أو سمعت صوته بإذن ، أو شممته بنسيم ، أو ذقته بفم ، أو مسسته بيد ، فأدى ذلك المعرفة الى قلبك؟

قلت : أرأيت اذا أنكرت الله وجحدته لأنك زعمت أنك لا تحسه بحواسك التي تعرف بها الأشياء وأقررت أنا به هل بد من أن يكون أحدنا صادقا ، والآخر كاذبا ، قال : لا ، قلت : أرأيت إن كان القول قولك ، فهل تخاف علي شيء مما اخوفك به من عقاب الله ، قال : لا ، قلت : أفرأيت إن كان كما أقول والحق في يدي ، ألست قد أخذت فيما كنت أحاذر من عقاب الله بالثقة ، وإنك قد وقعت بجحودك وإنكارك في الهلكة ، قال : بلى ، قلت : فأينا أولى بالحزم وأقرب من النجاة ، قال : أنت ، إلا أنك من أمرك على ادعاء وشبهة وأنا على يقين وثقة ، لأني لا أرى حواسي الخمس أدركته ، وما لم تدركه حواسي فليس عندي بموجود ، قلت : إنه لما عجزت حواسك عن إدراك الله أنكرته ، وأنا لما

مخ ۱۶۵