ورفع هذا السؤال إلى الحافظ ابن حجر، فأجاب بما نصه: أدرك أبو حنيفة جماعة من الصحابة؛ لأنه ولد بالكوفة سنة (ثمانين)، وبها يومئذ عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنه -، فإنه مات بعد ذلك، وبالبصرة يومئذ أنس - رضي الله عنه -، وقد أورد ابن سعد بسند لا بأس به أن أبا حنيفة رآى أنسا - رضي الله عنه -، وكان غير هذين من الصحابة بعدة من البلاد أحياء، وقد جمع بعضهم جزءا فيما ورد من رواية أبي حنيفة عن الصحابة، ولكن لا يخلو إسناده من ضعف، والمعتمد على إدراكه ما تقدم، وعلى رؤيته لبعض الصحابة ما أورده ابن سعد في ((الطبقات))، فهو بهذا الاعتبار من التابعين. انتهى(1).
فانظر في هذه العبارة هل تجد فيها ترددا من العراقي في التابعية أو الرواية، والذي بعثه على نسبة عدم الجزم إليه قوله: فمن يكتفي... الخ، ولا يخفى أنه إنما زاد هذا لكونه مختلفا فيه، لا لأنه ليس ما يختاره ويرتضيه، على أن جزمه بالرؤية كان في رد كلامك في ((الأبجد))(2) المشتمل على دعوى اتفاق المحدثين على عدم الرؤية.
وأما ابن حجر فكلامه في جواب الفيتا لما عارض كلامه في ((التقريب)) ظاهرا وجب أن يجمع بينهما جمعا ناضرا أو يهجر كلامه التقريبي، ويؤخذ بكلامه الجزمي، وأما أن المختار عنده هو ما في ((التقريب)) كما ادعاه الناصر المجيب فمطالب بالدليل الغير الضعيف الكليل، أو التنبيه الوجيه الذي يرتضي به كل نبيه، وبدونه خرط القتاد لا يرتضيه إلا رب الفساد والعناد، وما الذي أدراه أن مختار الحافظ هو ما أدرجه في ((التقريب)) لا ما نقحه في جوابه وأبداه، فلعل ذلك الجواب يكون متأخرا عن ((التقريب))، فيكون المختار عنده هو غير ما في ((التقريب)).
مخ ۶۳