يحتاطون بشدة في أمر بيعهم وتجارتهم لما أمكن كثيرا منهم تحصيل معاشهم وجلب أقواتهم، ولكان في ترك الغرر اليسير جلبا للضرر الكبير.

فهكذا نلاحظ جميعا أن هذه الفروع الثلاثة قد قررت معنى مشتركا، هو رفع المشقة عن الناس في الأمور التي لا يمكن الاحتراز منها، وجلب مصالح الناس فيها أبيح لهم فعله من الأفعال اليسيرة والاضطرارية أو الضرورية.

وهذا المعنى هو نفسه المقصد الشرعي المتعلق برفع المشقة والحرج والضيق، وجلب المنفعة والمصلحة والرغبة الإنسانية المشروعة.

الفائدة ٦: ضبط مستثنيات القاعدة: القواعد . كما هو معروف . لها فروعها المندرجة فيها، ولها مستثنياتها التي تشذ عنها فلا تدخل فيها. ومسألة المستثنيات في القواعد مسألة علمية مهمة للغاية، وسنرى بيان ذلك في موضعه من هذا البحث إن شاء الله تعالى.

وما يمكن قوله في هذا الأثناء هو أن التعمق في دراسة القواعد الفقهية والإلمام بالفروع التابعة لها، يُعَرِّف بالمستثنيات التي ينبغي إخراجها من القاعدة، وعدم جعلها فروعا وجزئيات لها.

وإدراك هذه المستثنيات مفيد من جهات عدة، منها بالخصوص: تصحيح أفعال الناس وجعلها محكومة بالشرع وداخلة في دائرته، فلو كلف الإنسان بمستثنى على أساس أنه فرع للقاعدة، لكان في ذلك التكليف تكليفا بما ليس من الشرع أصلا.

ويمكن في هذه العُجالة إيراد المستثنى التالي الذي لا يجوز إدخاله ضمن قاعدة (اليسير معفو عنه):

المثال: يسير الوقوع في عرض الإنسان لا يجوز، ومن ثم جاء تحريم مس جسد المرأة الأجنبية ولو كان يسيرا، وتحريم الخلوة ولو كانت يسيرة، وتحريم الخضوع بالقول ولو كان يسيرا. وهذا كله مبني على قاعدة كون الأعراض ينبغي أن تُصان وتُحفظ وتُحترم.

الفائدة ٧: إعمال الذهن وإدامة النظر وإجراء الحوار والتناظر، وذلك من خلال القيام بالعملية الاستقرائية للجزئيات والفروع، وما يتبع ذلك من تتبع وجرد وتجميع