لجمال لغته وحداثة أسلوبه وسلاسة عباراته. فإذا ما قرأت لهوميروس، وقعت على ما يخلبك ويوقعك تحت تأثيره، ومن السهل أن نلاحظ ضوءا غريبا في أسلوب شاعر البطولة الخالد هذا.
ثانيا:
هوميروس قصاص رائع ممتاز. وقصته ممتعة جدا وإنسانية؛ فهي تحظى بإعجابك إلى النهاية. ونحن نقرؤه لأننا نريد أن نعرف ماذا يحدث، كل شيء ممتع، ونريد أن نصل إلى نهاية القصة، ونتلهف إلى أن نعرف ماذا ستكون النتيجة.
ثالثا:
خصائصه صادقة كأي شيء كتب؛ فهي في أساسها إنسانية. ولهذا السبب فإنك تجد نفسك، وأنت تقرأ الإلياذة، تتساءل عن سبب حدوث هذه الحادثة أو تلك بالأمس. إنها نفس ما يحدث في هذه الأيام. مثال ذلك: توديع هكتور لزوجته وأولاده؛ إذ ينحني ليقبل ابنه ولكن الابن يخجل ويذعر لمنظر الخوذة. فتريك هذه اللمسات البسيطة: المشاعر الإنسانية والخصائص الإنسانية والانفعالات الإنسانية. وهناك مثل آخر في حالة نستور، فقد صور مطابقا للحياة تمام المطابقة، حقيقة، نحن عندما نقرأ خصائص هوميروس، نقرأ عن أناس يعملون ويتكلمون كما يحدث عندنا في كل يوم. فنستور، صورة جميلة للشخص الثرثار، لا يفعل شيئا غير الكلام: «عندما كنا صغارا، كنا نفعل كذا كذا وكذا ...» وأخيل مثل ثالث واضح جلي. صوره هوميروس بعدة صور كل صورة منها تختلف عن الأخرى. فصوره وفيا، وجريئا ومرحا عندما لا يكون غاضبا. وبالاختصار، كل أشخاص هوميروس بشر أولا وقبل كل شيء، يمكنك أن تصدق بسهولة أن كل ما يفعلونه هو نتيجة لمشاعرهم ولما يختلج في نفوسها. فأبطاله، وحتى آلهته ورباته، يعملون ما يعمل البشر، صور هوميروس كل إحساس حتى غير المنظور، ووضحه كما لو كان حقيقيا في الحياة. ومما لا جدال فيه، أن مؤلفات هوميروس تتصف بصفة الخلود. ستقرأ الأجيال الحاضرة والقادمة هذه المؤلفات الرائعة إلى الأبد. وهذا ناشئ عن تصويره الرقيق لأشخاصه، كما يمكنك تقدير قيمة وروعة هذه المؤلفات، حتى عندما تقرأ الإلياذة المترجمة إلى لغات أخرى غير الإغريقية، ولو أن إعجابك لن يصل إلى الذروة التي يصل إليها عندما تقرؤها بالإغريقية. وما نخشاه هو أن تضيع خفتها وسرعتها في الإنجليزية (لاحظ المجازات والكنايات والاستعارات والتوريات والجرس السمعي، ومختلف صور المحسنات البديعية).
يمكننا أن نضيف إلى ما سبق أن هوميروس لم يخلق شعر البطولة من لا شيء، وأن مؤلفاته كانت ذروة تراث قديم طويل من الشعر الغنائي للشعراء المتجولين، وأنه يدين إلى ذلك التراث بقصصه ولغته وأوزانه.
ربما تضمن شعر هوميروس، أيضا، كسرا من أشعار العصور السابقة، مع احتمال أن يكون غيرها في عملية اقتباسها. والواقع أن هوميروس وضع أساس الاقتباس الأدبي، وكان الأغارقة يرجعون إليه دائما في الاستلهام والاقتداء. كان أبا الكوميديا والتراجيديا. ورغم عدم إمكان محاكاة طريقته بنجاح، في شعر البطولة، فإن غيره من الشعراء تعلموا منه كيف يشكلون مادتهم، وكيف يصوغون لغتهم. كما تعلموا منه أيضا أن الاقتصاد في عرض الخبرة التي تجعلنا نعجب من أنه أمكن التعبير عن كل تلك المعاني الكثيرة بألفاظ قليلة. وما يكاد يختص به هو وحده. وما حققه من نجاح باهر في شعر البطولة هو المدى الواسع في الابتكار. وقد انحصر عالمه بمعارف عصره. ولكنه ملأه بالأحياء من الرجال والنساء، وصاغ من القصص القديمة (الساجا
Saga ) شخصيات القصص الشعبي والأحداث، ما جعلها حية عندما أظهرها إلى حيز الوجود. ومن بين جميع كتب الحكمة البشرية، نجد كتب هوميروس هي الوحيدة التي لها الصدارة في الفن والجودة.
تكلمنا عن حداثة لغة هوميروس وخفة جوها العجيب وجمالها وسرعتها. وهي كذلك ذات معنى صناعي. لم يتكلم بها قط في الحياة العادية، واتخذت الحرية في القواعد. إنها كلام شعري قصد به موضوعات أكثر عظمة من الحياة العامة، مليء بالمترادفات والصور المتبادلة الزاخرة بألفاظ المغامرة والمأخوذة من عدة مصادر .
ولما كان هوميروس رجلا ذا موهبة قصصية فائقة، فإنه يعرف كيف يحتفظ بالقارئ - رغم وصفه الطويل للقتال - بصورة حية وعلى وتيرة واحدة، فإنه سيعوض عن وصفه الطويل للقتال بتلك الابتسامات التي هي سلف كل الابتسامات والصور القصيرة المرسومة بتألق عظيم من عالم ذلك الشاعر نفسه، ويشبه أجاكس العظيم في لزومه داره العنيد، حمارا استقر في حقل ورفض الخروج منه غير عابئ بما ينهال عليه من ضرب مبرح. ويشبه جريان باريس
ناپیژندل شوی مخ