268

ایلیاډه

الإلياذة

ژانرونه

وما إن قال أخيل السريع ذلك، حتى هب واقفا، وذبح خروفا أبيض الجزة، وقام أصدقاؤه بسلخه وإعداده جيدا كما يجب، وقطعوه شرائح بمهارة، وسفدوا الشرائح، وشووها بعناية، ثم أخرجوها كلها من السفود. وجاء أوتوميدون بالخبز، فوضعه على المائدة في أسقاط بديعة، بينما تولى أخيل أمر اللحم؛ ومن ثم مدوا أيديهم إلى الطعام الفاخر المعد أمامهم. وبعد أن أشبعوا رغبتهم في الطعام والشراب، أعجب بريام بن داردانوس بأخيل؛ فما كان أجمله، وما كان أعظمه! كان المرء يخال أنه يرى إلها في شخصه! كذلك أعجب أخيل ببريام بن داردانوس؛ إذ كان مهيب الطلعة وهو يتطلع إليه ويصغي إلى حديثه. وبعد أن فرغا من النظر - كل منهما إلى الآخر - كان بريام الهرم، الشبيه بالإله، أول من تكلم، قائلا: «أرني فراشي بسرعة، يا سليل زوس، حتى يمكننا - وقد داعب النوم أجفاننا - أن نستريح ونحظى بمتعة النعاس، فإن عيني لم تذوقا النوم منذ أن فقد ابني حياته على يديك، بل كنت دائم البكاء والتفكير العميق في أحزاني العديدة، وأنا أحبو وسط الأقدار في الأماكن القريبة من القصر. أما الآن فقد ذقت طعم اللحم، وشربت الخمر، بعد أن كنت على الطوى!»

وأمر أخيل أصدقاءه وإماءه بإعداد الأسرة تحت الدهليز، وفرشها بالملاءات الأرجوانية الجميلة، وتزويدها بالأغطية، وإعداد العباءات الصوفية فوقها ليلبسوها في نومهم. وفي الحال خرجت الإماء من القاعة يحملن المشاعل في أيديهن، وبسطن فراشين بهمة سريعة. وإذ ذاك، قال أخيل - السريع القدمين - لبريام، في تهكم: «ارقد في الخارج، أيها الشيخ العزيز - لئلا يأتي إلى هنا أحد مستشاري الآخيين - الذين اعتادوا المجيء إلى جانبي لتبادل المشورة - فلو أن أحدهم لمحك في دجى الليل، فقد يبلغ الأمر إلى أجاممنون - راعي الجيش - فيعرقل تسليم الجثة. والآن خبرني، اصدقني القول: كم يوما تعتزم إقامة الواجبات الجنائزية نحو هكتور العظيم، حتى أكبح جماح الجيش طيلة هذه المدة؟» فأجاب بريام العجوز - الشبيه بالإله - قائلا: «إذا كنت تريدني حقا على أن أقيم فروض الدفن لهكتور العظيم، إذن فاعمل حسب رغبتي يا أخيل، حتى أستطيع أداءها. إنك تعرف أننا محبوسون داخل المدينة، بعيدا عن الجبل الذي نقتطع منه الأخشاب. وإن الطرواديين لفي ذعر بالغ، سنبكيه في بيوتنا تسعة أيام، وسندفنه في اليوم العاشر، ونولم الولائم للقوم، ونقيم فوق فقيدنا رابية، في اليوم الحادي عشر، ثم سنقاتل في الثاني عشر، إذا اقتضى الأمر.»

فرد عليه أخيل العظيم، السريع القدمين، بقوله: «فليكن ما تريد، يا بريام الشيخ، وسأرجئ القتال إلى الأجل الذي تطلبه!» قال هذا، وأمسك يمنى الرجل العجوز من رسغها، حتى لا يتطرق الخوف إلى قلبه. ثم استلقيا ليناما في الساحة الخارجية للقصر - بريام وتابعه - بقلبين زاخرين بالطمأنينة بينما رقد أخيل بداخل الكوخ المتين البناء ونامت إلى جواره بريسايس الجميلة الخدين.

ونام جميع الآلهة والبشر - سادة العربات - طوال الليل، وقد غلبهم النعاس الرقيق، ما عدا هيرميس المعين، فإن الكرى لم يقترب منه، بل راح يفكر في كيفية العودة بالملك بريام بعيدا عن السفن، دون أن يراه حراس الأبواب الأقوياء. فوقف عند رأسه وتحدث إليه قائلا: «سيدي الشيخ، إنك لا تفكر الآن في أي شر، وأنت تنام هكذا وسط العدو؛ لأن أخيل أبقى عليك، وصحيح أنك افتديت ابنك بثمن باهظ، ولكن حياتك أنت قد تكبد أولادك - الذين خلفتهم وراءك - ثلاثة أضعاف هذه الفدية، إذا علم بأمرك أجاممنون بن أتريوس، أو جيش الآخيين!»

فما إن سمع الشيخ هذا حتى ذعر، فأيقظ التابع، ووضع هيرميس لهما الجياد والبغال تحت النير، وساقها بنفسه بخفة عبر المعسكر دون أن يفطن إليهم أي رجل. حتى إذا بلغوا مخاضة النهر الصافي الجريان - كسانثوس الدوام، الذي أنجبه زوس الخالد - رحل هيرميس إلى أوليمبوس القريب، بينما انتشر الفجر الزعفراني الثوب، على سطح الأرض كله. فقادا الجياد باكيين إلى المدينة، وقد حملت البغال الميت. ولم ينتبه إليهما أي فرد - سواء أكان رجلا أو امرأة جميلة الزنار - ولكن كاساندرا، نظيرة أفروديت الذهبية، صعدت فوق بيرجاموس، فرأت أباها العزيز واقفا داخل العربة مع التابع - منادي المدينة - كما رأت ذلك الراقد فوق المحفة داخل العربة التي تجرها البغال. فأطلقت صرخة حادة، وراحت تصيح في جميع أرجاء المدينة قائلة: «هلموا يا رجال طروادة ونساءها، هيا إلى مشاهدة هكتور، الذي كان يسركم أن تروه عائدا - من المعركة - حيا، فقد كان مصدر فرح عظيم للمدينة وسائر الشعب!»

ما إن قالت هذا، حتى لم يبق داخل المدينة رجل واحد ولا امرأة، فقد ألم بالجميع حزن لا سبيل إلى احتماله، فهرعوا إلى الأبواب يستقبلون بريام، وهو يحمل الميت إلى وطنه. فجاءت أولا زوجة هكتور العزيزة وأمه الجليلة، وارتمتا على العربة السريعة الجري، وأمسكتا رأسه في وقت واحد، وهما تبكيان وتمزقان شعورهما. وانقض القوم حولهما ينتحبون. وظلوا اليوم بطوله يبكون هكتور حتى مغيب الشمس، ذارفين الدموع السواجم خارج الأبواب. وأخيرا تكلم الشيخ من العربة، قائلا: «أفسحوا طريقا لمرور البغال، ثم ابكوا - بعد ذلك - ما شاء لكم أن تبكوا - بعد أن نقله إلى المنزل.» فلما قال هذا، انتحى القوم جانبا وأفسحوا طريقا للعربة، أما الآخرون، فبعد أن حملوه إلى المنزل المجيد، وأرقدوه فوق فراش موشى، وإلى جانبه وقف خير النائحات اللواتي ينشدن المراثي أثناء النحيب، ورحن ينشدن، فاستغرقت النساء حولهن في العويل. وفي وسط أولئك، بدأت «أندروماخي» - البيضاء الساعدين - النحيب، حاملة طوال الوقت رأس هكتور قاتل البشر بين ذراعيها، وهي تقول: «وا زوجاه، يا من تركت الحياة وأنت في ريعان شبابك، وتركتني في قصرك أرملة، وما زال ابنك طفلا! ذلك الابن، الذي ولد لأبوين منكودين - أنا وأنت - وما أظنه سيبلغ سن الرجولة؛ إذ ستكون هذه المدينة قد خربت عن بكرة أبيها، قبل ذلك؛ لأنك مت يا من كنت تحرسها، وتصون زوجاتها النبيلات وأطفالها الصغار. هؤلاء - كما أعتقد - سرعان ما سيؤخذون في السفن الجوفاء، وأنا بينهم، وأنت يا ولدي، ستتبعني إلى مكان تقوم فيه بأعمال لا تليق بك، كادحا تحت رحمة سيد خلا من الشفقة، أو قد يلقي القبض عليك أحد الآخيين، ويقذف بك من أعلى السور - فيا لها من ميتة بشعة! - في نقمته على هكتور الذي ربما كان قد قتل أخاه أو أباه أو ابنه؛ إذ إن كثيرا من الآخيين قد عضوا الأرض الفسيحة بأسنانهم على يد هكتور؛ لأن أباك لم يكن قط رحيما في الحرب البغيضة؛ ولذا يبكيه القوم في كل مكان بالمدينة! أي هكتور، لقد جلبت على والديك هما وحزنا لا يوصفان، وتركت لي محنا مفجعة أكثر مما أصاب جميع الأخريات. فما عدت تمد لي يديك من فراشك بعد موتك. ولا تحدثني بأية كلمة حكيمة أفكر فيها ليلا ونهارا، وأنا أسكب الدموع!»

هكذا قالت وهي تبكي، فبكت معها السيدات. وقامت «هيكابي» بدورها وسطهن، تقود النحيب الشديد قائلة: «هكتور، يا أعز جميع أولادي إلى قلبي، لقد كنت عزيزا على الآلهة في حياتك؛ لذا كانوا يهتمون بك رغم تعرضك للموت! فكل من استولى عليهم أخيل - السريع القدمين - من أبنائي، كان يبيعهم عبر البحر الصاخب، في ساموس وأمبروس، وليمنوس المغطاة بالدخان.

3

أما أنت، فعندما سلبك الحياة - بالبرونز الطويل النصل - راح يجرك كثيرا حول رابية صديقه باتروكلوس الذي قتلته، ولكنه لم يستطع أن يرد إليه الحياة بذلك، والآن، ها أنت ترقد في قصري ناضر الجسم رطبه، كما لو كنت حديث القتل، أو كواحد ممن يهاجمهم أبولو - ذو القوس الفضية بسهامه الرقيقة - فيرديهم!» هكذا تكلمت وهي تبكي، وأثارت بكاء لا يفتر. ثم جاءت هيلينا - وكانت ثالثة من تزعمن العويل - فقالت: «أي هكتور، يا أعز سائر إخوة زوجي إلى قلبي! لقد أحضرني زوجي ألكساندر الشبيه بالإله إلى أرض طروادة، فليتني مت قبل هذا! هذه هي السنة العشرون منذ أن رحلت من وطني، ومع ذلك فإنني لم أسمع منك - طيلة هذه المدة - كلمة شريرة ولا خبيثة قط. كلا، إذا كان هناك من لامني في القصر، فإنه أخ لي أو أخت، أو شقيقة زوج - جميلة الثياب - أو أمك. ولقد كان أبوك لطيفا معي دائما، كما لو كان أبي! وكنت تدافع عني بالكلام وتردعهم برقة روحك وألفاظك الوديعة؛ لذا أبكيك كما أبكي نفسي التعيسة - والغم يملأ قلبي - فلم يعد لي بعد الآن في «طروادة» الفسيحة، من يكون رقيقا معي أو رحيما بي، بل سيجفوني الرجال جميعا ويعرضون عني!» هكذا قالت وهي تبكي، وعندئذ انخرط الجمع في العويل.

ثم نهض الشيخ بريام يتحدث وسطهم، قائلا: «هيا، يا رجال طروادة، أحضروا الحطب الآن، وانطلقوا إلى المدينة دون خوف ولا وجل، فلن ينصب لكم الأرجوسيون كمينا؛ إذ وعدني أخيل - عندما شيعني من السفن السوداء - أنه لن يقوم حيالنا بأي عمل عدائي، إلا عندما يحل فجر اليوم الثاني عشر!» فما إن قال هذا، حتى وضعوا النير فوق أعناق الثيران والبغال، وشدوها إلى العربات، واحتشدوا معا بسرعة أمام المدينة. واستمروا يجلبون كميات هائلة من الحطب لمدة تسعة أيام. حتى بزغ فجر اليوم العاشر، ينشر الضوء على البشر، فحملوا هكتور الجريء، وهم يذرفون الدموع، ووضعوه فوق كومة الحطب، وأشعلوا النار!

ناپیژندل شوی مخ