266

ایلیاډه

الإلياذة

ژانرونه

قال هذا، وأعمل صولجانه في الرجال، فانصرفوا من أمامه مسرعين. ثم نادى أبناءه هيلينوس، وباريس، وأجاثون العظيم، وبامون، وأنتيفونوس، وبوليتيس الرائع في صيحة الحرب، ودايفوبوس، وهيبوثوس، وديوس المجيد. نادى هؤلاء التسعة بصوت مرتفع، وأصدر إليهم أمره قائلا: «أسرعوا أيها الأولاد الأخساء، يا من جلبتم علي الخزي والعار، ليتكم قتلتم جميعا بدلا من هكتور، بالقرب من السفن السريعة! ويحي، لقد اكتمل نحسي، إذ أنجبت - في طروادة الفسيحة - أبناء شجعانا، ولكن أحدا من هؤلاء لم يبق لي! لا ميستور الشبيه بالإله، ولا ترويلوس المحارب سائق العربات، ولا هكتور الذي كان إلها وسط البشر، ولم يكن يبدو ابن إنسان فان، وإنما إله، كل هؤلاء قتلهم أريس، ولم يترك لي سوى أبناء يتصفون بكل شائنة. فمنهم كاذب اللسان، وأعرج القدم، ومن لا مثيل له في ضرب الأرض عند الرقص، وسارق الحملان والجداء من قطعانكم. أعدوا لي عربة بسرعة، وضعوا بداخلها كل هذه الأشياء ، حتى ننطلق في طريقنا!»

هكذا تكلم، فجزعوا لصياح أبيهم، وأحضروا - لفورهم - العربة السريعة الجري التي تجرها البغال. وكانت جميلة وحديثة الصنع. وثبتوا فيها الصندوق الصفصافي، وأنزلوا عن مشجبها نير البغال، نيرا من خشب البقس به مقبض أحكم تثبيته بحلقات للتوجيه والقيادة. ثم ثبتوا رباط النير - البالغ طوله تسع أذرع - في النير، وثبتوا النير فوق المحور المصقول الطرف، والمقوس إلى أعلى، وأدخلوا الحلقة في الوتد، وربطوها جيدا بالمقبض بثلاث ثنيات - يمينا ويسارا - ثم ثبتوها في القضيب الرأسي، وأنزلوا الخطاف من تحتها. ولما انتهوا من ذلك، حملوا الكنوز من المخزن وكوموها داخل العربة المصقولة، فدية تفوق الحصر في مقابل رأس هكتور ثم ربطوا - إلى النير - البغال القوية الأظلاف، التي أعطاها الموسيون لبريام يوما، كهدية قيمة. ثم أسرجوا للملك الشيخ جيادا كان يحتفظ بها لنفسه، ورباها في حظيرته اللامعة.

هكذا كان كلاهما يعدان عربتهما في القصر الشاهق - التابع وبريام - وكلاهما يحسن الظن في قلبه. وعندئذ أقبلت هيكابي مهمومة القلب، تحمل في يمناها خمرا عسلية داخل كأس من العسجد، ليستطيعا تقديم سكيبة قبل رحيلهما. ثم وقفت أمام الجياد وقالت لبريام: «خذ هذه، وقدم الآن سكيبة للأب زوس، وصل له كي تعود ثانية إلى بيتك من عند العدو، ما دام قلبك يبعث بك نائيا إلى السفن، رغم عدم رغبتي في رحيلك. ثم صل لابن كرونوس - سيد السحب القاتمة - رب أيدا، المطل على أرض طروادة، واطلب منه طائر البشرى، ذلك الرسول السريع الذي يعتبره أعز الطيور وأشدها قوة. فليظهر فوق يمناك، حتى إذا شاهدت العلامة بنفسك، اطمأننت إليها، ومضيت في طريقك إلى سفن الدانيين ذوي الجياد السريعة، أما إذا لم يمنحك هذا زوس الذي يحمل صوته نائيا، فلن أشجعك إطلاقا على الذهاب إلى سفن الأرجوسيين، مهما يكن شوقك إلى الرحيل.»

فأجابها بريام - الشبيه بالإله - قائلا: «زوجتي، لن أهمل نصيحتك هذه . فمن الخير التضرع إلى زوس، عله يرحم!»

هكذا قال الرجل العجوز، وأمر مدبرة البيت - القائمة بالخدمة - أن تصب على يديه ماء نظيفا. فاقتربت الأمة تحمل في يديها حوضا وأبريقا. وبعد أن غسل يديه، تناول الكأس من زوجته، وصلى واقفا وسط الساحة، وسكب الخمر متطلعا إلى السماء، قائلا بصوت مرتفع: «أبتاه زوس، يا من تحكم من أيدا، أيها الأمجد، أيها الأعظم، اكتب لي أن أجد ترحيبا وإشفاقا في كوخ أخيل، وأرسل طائر البشرى - أسرع رسول وأعز الطيور لديك، وأشدها قوة - ليظهر فوق يمناي، حتى إذا ما رأيت العلامة بعيني رأسي، وثقت بأمرك، وانطلقت في طريقي إلى سفن الدانيين ذوي الجياد السريعة.» وإذ صلى هكذا، سمعه زوس المستشار، فأرسل في الحال نسرا - هو أعظم العلامات تأكيدا بين الطيور المجنحة، النسر الأشعث الصياد، الذي يسميه البشر النسر الأسود - وبقدر امتداد باب الخزانة العالية السقف، خزانة الرجل الغني ذات الأبواب المحكمة الإغلاق بالمزاليج، كذلك كان جناحا الطائر يمتدان إلى هذا الجانب وذاك، فظهر - إلى اليمين - فوق المدينة. فلما رأوه طفحت قلوبهم غبطة وسرورا.

رحيل بريام!

وفي الحال أسرع الشيخ يعتلي عربته، وقادها بعيدا عن الأبواب والرواق الفسيح. ومن الأمام جرت البغال العربة ذات العجلات الأربع، يسوقها أيدايوس الحكيم القلب، ومن الخلف أقبلت الجياد، يسوقها الرجل الهرم بسرعة خلال المدينة، وقد تبعه جميع أقربائه يبكون عاليا، وكأنهم يبكون شخصا يسعى إلى حتفه. فلما ابتعد بريام وتابعه عن المدينة وبلغا السهل، قفل أبناء بريام وأزواج بناته راجعين إلى طروادة. ولم يكن زوس قد فطن إلى بريام وزميله وهما يتقدمان فوق السهل. بيد أنه لم يكد يبصره، حتى أشفق عليه، وخاطب ابنه العزيز هيرميس قائلا: «أي هيرميس، بما أنك تفوق غيرك رغبة في مرافقة البشر، وتعير من تحب أذنا صاغية، فاصحب بريام إلى سفن الآخيين الجوفاء، ولا تجعل أحدا يراه من الدانيين أو يفطن إليه، حتى يصل إلى ابن بيليوس!»

هكذا قال، فلم يتردد الرسول «أرجايفونتيس» في الإصغاء إليه، وانتعل لفوره نعليه الذهبيين الجميلين الخالدين، اللذين كانا يحملانه فوق مياه البحر، وعلى أديم الأرض الفسيحة، بسرعة الريح. وتناول الصولجان الذي ينيم به عيون من يشاء، ويوقظ به عيون آخرين. وطار «أرجايفونتيس» القوي - والصولجان في يده - فبلغ أرض طروادة بسرعة، وكذلك الهيليسبونت. وانطلق في صورة أمير شاب، يتدلى شاربه الرقيق فوق شفته، ويتجلى في محياه سحر الشباب. فلما شاهده الآخران خلف ربوة طروادة العظيمة، أوقفا البغال والجياد عند النهر لتستقي؛ إذ كان الظلام يخيم على الأرض. عندئذ أطل التابع، ففطن إلى وجود هيرميس قريبا جدا، فقال لبريام: «تنبه يا ابن داردانوس، فها هو ذا أمر يتطلب منك التفكير السديد. إني أرى رجلا مقبلا، وأعتقد أننا سرعان ما سنمزق إربا. هلم لنهرب بالعربة، أو على الأقل نمسك ركبتيه ونتوسل إليه أن يرحمنا!»

وإذ قال هذا، اضطرب عقل الرجل العجوز، وتفاقم أساه، وتصلب الشعر فوق أطرافه الغضة، ووقف حائرا مبهوتا، ولكن المعين أقبل من تلقاء نفسه، وأمسك بيد الشيخ الهرم، وسأله بقوله: «أبتاه، إلى أين تسرع بجيادك وبغالك هكذا في دجى الليل الخالد، بينما ينام غيرك من البشر؟ ألا ترهب الآخيين الذين يلقون الرعب في النفوس، أولئك الأعداء العديمي الرحمة القريبين جدا منك؟ لو أن أحدهم رآك تحمل مثل هذه النفائس في بهيم الليل الداجي، فماذا تراك فاعلا؟ وأنت لست فتيا، وزميلك رجل وهن عظمه، فلن يستطيع الدفاع عنك، أو حمايتك من رجل يبادرك بالعدوان. أما أنا، فلن أمسك بسوء، بل سأذود عنك ضر الآخرين؛ إذ أراك شبيها بأبي العزيز.»

فرد عليه بريام الشيخ - الشبيه بالإله - قائلا: «إن الأمور لتجري كما قلت يا ولداه. ولا بد أن يكون هناك إله ما يشرف علي، إذ أرسل لي مرشدا مثلك يصحبني، ذا بركة، جميل المحيا، لطيف الحديث، وفضلا عن كونك حكيم القلب، فلا بد أنك تنحدر من أبوين مباركين.»

ناپیژندل شوی مخ