244

ایلیاډه

الإلياذة

ژانرونه

إنما يجب أن ندفن المقتول ونجعل قلوبنا صلبة، فلا نبكي إلا ليوم واحد. أما الأحياء الذين لم يصرعهم الحرب الكريهة، فيجب أن يفكروا في الشراب والطعام، حتى يمكننا أن نقاتل العدو بمزيد من القوة دائما، متسربلين بحلل البرونز الصلب. ولا تدع أحدا من الجيش أجمع يتخلف عن العمل في انتظار نداءات أخرى، فهذه هي النداءات: ويل لمن يبقى عند سفن الآخيين! فهيا، نهب في حشد واحد، ونثير معركة طاحنة مع الطرواديين.»

قال هذا، وانتخب أبناء نسطور المجيد، وثواس، وميريونيس، ولوكوميديس بن كريون، وميلانيبوس: فساروا في طريقهم إلى كوخ أجاممنون بن أتريوس. وفي الحال صدر الأمر، وفي نفس اللحظة أنجز العمل. فحملوا من الكوخ سبع ركيزات - كما وعد تماما - وعشرين قدرا لامعة، واثني عشر جوادا. وبسرعة صحبوا إلى الخارج نساء ماهرات في الأعمال اليدوية الرائعة، عددهن سبع، والثامنة «بريسايس» الجميلة الوجنتين. وبعد ذلك وزن أوديسيوس عشر وزنات من الذهب، وتقدم الجمع، يتبعه الشبان الآخيون يحملون الهدايا. فوضعوها وسط مكان الاجتماع. ونهض أجاممنون، ووقف بجانبه تالثوبيوس - الذي يشبه صوته صوت الرب - حاملا في يديه خنزيرا بريا. واستل ابن أتريوس السكين التي كانت تتدلى دائما بجانب غمد سيفه العظيم، وقطع الشعرات الأولى للخنزير البري، ثم رفع يديه وصلى إلى زوس، وجلس جميع الأرجوسيين صامتين، يصغون لهذه الصلاة، كما هو جدير بالملك. فقال متوسلا، وهو يرفع بصره نحو السماء الفسيحة: «كن أول شاهد يا زوس، يا أسمى وأفضل الآلهة، ثم الأرض والشمس، والأيرينويس الموجودات تحت الأرض ينتقمن من البشر الذين يقسمون أيمانا باطلة، لتشهد على أنني لم أضع يدي قط على الفتاة بريسايس، لا بعناق العاشق، ولا بأي طريق آخر، ولكنها ظلت في أكواخي دون أن يمسها أحد. وإذا كان ثمة زيف في هذا القسم، فلتعطني الآلهة آلاما لا تحصى، كل الآلام التي اعتادوا صبها على من يأثم في يمينه!»

قال هذا، وقطع رقبة الخنزير البري بالبرونز العديم الرحمة. أما الجسد فطوحه تالثوبيوس إلى الخليج العظيم في البحر الرمادي، ليكون طعاما للأسماك. ثم قام أخيل، وتحدث وسط الأرجوسيين المحبين للقتال، قائلا: «أبتاه زوس، إن العمى الذي تبتلي به البشر لعظيم حقا. فما كان في مقدور ابن أتريوس أن يثير الغضب بصدري أبدا، ولا أن يأخذ الفتاة بالقوة رغما مني، لو لم يشأ زوس أن يحل الموت بكثير من الآخيين. والآن، فلتذهبوا إلى طعامكم، حتى نستطيع الالتحام في القتال!»

في معسكر أخيل!

هكذا تكلم، وبسرعة فض الاجتماع. فانصرف الآخرون، كل إلى سفينته، بينما شغل المورميدون - البالغو الشجاعة - بالهدايا، فحملوها بسرعة إلى سفينة أخيل، الشبيه بالإله، ووضعوها في الأكواخ، كما وضعوا النساء هناك. أما الجياد فقد ساقها الخدم المزهوون إلى القطيع.

وما إن وقع بصر بريسايس - الشبيهة بأفروديت الذهبية - على باتروكلوس مشوها بالبرونز الحاد، حتى ارتمت بجانبه تصرخ عاليا، ومزقت صدرها وعنقها الرخص ووجهها الفاتن بيديها. وبينما هي تبكي، تلك المرأة الشبيهة بالربة، قالت: «أي باتروكلوس، أيها العزيز إلى قلبي البائس، لقد تركتك حيا عندما رحلت عن الكوخ، وها أنا ذي أجدك جثة هامدة - يا قائد الجيوش - عند عودتي إلى هنا، هكذا نصيبي أن تتوالى علي المصائب تباعا. لقد رأيت زوجي الذي زوجنيه أبي وأمي الجليلة، مقتولا بالبرونز الحاد أمام مدينتنا ، وإخوتي الثلاثة الذين أنجبتهم أمي - إخوتي الأحباء - قابلوا كلهم يوم الموت. أما أنت، فإنك لم تشأ - عندما قتل أخيل السريع زوجي، وخرب مدينة مونيس، الشبيه بالإله - أن تحملني مشقة البكاء، بل قلت إنك ستجعلني زوجة أخيل المعقود عليها، وإنه سيحملني في سفنه إلى فثيا، ويقيم لي وليمة عرس وسط المورميدون؛ لذا حق علي أن أبكيك ميتا دون هوادة؛ لأنك كنت دائما رحيما بي.»

هكذا قالت وهي تبكي، واشتركت معها النساء في العويل، كن يبكين باتروكلوس، بينما كان لكل منهن أحزانها. أما شيوخ الآخيين، فقد اجتمعوا حول أخيل، متوسلين إليه أن يأكل، ولكنه أبى أن يذوق شيئا، منتحبا طول الوقت، وهو يقول: «إذا كان لأحد من أصدقائي أن يأخذ بقولي، فإني أرجو ألا يلح علي بطعام وشراب، فإن غما بالغا يحيق بي. وسأظل على الطوى، متحملا الجوع كما أنا، حتى غروب الشمس.»

وإذ قال هذا، صرف عنه الرؤساء الآخرين، ما عدا ابني أتريوس وأوديسيوس العظيم، ونسطور، وأيدومينيوس، وفوينكس العجوز - سائق العربات - فبقوا إلى جانبه يحاولون أن يسروا عنه حزنه المفرط. بيد أن قلبه لم يكن ليتعزى قط إلا بعد أن يدخل في فم الحرب الدامية. وبينما هو يفكر في ذلك، أطلق أنينا شديدا، ثم قال: «لقد كنت فيما مضى، أيها المسكين، يا أعز أصدقائي، تخف إلى إعداد أفخم الولائم، بسرعتك الرشيقة - كلما هب الآخيون إلى شن الحرب المبكية على الطرواديين مستأنسي الخيول، ولكنك ترقد الآن مشوها، وقد زهدت نفسي الطعام والشراب - رغم قربهما - لفرط حزني عليك. فليس يفجعني أكثر من هذا، ولو بلغني موت أبي، الذي أحسبه يذرف الدمع الآن في فثيا، لحاجته إلى ابن مثلي، بينما أنا في أرض غريبة، أحارب طروادة من أجل هيلينا المقيتة، بل ولو بلغني موت ابني الحبيب نيوبتوليموس الذي يربى من أجلي في سكوروس، ذلك الابن الشبيه بالإله، إن كان لا يزال حيا. فإن قلبي الكائن في صدري يحدثني بأنني - سأهلك وحيدا هنا - في أرض طروادة - بعيدا عن أرجوس، مرعى الخيول. وكان جديرا بك أن تعود إلى فثيا كي تحمل ولدي في سفينتك السوداء السريعة - من سكوروس - وتطلعه على جميع الأشياء: على ممتلكاتي، وعبيدي، ومنزلي الكبير المرتفع السقف. فإنني أعتقد الآن ، أن بيليوس إما أن يكون قد مات ومضى، أو أن يكون ضعيفا - إذا كان لا يزال على قيد الحياة - يقاسي آلام الشيخوخة البغيضة، كما يقاسي لوعة انتظار أخباري المحزنة، إلى أن يبلغه نبأ موتي!»

هكذا قال وهو يبكي، فبكى معه الشيوخ، كل يفكر فيمن تركهم في الوطن. ولمحهم ابن كرونوس وهم في أحزانهم فأحس بالشفقة نحوهم. وفي الحال خاطب أثينا بكلمات مجنحة، قائلا: «أي طفلتي، من العجب أن تهجري محاربك هجرا تاما. أليس لأخيل - بعد الآن - موضع في فكرك؟ إنه يجلس هناك أمام سفنه ذات القرون المستقيمة، يبكي صديقه العزيز، وقد انصرف الآخرون إلى طعامهم، بينما أصر هو على الصيام، فلن يتناول طعاما. انطلقي الآن، واسكبي في صدره شراب الآلهة والأمبروسيا السارة، حتى لا يكون نهبا لآلام الجوع!»

بهذا حث أثينا، وكانت كلها شوقا، فانقضت - كالبازي العريض الجناحين، الحاد الصوت - تهبط فوقه من السماء، خلال الفضاء. وبينما كان الآخيون يعدون أنفسهم للقتال في سائر أنحاء المعسكر، سكبت في صدر أخيل شراب الآلهة والأمبروسيا المفرحة، لكيلا تغزو آلام الجوع أطرافه. ثم انصرفت إلى بيت سيدها العتيد، المتين البناء، بينما تدفق الآخيون من السفن السريعة، وكما يسقط هباء الثلج من لدن زوس، غزيرا سريعا باردا من جراء الريح الشمالية السابحة في السماء المتألقة، هكذا أيضا حملت الخوذات المتلألئة - من السفن - بسرعة وغزارة، وكذلك التروس المرصعة، والدرقات ذات الصفائح السميكة، والرماح الدردارية. وقد تصاعد بريقها إلى السماء، وتهللت الأرض حولهم للبرونز اللامع، وارتفع الطنين من تحت أقدام الرجال، وأعد أخيل العظيم نفسه للقتال بينهم. وكان لأسنانه صرير، وقد توهجت كلتا عينيه كما لو كانتا جذوتي نار، وطفح قلبه بحزن لا يمكن احتماله. وفي غضبه الشديد هذا - ضد الطرواديين - تسربل في الهدايا الربانية التي تعب هيفايستوس في صنعها له. فبدأ يلبس الدروع حول ساقيه - وكانت دروعا جميلة، تزينها قطع فضية للعقبين - ثم ارتدى الدرقة حول صدره. وعلق السيف البرونزي المرصع بالفضة على كتفيه، وبعد ذلك أمسك بالترس العظيم المكين، الذي كان يسطع بريقه إلى مسافات بعيدة، كأنه بريق القمر. وكما يحدث إذ يظهر للبحارة - من فوق البحر - بريق النار المستعرة، وهي تتأجج عاليا فوق الجبال في مزرعة منعزلة، بينما تحملهم العاصفة، ضد رغبتهم، بعيدا عن أصدقائهم، هكذا أيضا تصاعد من ترس أخيل - الترس الجميل الفاخر الترصيع - بريق تطاول إلى عنان السماء. ورفع الخوذة القوية، ووضعها على رأسه، فتلألأت كما لو كانت نجما - خوذة ذات خصلة من شعر الخيل، تتموج حولها رياش من الذهب، أكثر هيفايستوس من وضعها حولها وبهذا الحلة الحربية برهن أخيل العظيم على وجوده، إذ انطبقت على جسمه تماما، وتحركت فيها أطرافه المجيدة بطلاقة، وأضحت بمثابة أجنحة له، فرفعت راعي الشعب عاليا. وفي الحال سحب رمح أبيه من غمده، ثقيلا ضخما قويا، لا يستطيع أي آخي - عدا أخيل وحده - أن يلوح به بمهارة، كذلك كان الرمح البيلي الدرداري الذي أعطاه خايرون لأبيه العزيز من ذؤابة بيليون، ليقتل به المحاربين. وانهمك أوتوميدون والكيموس في وضع النير فوق الجياد، كما وضعا حول أجسامها شرائط الصدر الجميلة، ووضعا اللجم في أفواهها، وشدا الأعنة للخلف إلى العربة المكينة. وأمسك أوتوميدون في يده السوط اللامع الذي ناسبها تماما، وقفز فوق العربة، ثم خطا أخيل مسلحا في عدته للقتال، متلألئا في حلته الحربية أشبه بهوبيريون المتألق، فصاح عاليا على جوادي أبيه قائلا: «أي كسانثوس وباليوس، يا ابني بودارجي الذائعي الصيت، ضعا نصب أعينكما أن تحضرا سائقكما - بطريقة ما - سالما إلى جيش الدانيين، بعد أن نأخذ كفايتنا من الحرب، ولا تتركاه هناك ميتا، كما فعلتما مع باتروكلوس!»

ناپیژندل شوی مخ