237

ایلیاډه

الإلياذة

ژانرونه

بين ثيتيس وأخيل!

وما لبث أخيل أن أرسل صرخة مدوية، سمعتها أمه الجليلة وهي تجلس في قاع البحر بجانب أبيها العتيق. فصرخت صرخة حادة، واحتشدت الربات حولها، جميع بنات نيريوس - اللائي كن في قاع البحر. وكانت هناك جلاوكي، وثاليا، وكومودوكي، ونيسايا، وسبايو، وثوي، وهاليي ذات عيون المها، وكوموثوي، وأكتايا، وليمنوريا وميليتي، وأيارا، وأمفيثوي، وأجافي، ودوتو، وبروتو، وفيروسا، ودوناميني، ودوريس، وبانوبي، وجالاتيا المجيدة، ونيميرتيس، وأبسيوديس، وكالياناسا، كما كانت هناك كلوميني، وأيانيرا، وأياناسا، ومايرا، وأوريثوا، وأماثيا الجميلة الغدائر. كما كانت هناك نيرياديات أخريات في أعماق البحر. فامتلأ الكهف البراق بأولئك، وأخذن جميعا يلطمن صدورهن، وكانت ثيتيس تقودهن في النواح قائلة: «أنصتن أيتها النيرياديات الأخوات، لتسمعن وتعرفن كل ما في قلبي من الأحزان. ويحي، أنا التعيسة، وا حسرتاه لأنني أنجبت لآلامي خير الرجال. فبعد أن أنجبت ولدا عديم النظير، باسلا صنديدا، مبرزا بين المحاربين، وقد نما شبيها بالغصن، وبعد أن ربيته ونشأته كنبات في حقل، غزير الإنتاج، بعثت به إلى «طروادة» في السفن المدببة، ليحارب الطرواديين. بيد أنني لن أرحب به ثانية بعد الآن وهو عائد إلى وطنه، إلى بيت بيليوس. ولقد كان حزينا - عندما كان حيا، يبصر ضوء الشمس - ولم أستطع مساعدته بحال ما، رغم أنني كنت أذهب إليه. ومع ذلك فسأذهب لأرى ولدي العزيز، وأعرف أي حزن ألم به، وهو بعيد عن القتال.»

وما إن قالت هذا حتى غادرت الكهف، وذهبت الحوريات معها باكيات، تنشق من حولهن أمواج البحر شطرين. فلما بلغن أرض طروادة العميقة التربة، وطئن الشاطئ - واحدة إثر الأخرى - حيث سحبت سفن الميرميدون إلى أعلى في صفوف متراصة حول أخيل السريع. فاقتربت منه أمه الجليلة، وهو يئن أنينا عاليا، وصاحت صيحة حادة، وأمسكت رأس ولدها، وخاطبته بكلمات مجنحة وهي تبكي قائلة: «أي بني، لم هذا البكاء؟ أي حزن استبد بقلبك؟! أفصح، ولا تخش شيئا. فقد حقق زوس رغبتك التي طلبتها عندما رفعت يديك مصليا ، وتمنيت أن يحضر جميع أبناء الآخيين عند مؤخر السفن، في مسيس الحاجة إليك، وأن يقاسوا أهوالا مريرة!»

فأجابها أخيل، السريع القدمين، وهو يئن أنينا شديدا، فقال : «أماه، حقا، لقد أجاب الأوليمبي وحقق صلواتي، ولكن ماذا يبهجني فيها وقد مات صديقي العزيز باتروكلوس، الذي كنت أبجله أكثر من جميع أصدقائي، قتله هكتور وسلب منه حلته الحربية، البديعة الضخمة، مثار إعجاب الناظرين، تلك التي قدمتها الآلهة هدية مجيدة لبيليوس، يوم أن وضعوك في فراش رجل من البشر. ليتك بقيت عذراء حيث كنت بين عذارى البحر الخالدات، وليت بيليوس أخذ إلى بيته زوجة من البشر. أما الآن، فهكذا قدر عليك أن تحزني وتقاسي غما لا حد له في قلبك من أجل ولدك الميت، الذي لن ترحبي به ثانية في وطنه؛ إذ يحدثني قلبي ألا أمكث وأعيش بين البشر، إلا بعد أن أضرب برمحي هكتور، وأفقده حياته، وبذا يدفع الثمن غاليا على قتله باتروكلوس بن مينويتيوس.»

عندئذ تحدثت إليه ثيتيس ثانية، والدموع تنهمر من مآقيها، فقالت: «محكموم عليك يا بني، أن تموت عاجلا، ما دمت تتكلم هكذا، فبعد هكتور مباشرة، يكون موتك قريبا جدا.»

حينئذ قال لها أخيل السريع القدمين، وقد تأثر تأثرا بالغا: «إني لأتمنى موتي فورا؛ لأنني لم أستطع مساعدة صديقي عند مقتله! لقد تردى بعيدا جدا عن وطنه، وكان مفتقرا إلى أن أكون حصنه ضد الفناء. وبما أنني لن أعود إلى وطني العزيز، ولم أبرهن - بأية حال من الأحوال - على أنني منقذ لباتروكلوس أو لأصدقائي الآخرين الكثيرين الذين قتلهم هكتور العظيم، بل بقيت هنا بجانب السفن كمتاع لا نفع له على الأرض - أنا الذي لا يوجد لي مثيل، في الحرب، بين الآخيين المتدثرين بالبرونز، رغم أن هناك من يفضلني في المشورة - بما أنني كنت كذلك، فهل للصراع أن يختفي بين الآلهة والبشر، وكذلك الغضب الذي يفضي بالمرء إلى الضغينة، مهما يكن حكيما، ذلك الغضب الذي يفوق في حلاوته العسل المصفى، وينمو كالدخان في قلوب البشر، كذلك كان الحال عندما دفعني أجاممنون - ملك البشر - إلى الغضب. ومع كل، يجب أن نغض الطرف عن هذه الأمور. بسبب آلامنا الجمة، ونكبح جماح قلوبنا في صدورنا، والآن هل لي أن أنصرف في الحال، لأنقض على قاتل من أحببته، على هكتور. لسوف أتقبل الموت بنفس راضية، عندما يرغب زوس في تنفيذه، وكذلك الآلهة الآخرون الخالدون. فإن هرقل القوي نفسه لم ينج من الموت، وكذا غضب هيرا الفظيع. وهكذا أنا أيضا، سأفترش الغبراء عند موتي، إذا قدر لي مصير مماثل. أما الآن فدعيني أحرز الصيت المجيد، وأجعل الكثيرات من الطرواديات أو الدردانيات الممتلئات الصدور، يمسحن العبرات بكلتا أيديهن من فوق وجناتهن الرقيقة، وسط عويل لا ينقطع، وليعلمن أنني كنت بعيدا عن الحرب زمنا طويلا. إذن لا تحاولي أن تمنعيني عن القتال؛ لأنك لن تستطيعي ذلك رغم جميع ما قدر لي!»

عند ذلك أجابته الربة، ثيتيس الفضية القدمية، قائلة: «نعم، إن الأمر كما تقول يا بني، فليس من القبيح أن تدفع الهلاك الشامل عن أصدقائك، الذين ضيق عليهم الخناق بشدة. بيد أن حلتك الحربية العظيمة قد استولى عليها الطرواديون، حلتك الحربية البرونزية، التي تتلألأ كلها سناء. إن هكتور - ذا الخوذة المتألقة - يرتديها فوق كتفيه مزهوا بها. ومع ذلك، فإني أعتقد أنه لن ينال بها المجد طويلا، حيث إن موته قريب، ولكن لا تتدخل في شغب أريس إلا بعد أن تبصرني عيناك قادمة إلى هنا ثانية. فلسوف أعود في الصباح عندما تخرج الشمس من خدر أمها، أحمل إليك حلة حربية رائعة من عند السيد هيفايستوس.»

قالت ذلك واستدارت لتعود من عند ابنها، وما إن استدارت حتى خاطبت شقيقاتها في البحر، بقولها: «غصن الآن تحت سطح البحر العميق، لزيارة شيخ البحر الكهل، وساحات أبينا، وأخبرته بكل شيء. فإنني صاعدة إلى أوليمبوس الشاهق إلى بيت هيفايستوس، الحداد الذائع الصيت، عسى أن أحصل منه لابني على حلة حربية متألقة مجيدة.»

صيحة أخيل!

هكذا قالت، وفي الحال غصن تحت أمواج البحر، بينما انطلقت الربة ثيتيس - اللجينية القدمين - في طريقها إلى أوليمبوس، كي تحضر حلة حربية مجيدة لابنها العزيز؛ ومن ثم فقد حملتها قدماها إلى أوليمبوس، بينما كان الآخيون يطلقون العنان لأقدامهم أمام هكتور قاتل البشر، وهم يصرخون صرخات مروعة ، حتى بلغوا السفن والهيليسبونت. ومع ذلك فلم يقدر للآخيين المدرعين جيدا، أن يسحبوا باتروكلوس - خادم أخيل - من وسط الرماح، فقد استرده جيش وعربات الطرواديين؛ إذ تقدم هكتور بن بريام - الذي يحكي اللهب في قوته - وأمسك بقدميه من الخلف، ثلاث مرات متلهفا إلى سحبه بعيدا، وهو يصيح عاليا على الطرواديين، وثلاث مرات دفعه الأيانتيس، المتسربلان بالشجاعة الجامحة، بعيدا عن الجثة، ولكنه كان يعتمد دائما على قوته، وصار يهجم عليهما مقاتلا، ويقف ويصيح عاليا، غير أنه لم يتراجع إلى الخلف قيد أنملة. وكما يفشل رعاة المزرعة في إقصاء ليث غضنفر عن جثة، عندما يعضه الجوع، هكذا أيضا لم يفلح الأيانتيس المحاربان، في إرهاب هكتور بن بريام وإبعاده عن الجثة. وقد كاد الآن ينجح في سحب الجثة، فيفوز بمجد عظيم، لولا أن أيريس السريعة، هرعت من أوليمبوس تحمل رسالة إلى ابن بيليوس، بأن يتأهب للقتال، دون علم زوس والآلهة الآخرين؛ إذ أوفدتهما هيرا، فاقتربت منه وتحدثت إليه بكلمات مجنحة، قائلة: انهض يا ابن بيليوس، يا أعظم الرجال بأسا! قدم المعونة إلى باتروكلوس، الذي يدور حوله صراع مرير أمام السفن. والرجال يقتلون بعضهم بعضا، هؤلاء يسعون إلى الدفاع عن جثة الميت، بينما يهجم الطرواديون ليسحبوه إلى طروادة ذات الرياح، ولا سيما هكتور المجيد، الذي يتوق إلى سحبه بعيدا، ويتحرق قلبه شوقا إلى أن يحز رأسه من عنقه الرقيق، ويضعه فوق أوتاد سور المدينة. فانهض، ولا تقبع هنا أكثر من ذلك! وليستبدن الفزع بروحك، من أن باتروكلوس سوف يغدو ألعوبة كلاب طروادة. فعار عليك أن تأتي إليك جثته محتقرة مدنسة.»

ناپیژندل شوی مخ