231

ایلیاډه

الإلياذة

ژانرونه

هكذا تكلم، غير أن أينياس عرف أبولو - الذي يضرب من بعيد - عندما تطلع إلى وجهه، وصرخ بصوت مرتفع ينادي هكتور قائلا له: «أي هكتور، ويا أيها القادة الآخرون، قادة الطرواديين والحلفاء، من العار حقا، أن نتقهقر أمام الآخيين - أحباء أريس - إلى طروادة، مغلوبين على أمرنا بسبب جبننا. لقد أعلن لي أحد الآلهة - وهو واقف إلى جانبي - أن زوس، المستشار الأعلى، لا يزال معيننا في القتال. وعلى ذلك، هيا نتجه فورا نحو الدانيين، ولا تمكنوهم من نقل باتروكلوس المقتول، إلى السفن بسهولة!»

هكذا تكلم، ثم قفز بعيدا إلى مقدمة محاربي الصفوف الأولى، حيث وقف. وانتظم الرجال واتخذوا مواقفهم في مواجهة الآخيين. بعد ذلك طعن أينياس برمحه ليوكريثوس بن أريسباس ورفيق لوكوميديس الجسور، فجرحه. وما إن سقط حتى أشفق عليه لوكوميديس، حبيب أريس، فأقبل إلى جانبه، وبرمية من رمحه البراق أصاب أبيساون، ابن هيباسوس - راعي الجيش - في كبده أسفل سرته. وفي الحال أرخى ركبتيه أبيساون الذي قدم من باونيا العميقة التربة، وكان مبرزا على الجميع في القتال، ما عدا أستيروبايوس. وما إن تردى حتى أشفق عليه أستيروبايوس الصنديد، وانطلق إلى الأمام، وكله عزيمة على مقاتلة الدانيين. بيد أنه لم ينجح في ذلك، وكان قد سبق السيف العذل، فلم يستطع عمل شيء، إذ كانوا محاطين بالتروس من كل جانب، وهم يقفون حول باتروكلوس، يحملون الرماح أمامهم، لأن أياس كان يسير وسطهم جيئة ورواحا، يهاجم كل رجل في شدة وبطش. وأصدر إليهم أمره بألا يتقهقر أي رجل منهم عن الجثة، وألا يقاتل أمام بقية الآخيين كما لو كان مبرزا عليهم أجمعين. بل يجب أن يثبتوا في أمكنتهم متراصين حول الجثة، ويقاتلوا يدا ليد.

هكذا أمر أياس القوي، وارتوت الأرض بالدماء القاتمة، وطفق القتلى يتساقطون بكثرة وبسرعة - سواء أكانوا من الطرواديين وحلفائهم الأشداء، أو من الدانيين - لأن هؤلاء أيضا خاضوا معركة لم تخل من دماء، وإن كان عدد من قتلوا منهم أقل بكثير ممن قتلوا من أعدائهم. فقد كانوا يوطدون العزم باستمرار على دفع الهلاك الأكيد عن بعضهم وسط الحشد.

هكذا قاتلوا كالنار المستعرة، تخيم الظلمة فوقهم جميعا، فما كنت تستطيع تبين الشمس أو القمر. وكان جميع الرؤساء واقفين حول ابن مينويتيوس المقتول، بينما قاتل الطرواديون والآخيون - المدرعون جيدا - براحة في الهواء الطلق، تسطع الشمس فوقهم بنورها الحاد. وكانت السماء خالية من السحب فوق الأرض كلها والجبال، فكانوا يقاتلون مع فترات من الراحة بين آن وآخر، متحاشين رماح بعضهم الآخر، تلك الرماح المليئة بالأنين، وقد وقفوا متباعدين. أما أولئك الذين كانوا في الوسط فقد قاسوا الويلات من الظلام والحرب، على حد سواء. وكان البرونز العديم الرحمة يشدد خناقه عليهم، وكلهم من الرؤساء. ومع كل ذلك فإن اثنين من مشاهير المقاتلين - هما ثراسوميديس وأنتيلوخوس - لم يكونا يعلمان حتى تلك الآونة أن باتروكلوس المنقطع المثيل قد مات، بل ظنا أنه ما زال حيا، يقاتل الطرواديين في مقدمة الجمع. وكانا يقاتلان في مكان بعيد ، وهما يصدان الموت عن زملائهما، إذ كان نسطور قد أمرهما بذلك، عندما حثهما بالذهاب إلى المعركة من السفن السوداء.

إذن فطوال اليوم كله، كان الصراع الشديد لقتالهم الطاحن يسير على قدم وساق، وكانت ركب الرجال وسيقانهم وأقدامهم قد ابتلت بعرق الكد، وكذا سواعدهم وعيونهم. بينما قاتل الجيشان حول الرجل العظيم، خادم أخيل السريع القدمين. وكما يحدث عندما يعطي المرء قومه جلد ثور ضخم رطب كي ينشروه، وقد ابتل جميعه بالدهن، فبعد أن يأخذوه، يقفون في دائرة ويشدونه وفي الحال تتلاشى منه الرطوبة، ويتسرب منه الدهن من جراء شد الأيدي الكثيرة، ويتمدد الجلد كله إلى أقصى درجة.

4

هكذا كانت حالهم وهم يشدون الجثة - من هنا وهناك، وإلى هنا وهناك - في مسافة قصيرة، وقلوبهم داخل صدورهم تحدوها الآمال. فيرجو الطرواديون أن يتمكنوا من سحبها إلى طروادة، بينما يرجو الآخيون أن يسحبوها إلى السفن الجوفاء. وازدادت المعركة حول الجثة وحشية، ولم يستطع أريس المثير الجيوش، ولا أثينا - عند رؤيتهما ذلك الصراع - أن يخففا من حدته، رغم أن غضبهما كان بالغ الشدة!

فرض زوس مثل هذا النضال الشرير - في ذلك اليوم - على الرجال والجياد حول باتروكلوس. وحتى تلك الساعة لم يكن أخيل العظيم يعلم شيئا عن مقتل باتروكلوس؛ لأنهم كانوا يقاتلون بعيدا عن السفن السريعة، تحت حائط الطرواديين. ومن ثم لم يدر بخلد أخيل أبدا أنه مات، بل كان يعتقد أنه سيعود حيا بعد أن يصل إلى الأبواب. ولم يكن يتصور قط، أن باتروكلوس سيجتاح المدينة بدونه - بل ولا في صحبته - لأنه كثيرا ما سمع هذا من أمه، وهو يصغي إليها سرا، كلما جاءته بخبر عن نوايا زوس العظيم. ومع ذلك فإنها لم تنبئه بالشر العظيم الذي حدث؛ بأن رفيقه - الذي يعزه فوق كل شيء - قد قتل!

أحزان جوادي أخيل!

ولكن الآخرين ظلوا يناضلون حول الجثة - بسهام حادة في أيديهم - نضال المستميت. وطفقوا يقتلون بعضهم بعضا. وهكذا كان الآخيون المتدثرون بالبرونز يقولون لبعضهم: «أيها الأصدقاء، لا يشرفنا قط أن نعود ثانية إلى السفن الجوفاء بل فلتنشق الأرض السوداء هنا وتبتلعنا كلنا، فهذا أفضل لنا إذا اضطررنا إلى تسليم هذا الرجل للطرواديين - مستأنسي الخيول - ليسحبوه إلى مدينتهم ويفوزوا لأنفسهم بالمجد!»

ناپیژندل شوی مخ