226

ایلیاډه

الإلياذة

ژانرونه

هكذا تكلم، فلم يعص أبولو أمر أبيه، بل هبط من تلال أيدا إلى وطيس المعركة المفزع. وفي الحال رفع ساربيدون العظيم بعيدا عن منطقة الرماح. ولما انتهى من حمله بعيدا، غسله في مجاري النهر المائية، ودهنه بالأمبروسيا، ولفه بعباءة خالدة، وسلمه لحملين ذوي سرعة بالغة، ليحملوه إلى الشقيقين التوءمين - النوم والموت - اللذين وضعاه بسرعة في أرض لوكيا الفسيحة الخصيبة.

بين باتروكلوس وهكتور!

راح باتروكلوس ينادي على جياده، وأتوميدون يطارد الطرواديين واللوكيين، وقد استولت عليه غفلة عمياء، فما أحمقه! فلو وعى كلمة ابن بيليوس، لنجا حقا من مصير الموت الأسود الشرير، غير أن نية زوس أقوى دائما من نية البشر، فهو يدفع الرجل الشجاع، لكي يسلبه النصر بسهولة، ثم يعود من تلقاء نفسه فيثير البشر إلى القتال. وهكذا أثار روح باتروكلوس في صدره!

فمن تراه كان أول، ومن كان آخر من قتلتهم يا باتروكلوس، عندما استدعتك الآلهة إلى الموت؟ كان أولهم أدراستوس، وأوتونوس، وأيخيلوس، وبيريموس بن ميجاس، وأبيستور وميلانيبوس، وبعد ذلك ألاسوس، وموليوس، وبولاريتس، هؤلاء قتلهم، أما الآخرون فقد ركن كل منهم إلى الفرار!

وعندئذ كاد أبناء الآخيين يستولون على طروادة - العالية الأبواب - على يدي باتروكلوس؛ لأنه كان ثائرا برمحه، حوله وأمامه، لولا أن «أبولو» اتخذ وقفته فوق السور المتين البناء، وهو يفكر في هلاكه، ويحمل المعونة للطرواديين. ثلاث مرات وضع باتروكلوس قدمه فوق ركن من السور الشامخ، وثلاث مرات دفعه أبولو إلى الوراء، مبعدا الدرع البراق بيديه الخالدتين. بيد أنه لما هجم للمرة الرابعة وكأنه إله، صاح فيه أبولو صيحة مفزعة، وتحدث إليه بكلمات مجنحة قائلا: «ارجع يا باتروكلوس، يا سليل زوس. إنني أخبرك أنه ليس مكتوبا أن تسلب مدينة الطرواديين الأمجاد برمحك، ولا برمح أخيل، الذي يفضلك بمراحل!»

هكذا تكلم، فتقهقر باتروكلوس إلى الخلف مسافة كبيرة، متحاشيا غضب أبولو، الذي يضرب من بعيد.

وكان هكتور يقف بجياده القوية الحوافر، عند الأبواب السكابية، إذ كان مشتت الفكر: أيذهب من جديد إلى الشغب ويقاتل، أم ينادي الجيش ويحشده وراء السور ؟ وبينما هو في تفكيره هذا، اقترب منه «أبولو» في صورة شاب قوي هو أسيوس خال هكتور مستأنس الجياد - وشقيق هيكابي، وابن دوماس - الذي كان يسكن فروجيا بالقرب من مجاري سانجاريوس المائية. فتكلم أبولو بن زوس، في صورته هذه إلى هكتور قائلا: «أي هكتور، لماذا تكف عن القتال؟ هذا لا يليق بك. ليتني كنت أقوى منك بقدر ضعفي عنك، إذن لآلمك في الحال أن تنسحب من الحرب، ولكن تعال، وقد جيادك القوية الحوافر صوب باتروكلوس، فربما استطعت أن تقتله، فيهبك أبولو المجد!»

هكذا تكلم وعاد ثانية - كإله - وسط صراع الرجال. فأصدر هكتور المجيد أمره إلى كيبريونيس العاقل، بأن يسوق الجياد إلى المعركة. أما أبولو فذهب في طريقه، ودخل إلى وسط الحشد، وأرسل رعبا شريرا على الأرجوسيين، ومنح المجد للطرواديين ولهكتور. فغض هكتور النظر عن بقية الدانيين ولم يحاول قتلهم، وإنما ساق جياده القوية الحوافر ضد باتروكلوس. وإذ ذاك قفز باتروكلوس من عربته إلى الأرض، في الجانب الآخر، وقد حمل في يده اليسرى رمحا، وأمسك بالأخرى حجرا براقا حاد السنان، وقد شد عليه قبضته. ثم ثبت نفسه في الأرض وقذف بالحجر، وبدون خوف من غريمه، لم يجعل رمحه يطير بغير طائل، وإنما أصاب جبهة سائق هكتور - كيبريونيس، الذي كان ابن سفاح لبريام المجيد - بالحجر الحاد، وهو ممسك بأعنة الخيل. فحطم الحاجبين معا، ولم يتحمل العظم، فسقطت مقلتاه إلى الأرض في الثرى، أمام قدميه. فهو من العربة المكينة الصنع كما لو كان غواصا، وفارقت روحه عظامه، ولقد سخرت منه أيها الفارس باتروكلوس، إذ قلت «يا للعجب! انظروا هذا الرجل الخفيف الحركة حقا، ما أنشطه عندما يغوص! ولو كان في اليوم العميق، لأرضى نهم الكثيرين بحثا عن الأصداف، فإني أراه يغطس في السهل بخفة من فوق عربته. حقا لا بد أن بين الطرواديين رجالا يغطسون!»

مصرع باتروكلوس!

وما إن قال باتروكلوس هذا حتى اتجه صوب المحارب كيبريونيس بهجمة الليث الذي يصاب في صدره - وهو يعيث في مزرعة - فإذا بشجاعته تجلب الهلاك عليه، هكذا وثبت يا باتروكلوس متحمسا على كيبريونيس، بينما وثب هكتور في الجهة المقابلة من عربته إلى الأرض. وهكذا اشتبك الاثنان في صراع حول كيبريونيس وكأنهما أسدان فوق ذؤابة جبل، يتقاتلان على ظبي مقتول، وقد عض الجوع كلا منهما، بينما امتلأ فؤاده جرأة، هكذا أيضا، ومن أجل كيبريونيس، كان سيدا صيحة الحرب - باتروكلوس بن مينويتيوس، وهكتور المجيد - يتلهفان إلى أن يمزق كل منهما جسد الآخر بالبرونز العديم الرحمة. وأمسك هكتور الجسد من رأسه، لا يخلي قبضته عنه، وفي مواجهته أمسك باتروكلوس بالقدم بشدة، واشتبك الآخرون حولهما - طرواديون ودانيون - في صراع طاحن. وكما تتنافس الريح الشرقية والريح الغربية على هز غابة كثيفة في ممرات جبل - غابة من الزان والدردار والأثل الأملس اللحاء - فتتلاطم فروع هذه الأشجار، وتهتز أغصانها الطويلة في صخب عجيب، متكسرة ومتحطمة، هكذا أيضا انقض الطرواديون والآخيون، موقعين الهلاك بعضهم ببعض، دون أن يفكر أي الطرفين في الفرار المدمر. فتركزت عدة رماح حادة حول كيبريونيس، وانطلقت السهام المجنحة الغزيرة من أوتار القسي، وارتطم كثير من الأحجار الضخمة بالدروع، بينما كان الرجال يتقاتلون من حوله، ولكنه كان مفترشا دوامة الثرى، عتيدا في قوته، وقد نسي فروسيته.

ناپیژندل شوی مخ