3
وعندما سقط، كان رأسه وفمه وأنفه أسرع وصولا إلى الأرض من ساقيه وركبتيه. في تلك الآونة، صاح أياس بدوره صياحا عاليا، وصرخ في بولوداماس - عديم المثال - بقوله: «أي بولوداماس، فكر مليا، وخبرني بصراحة، ألا ترى أن هذا الرجل كفء لأن يقتل تعويضا عن بروثوينور؟ إنه لا يبدو لي وضيعا، ولا خسيس المولد، بل إنه شقيق أنتينور، مستأنس الجياد، ولربما كان ابنه، لأنه يشبهه في التركيب شبها عظيما.»
هكذا قال، وهو يعرف الحق كله، فاستبد الحزن بقلوب الطرواديين. وما لبث «أكاماس» أن جرح بطعنة من رمحه، وهو يقف إلى جوار أخيه، إذ كان بروخاموس يجر الجثة من قدميها. وأخذ أكاماس يزهو فوقه في اختيال بشع، وهو يصيح عاليا: «أيها الأرجوسيون، يا من تجيدون الرماية بالقوس، ولا تكفون عن التهديد، إن الويلات والمحن لن تصيبنا وحدنا، بل إنكم ستقتلون مثلنا أيضا. انظروا كيف يرقد بروخاموسكم هذا، الذي صرعته برمحي، حتى لا يطول بدماء أخي انتظار الثأر، إن المرء ليتمنى - لهذا السبب - أن يكون معه في الوغى أحد أقربائه، كي يثأر له إذا ما تردى!»
وإذ قال هذا، حزن الأرجوسيون لتهلله، وكان بينيليوس الحكيم القلب هو أكثرهم غيظا، فهجم على أكاماس. ولم يصمد أكاماس أمام هجمة الأمير بينيليوس، ولكن بينيليوس جرح اليونتوس بن فورباس، الغني بقطعانه، ذلك الذي أحبه هرميس أكثر مما أحب الطرواديين جميعا، فحباه بالثراء، وله أنجبت الأم اليونيوس الطفل الوحيد. ولقد أصابه بينيليوس تحت حاجبه - عند محجر عينه - فاقتلع مقلته، ونفذ الرمح خلال العين وخرج من قفاه، فانهار باسطا يديه، ولكن بينيليوس سحب سيفه البتار، وهوى به على عنقه، فأطاح برأسه والخوذة على الأرض بعيدا. وظل الرمح القوي ساكنا في داخل عينه، فرفعه بينيليوس عاليا كأنه ثمرة الخشخاش، وأراه للطرواديين وهو يزهو قائلا: «أيها الطرواديون، أستحلفكم أن تطلبوا إلى والد ووالدة اليونيوس الفخور، أن يقيما مأتما في ساحاتهما، فإن تبتهج زوجة بروماخوس بن اليجينور بمجيء زوجها المحبوب، عندما نعود نحن شباب الآخيين بسفننا من أرض طروادة!»
هكذا قال، فتملكت الرعدة أطرافهم جميعا، وراح كل رجل يتلفت حوله ليبحث عن مهرب من الهلاك الشامل.
خبرنني الآن، يا ربات الشعر، يا من لكن مساكن فوق أوليمبوس: من كان أول الآخيين، الذي حمل بعيدا غنائم المحاربين الملوثة بالدماء، عندما بدل مزلزل الأرض المعروف سير المعركة؟ لقد كان أياس بن تيلامون هو الأول حقا؛ إذ أصاب «هوريتوس بن جوريتوس»، قائد الموسينيين الجريئي القلوب، واستولى أنتيلوخوس على الأسلاب من «فالكيس» و«ميرميروس»، كما أن ميريونيس قتل «موروس» و«هيبوثيون»، وجندل تيوكر «بروتئون» و«بيريفيتيس» وأحدث ابن أتريوس بخاصرة «هوربيرينور» - راعي الجيش - جرحا، فأخرج البرونز أحشاءه بمجرد أن مزقها الرمح وهو ينفذ في جوفه، فأسرعت روحه تفيض خلال الجرح، وخيمت الظلمة على عينيه. بيد أن أياس السريع - ابن أويليوس - قتل معظم الرجال؛ إذ كان يفوقهم جميعا في المطاردة، لسرعة قدميه وسط صخب الرجال، عندما كانوا يفرون، وقد أوقع زوس الذعر في قلوبهم!
الأنشودة الخامسة عشرة
«... وكان قد استرد قوته منذ برهة، وبدأ يعرف زملاءه من حوله، وقد كف عن اللهث والعرق، إذ ردت إليه الحياة، بمشيئة زوس حامل الترس ...»
كيف استيقظ «زوس» فأمر «أبولو» بأن يرد إلى «هكتور» وعيه وقوته، وأن يسخر الحظ في جانب الطرواديين، وكيف ألقيت النار على سفينة «بروتسيلاوس» ... إلخ.
يقظة زوس!
ناپیژندل شوی مخ