199

ایلیاډه

الإلياذة

ژانرونه

وبعدئذ سار الطرواديون إلى الأمام في حشد متكتل، يقودهم «هكتور» زاحفا إلى الأمام مباشرة، كصخرة تتدحرج على سفح، وقد دفعها ماء الشتاء الدافق من رأس تل، بعد أن هشم أسسها الصخرية العنيدة بفيضانه العجيب، فراحت تتطاير عاليا، فتردد الغابة ضجيجها، وهي تجري في طريقها، لا يعوقها شيء، حتى تصل إلى السهل المستوي، فلا تمضي في التدحرج رغم كل اندفاعها، هكذا ظل هكتور حينا، يهدد في استخفاف بأن يشق طريقه إلى البحر خلال أكواخ الآخيين وسفنهم، ذابحا من يتصدى له، ولكنه حين واجه الكتائب المتراصة، توقف عندما ازداد منها اقترابا! أما أولئك الذين كانوا في الجانب الآخر - أبناء الآخيين - فقد شهروا السيوف والرماح ذات الحدين إلى الأمام، فردوه بعيدا عنهم. حتى تقهقر واضطر إلى النكوص على عقبيه، فأطلق صيحة مدوية، مناديا الطرواديين: «أيها الطرواديون واللوكيون والدردانيون المبرزون في الالتحام، اثبتوا في موقفكم، فإن الآخيين لن يدفعوني إلى الوراء طويلا، بالرغم من أنهم قد نظموا أنفسهم على شكل حصن. كلا بل إنني لا أعتقد أنهم سيتراجعون أمام رمحي، إذا صح أن الذي حثني على القتال هو كبير الآلهة، زوج «هيرا» الذي يرعد عاليا.»

قال هذا، فألهب قوة كل رجل وروحه. وأقبل في وسطهم عندئذ «دايفوبوس بن بريام». يسرع الخطى بقلب جسور، رافعا أمامه ترسه المتزن تماما من كل جانب، فكان يخطو إلى الأمام خفيفا على قدميه، تحت ستار ترسه. فصوب «ميريونيس» رمحه البراق نحوه، وقذفه فلم يخطئ الهدف، ولكنه أصاب الترس المصنوع من جلد الثور، المتزن تماما من كل جانب. غير أن الرمح لم ينفذ خلاله، كلا، فقبل أن يحدث ذلك، تحطم نصل الرمح الطويل على وسط الترس. وإذ ذاك أمسك «دايفوبوس» بالترس بعيدا عنه، وقد استبد بقلبه الخوف من رمح «ميريونيس» الحكيم القلب، ولكن البطل تراجع وسط حشد رفاقه، وقد اشتد به السخط لضياع النصر والرمح منه، حتى إنه راح يرتجف. وانطلق يسعى إلى أكواخ وسفن الآخيين ليحضر رمحا طويلا كان قد تركه في كوخه.

ولكن الباقين ظلوا يقاتلون، ودوت في الفضاء صيحة لا تخبو. وكان «تيوكر بن تيلامون» أول من قتل غريمه، وهو الرماح «أمبريوس مينتور» صاحب الخيول الكثيرة، والذي كان يقيم في بيدايوم قبل أن يجيء أبناء الآخيين، وتزوج من «ميديسيكاستي» ابنة بريام، فلما أقبلت سفن الدانيين المقوسة عاد ثانية إلى طروادة، وكان مبرزا بين الطرواديين وعاش في منزل بريام، الذي عامله كما لو كان من أولاده، وكان هو الذي أنفذ ابن تيلامون رمحه الطويل أسفل أذنه، ثم سحبه ثانية، فسقط الرجل كأنه شجرة دردار ضربت بفأس برونزية فهوت من فوق قمة تل يرى على البعد، وصافحت أوراقها الغضة سطح الأرض، هكذا سقط هو، ومن حوله جلجلت عدته الحربية المرصعة بالبرونز. وانقض «تيوكر» تواقا إلى أن ينزع عنه عدته الحربية، ولكن «هكتور» دفع نحوه رمحه اللامع، وهو مقبل. بيد أن تيوكر نظر إليه في ثبات، وتحاشى الرمح البرونزي بمسافة بسيطة، فأصاب «هكتور» برمحه «أمفيماخوس بن كتياتوس بن أكتور»، في صدره وهو مقبل إلى المعركة، فسمع لوقوعه صوت مكتوم، ومن فوقه صلصلت عدته الحربية.

وإذ ذاك أسرع «هكتور» لينزع عن رأس «أمفيماخوس» العظيم القلب خوذته المربوطة إلى صدغيه، غير أن «أياس» صوب طعنة برمحه اللامع إلى «هكتور» وهو مقبل، فلم يقدر للرمح أن يصل بحال ما إلى جسمه - لأنه كان متدثرا كله بالبرونز المخيف - وإنما أصاب حلية ترسه، ودفعه إلى الوراء بقوة عنيفة، حتى إنه تقهقر إلى الخلف وابتعد عن الجثتين، فسحبهما الآخيون بعيدا. ثم نقل «ستيخيوس» و«مينيسثيوس» - قائدا الأثينيين - أمفيماخوس إلى مؤخرة جيش الآخيين، أما «أمبريوس» فقد حمله البطلان «أياس» معا، بقلبين مفعمين بجرأة طائشة. وكما يحدث عندما يحمل أسدان عنزة اختطفاها من الكلاب الحادة الأنياب، إلى داخل الدغل الكثيف، ممسكين بها بين أنيابهما عاليا عن الأرض، فهكذا حمل المحاربان «أياس» المحارب «أمبريوس» عاليا، وخلعا عنه عدته الحربية. وفصل ابن أوليوس الرأس عن العنق الرقيق - وهو ناقم لمقتل «أمفيماخوس» - وأرسله يتدحرج كالكرة خلال الحشد، فسقط على الثرى أمام قدمي «هكتور».

مغامرات أيدومينيوس!

وهنا غلى مرجل غضب «بوسايدون»، إذ أبصر ابن ابنه يسقط في الصراع الرهيب. فانطلق بمحاذاة أكواخ وسفن الآخيين ليثير حمية الدانيين، وقد أضمر الأحزان للطرواديين. فقابله هناك «أيدومينيوس» - المشهور برمحه - وهو منصرف من عند زميل له كان قد عاد إليه لساعته مقبلا من ميدان القتال، مصابا في ركبته بالبرونز الحاد، وقد حمله رفاقه إلى هناك، وعهد به «أيدومينيوس» إلى الحجامين،

2

ثم سعى إلى كوخه؛ إذ كان لا يزال متلهفا إلى خوض غمار القتال. فخاطبه السيد، مزلزل الأرض، محاكيا صوت «ثواس بن أندرايمون»، الذي كان سيدا على الأيتوليين في كل من بليورون، وكالودون الجبلية. وكان القوم يبجلونه كما لو كان إلها، فقال له بوسايدون: «أي أيدومينيوس، يا مستشار الكريتيين، أين بربك ذهبت التهديدات التي هدد بها أبناء الآخيين الطرواديين؟»

فأجابه «أيدومينيوس»، قائد الكريتيين قائلا: «أيا ثواس، أعتقد أن ليس بين الرجال ملوم، لأننا جميعا بارعون في الحرب. وما من رجل يتملكه الخوف الرعديد ، ولا أحد يتقهقر من الحرب الشريرة ذعرا وهلعا، ولكن هذه - في اعتقادي - هي إرادة ابن كرونوس القدير، ومسرته القصوى، فإنه يرغب في أن يهلك الآخيون هنا بعيدا عن أرجوس، ولا يشتهر اسمهم. أما وقد كنت يا ثواس في سابق عهدك جريئا في القتال، وكنت كذلك تحث الآخرين كلما رأيت أحدهم يحجم عن القتال، فلا تكف الآن عن ذلك، واصرخ عاليا في كل رجل!»

فأجابه «بوسايدون» - مزلزل الأرض - قائلا: «أي أيدومينيوس، إن كل من يحجم اليوم عن القتال عامدا جدير بألا يعود إطلاقا من أرض طروادة إلى وطنه، بل يصبح هنا نهبا للكلاب. إذن، فانهض الآن، واحمل سلاحك واتبعني، فخليق بنا أن نقوم بذلك معا، عسى أن نتمكن من تقديم أية معونة، رغم أننا لسنا سوى اثنين. فإن الشجاعة تدب - حتى بين الجبناء - من الزمالة، وحين نكون معا نعرف جيدا كيف نقاتل مع الشجعان!»

ناپیژندل شوی مخ