197

ایلیاډه

الإلياذة

ژانرونه

عندئذ، كان «أياس بن تيلامون» أول من صرع غريمه - وهو «أبيكليس» العظيم الهمة، رفيق «ساربيدون» - إذ قذفه بصخرة ضخمة مسننة، كانت أعلى الصخور المجاورة للمتاريس، في داخل السور. ولم يكن من اليسير على أي رجل من البشر أن يمسك بكلتا يديه، ما لم يكن شابا وقويا، ولكن «أياس» رفعها إلى فوق، وطوح بها، فحطم الخوذة ذات القرون الأربعة، وحطم معها جميع عظام رأس «أبيكليس»، فهوى هذا من فوق السور المرتفع كأنه غواص، وفارقت روحه عظامه. أما تيوكر فضرب جلاوكوس الباسل، ابن هيبولوخوس، بسهم فوق السور المرتفع بمجرد أن هجم عليهما - إذ أبصر ساعده عارية بلا غطاء - وبذا كفه عن القتال. فقفز جلاوكوس سرا من فوق السور، حتى لا يلحظ أحد من الآخيين أنه أصيب، ويتيه عليه فخرا، بيد أن الحزن تملك «ساربيدون» لفراق جلاوكوس، بمجرد أن تنبه إلى ذلك، ولكنه رغم ذلك لم يكف عن القتال، بل ضرب بطعنة من رمحه «الكماوون بن ثيسطور»، فأحكم التصويب، ثم سحب الرمح ثانية فجر معه الكماوون، الذي سقط لتوه، ورنت من حوله عدته الحربية، المزدانة بالبرونز، ولكن «ساربيدون» أمسك بالدعامة الحصينة بيدين قويتين، وجذبها بعنف، فإذا بها تنهار بطول الجدار، فأحدث بذلك ثغرة في السور من أعلاه إلى أسفله، سمحت للكثيرين بالمرور خلالها!

بيد أن أياس وتيوكر أقبلا ضده في وقت واحد: فقذفه تيوكر بسهم أصاب حامل ذراعه الواقية حول صدره، ولكن زوس هب لمنع الأقدار عن ابنه حتى لا يسقط عند مقدمات السفن. وقفز فوقه أياس وضرب فوق درعه، غير أن طرف الرمح لم ينفذ فيها، وإن جعله يترنح أمام هجمته. وهكذا تزحزح قليلا عن برج المراقبة، وإن لم يكن قد انسحب من مكانه تماما، إذ كانت روحه تصبو إلى نيل المجد. فأخذ يدور هنا وهناك، مناديا اللوكيين الأمجاد بقوله: «أيها اللوكيون، لماذا تتوانون في شجاعتكم الثائرة؟ من العسير علي وحدي - مهما تكن قوتي - أن أخرق السور وأهيئ طريقا إلى السفن. هيا، اهجموا معي، فكلما كثر الرجال حسن العمل .»

الطرواديون يهدمون السور!

هكذا قال، فتملكهم الخوف من تأنيب مليكهم، وازدادوا هجوما حول الملك صاحب المشورة، وعزز الأرجوسيون الاستحكامات وراء السور، في الجهة المقابلة لهم. وكان العمل أمامهم شاقا. وهكذا لم يكن في استطاعة اللوكيين الأشداء أن يهدموا سور الدانيين، ويحدثوا به ثغرات يصلون منها إلى السفن، ولا كان في مقدور الرماحين الدانيين أن يدفعوا اللوكيين بعيدا عن السور، إذا هم اقتربوا منه، وكما يتشاجر رجلان والقصبات في أيديهما، حول العلامات الحجرية في حقل مشترك، فيناضل كل منهما من أجل نصيبه الحق - في بقعة ضيقة - هكذا أيضا بقيت الاستحكامات تفصل بين هذين الفريقين، وراحوا من فوقها يضربون الدروع المصنوعة من جلد الثور والتي يرتدونها حول صدورهم، والتروس المستديرة، والدرقات الخفيفة. فجرح كثيرون في أجسامهم بطعنات البرونز العديم الرحمة، كلما استدار أحدهم وترك ظهره مكشوفا وهم يقاتلون، كما نفذت الرماح خلال الدروع نفسها وجرحت كثيرين. نعم، لقد كانت الاستحكامات والجدران ملطخة في كل مكان بدم البشر، من كلا الطرفين، طرواديين وآخيين على حد سواء. ومع كل، فإنهم رغم ذلك لم يتمكنوا من إحداث الفوضى بين الآخيين، لأنهم ثبتوا. وكما تمسك المرأة المشتغلة بالغزل، الميزان في يديها، وتضع الصنجة في كفة والصوف في كفة أخرى، حتى تتعادلا، لتكسب أجرا زهيدا لأطفالها. هكذا كانت حربهم ومعركتهم متعادلة سجالا، إلى أن منح زوس مجد النصر لهكتور بن بريام - الذي كان أول من وثب إلى داخل سور الآخيين - فأطلق صيحة حادة مناديا الطرواديين بصوت عال: «هبوا أيها الطرواديون، يا مروضي الجياد، حطموا سور الأرجوسيين، وأضرموا النار المتأججة اللهب وسط السفن!»

هكذا صاح، ملهبا حماستهم، فأصغوا إليه جميعا بآذانهم، وهجموا من فورهم على السور في كتلة واحدة، وصعدوا فوق الدعامات، والرماح الحادة في أيديهم. وتقدم هكتور فأمسك بصخرة - ملقاة أمام الباب - وحملها. وكانت عريضة القاعدة، مدببة الطرف، ينوء بحملها رجلان من الأشداء أولي القوة - ولو كانا أشد القوم - ولا يستطيعان أن يرفعاها من الأرض لتوضع فوق مركبة، إذا كانا من أمثال رجال اليوم. ومع ذلك فقد استخدمها وحده في سهولة ويسر؛ إذ جعل ابن كرونوس - ذو المشورة الملتوية - أمرها سهلا عليه. وكما يحدث عندما يجد الراعي سهولة في حمل جزة كبش، فيرفعها بيد واحدة ولا يكون عبئها ثقيلا عليه إلا قليلا، هكذا أيضا رفع هكتور الصخرة، وحملها من فوره ضد الأبواب الخارجية التي كانت تقي الأبواب الداخلية المغلقة والمتينة القوائم. لقد كانت أبوابا مزدوجة مرتفعة، مثبتة من الداخل بمزلاجين وقفل واحد. فأقبل ووقف عن كثب منها، وثبت نفسه في وقفته، ثم هوى على وسطها بكل قوته، وقد باعد ما بين قدميه، كي لا تفتقر رميته إلى أدنى قوة. فحطم المفصلين، ونفذت الصخرة إلى الداخل من جراء ثقلها، وصرت الأبواب صريرا عاليا من كلا الجانبين، ولم تتحمل المزاليج، فانفتحت الأبواب على مصاريعها هنا وهناك تحت صدمة الصخرة. وعندئذ وثب هكتور المجيد إلى الداخل، بوجه أشبه بالليل الداهم، وقد تلألأ في البرونز البراق الذي تدثر به حول جسده، وحمل في يديه رمحين، فما كان لأحد من التقوا به أن يصده - ما لم يكن من الآلهة - بمجرد أن وثب إلى ما وراء الأبواب. وكانت عيناه تقدحان بالشرر. ثم التفت إلى الجمع، وطلب من الطرواديين أن يصعدوا فوق السور، فاستجابوا لندائه. وفي الحال تسلق بعضهم السور، واندفع البعض الآخر نحو الأبواب المحكمة البناء. وسبق الدانيون في فوضى إلى وسط السفن الجوفاء وانبعث ضجيج غير منقطع.

الأنشودة الثالثة عشرة

«... عندئذ خرجت وحوش البحر تقفز من كل جانب، وانشق البحر أمامه في سرور، فانطلق الجوادان يسابقان الريح، صوب سفن الآخيين.» «بوسايدون» يستحث الآخيين على الذود على سفنهم، و«أيدومينيوس» يبدي بسالة ... إلخ. «بوسايدون» يتدخل في القتال!

أما وقد أحضر «زوس» كلا من «هكتور» والطرواديين إلى السفن، فإنه ترك المتقاتلين لنضالهم وللعناء الذي لا ينتهي. وما لبثت عيناه البراقتان - اللتان حولهما عنهم - أن تطلعتا إلى بلاد الفرسان التراقيين، وبلاد الموسيين - المبرزين في النزال، فردا لفرد - وبلاد «الهيبومولوجي» الأمجاد الذين يشربون لبن الأفراس، وبلاد «الآبيين»، أعظم الناس عدالة. ولم يعد يلتفت نحو طروادة بعينيه المتألقتين، إذ وقر في نفسه أن أحدا من الخالدين لن يقدم على مساعدة الطرواديين أو الدانيين.

بيد أن مزلزل الأرض «بوسايدون» لم يكن غافلا عن مراقبة الحرب والقتال، وقد جلس عاليا فوق أعلى ذؤابة ساموتراقيا الكثيرة الأجمات، إذ كان بوسعه أن يرى من هناك - بوضوح تام - سائر سفوح أيدا، ومدينة «بريام» وسفن الآخيين. فجلس هناك، بعد أن خرج، وهو مشفق على الآخيين الذين هزمهم الطرواديون، وكان غضبه من زوس بالغا.

وفي الحال هبط «بوسايدون» من الجبل الوعر، وتقدم بخطوات سريعة فاهتزت الجبال الشامخة والغابات تحت خطواته الخالدة وهو يسعى، ثلاث خطوات اتخذها في طريقه، وفي الخطوة الرابعة بلغ هدفه: أيجاي، حيث شيد قصره الذائع الصيت في أعماق البحر، ذهبيا براقا، لا يزول أبدا. فوصل إلى هناك، وربط إلى عربته جواديه النحاسيي الحوافر، السريعي الجري، ذوي المعرفتين العسجديتين المرسلتين. وتدثر هو بالذهب حول جسده، وأمسك في يده سوطا من الذهب الجميل الصنع، واعتلى ظهر عربته، وأنشأ يقودها فوق الأمواج. وعندئذ أخذت وحوش البحر تقفز تحته من كل جانب، خارجة من قرار الأعماق، لأنها كانت تعرف سيدها تمام المعرفة. كما انشق البحر أمامه في سرور، فانطلق الجوادان يسابقان الريح، ولم يبتل محور العربة البرونزي أسفلها، وهكذا حمل الجوادان المزهوان سيدهما، صوب سفن الآخيين.

ناپیژندل شوی مخ