144

ایلیاډه

الإلياذة

ژانرونه

وما إن قال هذا حتى حث أثينا التي كانت تتوق إلى القيام بهذه المهمة، فانطلقت هابطة من قمم أوليمبوس، بالسرعة التي يرسل بها ابن كرونوس ذو المشورة الملتوية، نجما منذرا للبحارة أو لجيش جرار من المقاتلين، نجما متلألئا ينبعث منه الشرر غزيرا، فبهذه الكيفية اندفعت «أثينا» إلى الأرض، وقفزت هابطة بين الجيشين، فتملكت الدهشة جميع من رأوها من الطرواديين مستأنسي الخيول والآخيين المدرعين جيدا، فنظر كل واحد إلى جاره وكأنه يقول: «أحقا سنشتبك معا من جديد في حرب فظيعة وقتال مروع، أم أن الصداقة ستقوم بين الجيشين وزوس، الذي يعتبره البشر مدبر القتال؟»

هكذا راح الكثيرون من الآخيين والطرواديين يتحدثون. بيد أن أثينا دخلت بين جموع الطرواديين في صورة «لاودكوس»، ابن «أنتينور»، حامل الرمح الصنديد، تطلب «بانداروس»، شبيه الآلهة، ولكنها وجدت ابن «لوكاون» الشجاع المنقطع النظير، واقفا، ومن حوله الصفوف المتراصة من المقاتلين حاملي التروس، الذين تبعوه من مجاري نلر «إيسييوس» المائية؛ فاقتربت منه ووجهت إليه هذه الكلمات المجنحة: «أيمكن أن تصغي إلي الآن يا ابن «لوكاون» الحكيم القلب؟ وهل تجرؤ على إطلاق سهم سريع على «مينيلاوس»، فتحظى بالتقدير والشهرة في عيون سائر الطرواديين، ولا سيما في عيون الملك «ألكساندر»، الذي ستنال منه، بل تأكيد، هدايا رائعة أمام جميع الآخرين، إذا أبصر مينيلاوس بن أتريوس المحب للقتال، مجندلا بسهمك، وموضوعا فوق كومة الحطب الجنائزية؟ نعم، هيا، وصوب سهمك نحو مينيلاوس المجيد، وتعهد لأبولو، المولود في «لوكيا»، والمشهور بقوسه، بأنك سوف تقدم ذبيحة مئوية عظيمة من الحملان الصغيرة عندما تعود إلى وطنك، مدينة «زيلايا المقدسة».»

هكذا تكلمت أثينا، فأثارت قلب «ابن لوكاون» في حماقته، وفي الحال نزع الغطاء عن قوسه اللامعة المصنوعة من قرن وعل بري، كان قد ضربه تحت صدره وهو مقبل من وراء صخرة، بعد أن كمن له حتى ظهر، فصوب الضربة إلى صدره، وإذ ذاك سقط إلى الوراء داخل شق في الصخرة، وقد ظهرت من رأسه قرون طولها ست عشرة راحة. فتناول القرون رجل ماهر في صناعة الأقواس، وثبتها معا وصقلها وكسا أطرافها بالذهب، وأمسك ابن لوكاون بالقوس، ولواها وهو متكئ على الأرض وأمسك رفاقه الشجعان بتروسهم ووقفوا أمامه، حتى لا يثب أبناء الآخيين المحاربون على أقدامهم لنجدة مينيلاوس كي لا يصاب ابن أتريوس المقاتل. وبعدئذ فتح غطاء جعبته وأخرج سهما، سهما مجنحا لم يسبق إطلاقة قط، سهما مشحونا بالآلام القاتمة، وفي الحال ثبت السهم القاسي إلى الوتر، ونذر نذرا لأبولو، الرب الذئبي المولد، الشهير بقوسه؛ أنه سوف يقدم ذبيحة مئوية عظيمة من الحملان الصغار، عندما يعود إلى وطنه، مدينة زيلايا المقدسة. ثم جذب القوس، ممسكا في الوقت نفسه بالسهم المشحوذ، وبالوتر المصنوع من عروق الثور. جذب الوتر حتى بلغ صدره، ووضع رأس السهم الحديدي في القوس. بيد أنه ما إن لوى القوس العظيمة في شكل دائرة، حتى رنت القوس، وترنم الوتر عاليا، وقفز السهم الحاد، تواقا إلى أن يشق طريقه وسط الحشد!

عندئذ، وا مينيلاوساه! لم يكن الآلهة المباركون، الخالدون، لينسوك. وأمام الجميع هبت ابنة زوس، التي تسوق الغنيمة، والتي كانت تقف أمامك، وأبعدت السهم النافذ. لقد أبعدته عن اللحم، كما تطرد الأم ذبابة عن عيني طفلها الغارق في نوم عذب. وساقته بنفسها إلى حيث كانت خطاطيف الحزام الذهبية مثبتة، والدرع الصدرية تغطي طرف الدرع السفلي، فتلألأ السهم المميت فوق الحزام المثبت بإحكام، وانغرس داخل الحزام الفاخر الترصيع، ثم شق طريقه بقوة إلى الدرع العجيبة الصنع، ثم إلى الدرقة التي كان يلبسها وقاية لجسمه، وحاجزا ضد الرماح، لتكون أهم وسائل دفاعه. ورغم ذلك، فقد نفذ السهم داخل تلك الدرقة واخترق لحم المحارب الخارجي، فتدفق الدم القاتم في الحال من الجرح.

وكما تصبغ السيدة العاج باللون الأحمر القاني، أي سيدة من مايونيا أو كاريا، لتصنع وقاية لأصداغ الخيل، تترك بمخزن المهمات، بينما يتوسل كثير من الفرسان لارتدائها، ولكنها تترك هناك لتكون حلية لجواد ملك، وزهوا لسائقه، هكذا كانت فخذاك، يا مينيلاوس، ملطختين بالدماء، فخذاك المفتولتان وساقاك وعقباك في أسفلهما!

عندئذ ارتجف ملك البشر، أجاممنون ؛ إذ رأى الدم القاتم يتدفق من الجرح، وكذلك اضطرب مينيلاوس نفسه، العزيز لدى «أريس». غير أنه عندما أبصر طرف السهم بلا لحم، عادت روحه ثانية إلى صدره. فأمسك أجاممنون مينيلاوس بيده وتكلم وسط الجموع، وصوته يتهدج ثقيلا، كما كان رفقاؤه يئنون، فقال: «أخي العزيز، يبدو لي أنني نذرت تلك الذبيحة من أجل موتك، وعرضتك وحدك في مقدمة الآخيين لتقاتل الطرواديين، الذين أصابوك بهذه الطريقة، وداسوا بأقدامهم عهود الإخلاص. ومع ذلك فلا يوجد نذر قط بغير أثر، وكذلك دماء الحملان وسكائب الشراب من الخمر الصافية، ومصافحة الأكف التي بمقتضاها ضمنا ثقتنا فيهم؛ فإنه حتى إذا كان الأوليمبي لم يحقق الرجاء حتى الآن، إلا أنه سوف يحققه فيما بعد، وسيكفر الناس غاليا، إما برءوسهم أو بزوجاتهم أو بأطفالهم! لأنني متأكد من هذا في قلبي وروحي، سيأتي اليوم الذي تسقط فيه طروادة، وكذا بريام وشعب بريام، ذوو الرماح الجيدة المصنوعة من خشب الدردار. وسوف يقوم زوس بن كرونوس، الجالس فوق عرشه عاليا، والساكن في السموات، وينثر بنفسه فوقهم كل مصائبه القائمة، غاضبا من هذه الخديعة. حقا، لا بد أن تتحقق هذه الأمور. ومع ذلك، فإذا قدر لك أن تموت وينقضي أجلك من الحياة، فإن حزنك العميق سيكون حزني، يا مينيلاوس، وأعود كأحقر إنسان إلى أرجوس الظامئة؛ لأن الآخيين سرعان ما سوف يتذكرون وطنهم، وعندئذ يجب علينا أن نترك لبريام والطرواديين فخرهم، وكذا هيلينا الأرجوسية. أما عظامك فسوف تبليها التربة وأنت راقد في أرض طروادة دون أن تتم رسالتك، وعلى ذلك سوف يقول كثير من الطرواديين المتغطرسين وهم يقفزون فوق قبر مينيلاوس المجيد: «ليت الأمر يكون هكذا في كل شأن حتى يتحقق لأجاممنون غضبه، كما حدث أن قاد إلى هنا جيشا من الآخيين لغير ما هدف، وا حسرتاه! لقد رحل إلى وطنه العزيز بسفن خاوية، تاركا هنا مينيلاوس النبيل.» هكذا سيتقول بعض الناس فيما بعد، عندئذ أتمنى أن تنشق الأرض الفسيحة وتبتلعني.»

ولكن مينيلاوس الجميل الشعر تكلم وشجعه قائلا: «ليكن فرحك عظيما، ولا تفرغ جيش الآخيين بأية حال، فإن السهم لم ينفذ في موضع قاتل؛ إذ أوقفه حزامي المتألق، وكذا طرف الدرقة تحته، والدرع التي صنعها النحاسون.»

عندئذ رد عليه الملك أجاممنون بقوله: «ليت الأمر كذلك يا عزيزي مينيلاوس، ولكن الطبيب سوف يفحص الجرح ويضع فوقه الحشائش الطبية التي تشفيه، فتكف بذلك آلامك الممضة.»

ثم تحدث إلى «تالثوبيوس»، الرسول الشبيه بالآلهة، قائلا: «أي تالثوبيوس، عجل باستدعاء «ماخاون»، ابن إسكليبيوس، ذلك الطبيب العظيم، ليرى المحارب مينيلاوس بن أتريوس، الذي أصابه سهم شخص متمرن على الرماية، طروادي أو لوكي، فنال المجد لنفسه، وجر علينا الأحزان.»

هكذا قال أجاممنون، ولم يحجم الرسول عن الإصغاء وهو يستمع، فانطلق في طريقه عبر جيش الآخيين ذوي الحلل البرونزية، يطل هنا وهناك، باحثا عن المحارب ماخاون، فأبصر به واقفا، ومن حوله الصفوف المتراصة من الجيوش حاملة التروس التي تبعته من تريكا، مرعى الخيول، فتقدم إليه وخاطبه بكلمات سريعة قائلا: «انهض يا ابن إسكليبيوس، إن الملك أجاممنون يستدعيك لترى مينيلاوس المحارب، قائد الآخيين، الذي أصابه بسهم رجل ما، بارع في الرماية، طروادي أو لوكي، فنال بذلك المجد، وجر علينا الآلام.»

ناپیژندل شوی مخ