Tydeus ،
14
وسادسهم أوديسيوس، نظير زوس في الرأي والمشورة، ولم يكن في حاجة إلى استدعاء أخيه «مينيلاوس»، صاحب صيحة الحرب المدوية، الذي كان يعلم كم كان الحمل ثقيلا على أجاممنون فجاء من تلقاء نفسه! ولما التفوا حول الذبيحة، والتقطوا حبات الشعير، قام الملك أجاممنون يصلي وسطهم قائلا: «أي زوس، أيها الأمجد، أيها الأعظم، يا ملك السحب القاتمة، يا ساكن السماء، فلتمن علينا بألا تغيب الشمس، ولا يخيم الظلام علينا، قبل أن أهدم قصر بريام - الذي صبغه الدخان باللون الأسود - وأضرم النيران في أبوابه، وأشق عباءة هكتور من فوق صدره برمحي البرونزي، ويتجندل حوله زملاؤه جماعات فيسقطون صرعى في التراب ويعضون الأرض بأسنانهم.»
هذا ما قاله، ولكن ابن كرونوس لم يكن راغبا بعد في أن يمنحه ما تمناه. حقا، لقد قبل ذبيحته، ولكنه في نظير ذلك بعث إليه بالكوارث مضاعفة؟ وبعد أن صلوا ونثروا حبات الشعير، سحبوا رءوس الضحايا إلى الوراء أولا، ثم قطعوا رقابها، وسلخوها، ثم قطعوا أجزاء الأفخاذ وكسوها بطبقة مضاعفة من الدهن، ووضعوا فوقها لحما نيئا. ثم أحرقوا هذه فوق قطع من أغصان الكروم نزعت أوراقها، أما الأجزاء الداخلية فقد وضعوها في السفافيد وحملوها فوق لهب هيفايستوس. وعندما تم احتراق قطع الأفخاذ وتذوقوا من الأجزاء الداخلية، قطعوا الباقي وسفدوه، وشووه بعناية، ثم نزعوا الجميع من السفافيد. وعندما كفوا عن العمل وانتهوا من إعداد الطعام، أكلوا. ولم يشك أحد من نصيبه من الوليمة العادلة. وعندما أطفئوا رغبتهم في الطعام والشراب، وقف في وسطهم الفارس «نسطور» الجيريني، وكان أول المتكلمين فقال: «يا ابن أتريوس الأمجد، يا أجاممنون، يا ملك البشر، هيا، فلا نظل محتشدين هنا بعد ذلك، ولا نسوف أكثر من ذلك في العمل الذي وهبنا الله إياه بحق. هيا، ودع منادي الآخيين ذوي الحلل البرونزية يعلنون على الملأ، ويجمعون الجيش داخل السفن. وهيا بنا ننقض هكذا في حشد واحد عبر معسكر الآخيين الفسيح، حتى يمكننا بسرعة أكثر أن نشن معركة طاحنة!»
هكذا تكلم، ولم يفت ملك البشر، أجاممنون، أن يصغي. ومن فوره أمر المنادين ذوي الأصوات الواضحة أن يستدعوا الآخيين ذوي الشعر المسترسل إلى المعركة. فأخذوا ينادون، وسرعان ما احتشد الجيش كله. وأسرع الملوك المنحدرون من زوس، الذين كانوا حول ابن أتريوس، يقودون الجيش، وفي وسطهم «أثينا» البراقة العينين، حاملة الترس الذي لا يقدر بثمن، والذي لا يعرف القدم ولا الموت، والذي يتدلى من مائة هدب من الذهب الخالص، منسوجة كلها بمهارة، وكل هدب منها قيمته مائة ثور. بهذه الصورة كانت الربة تعدو متأنقة وسط جيش الآخيين، تحثهم على المضي قدما إلى الأمام، وتثير الحمية في قلب كل رجل إلى الحرب وإلى القتال دون هوادة، حتى أضحت الحرب بالنسبة إليهم خيرا من العودة في سفنهم الجوفاء إلى وطنهم المحبوب!
وكما تشتعل النار الآكلة اللهب في غابة مترامية الأطراف على قمة جبل، فيرى وهجها من بعيد، هكذا أيضا تألق البريق الذي يبهر الأنظار من أسلحتهم البرونزية التي لا حصر لها، وهم يسيرون إلى الأمام، حتى بلغ عنان السماء، مخترقا الفضاء.
وكما تطير فصائل الطير المجنحة: الأوز البري، أو الكراكي، أو البجعات الطويلة الأعناق ، فوق المروج الآسيوية بالقرب من مجاري كاوستريوس المائية، تارة هنا وطورا هناك، مزهوة بقوة أجنحتها، تستقر على الأرض ولا يزال بعضها يتقدم إلى الأمام، وهي تصيح عاليا، بينما المرح يدوي بالأصداء. هكذا أيضا راحت قبائلهم العديدة تتدفق من السفن والأكواخ إلى سهل سكاماندر
Scamander ، فدوت الأرض دويا عجيبا تحت أقدام الرجال والخيل. واتخذوا أماكنهم في مرج سكاماندر المزهر، في أعداد لا تحصى، بقدر عدد أوراق الأشجار وأزهارها في موسمها!
وكما تطن أسراب الذباب الكثيرة المتجمعة هنا وهناك خلال حظيرة الراعي في فصل الربيع، عندما يبلل اللبن الدلاء، هكذا وقف الآخيون ذوو الشعر المسترسل، في أعداد غفيرة، فوق السهل في مواجهة رجال طروادة، يتحفزون إلى تمزيقهم إربا!
وكما يفرق رعاة الماعز، في سهولة، قطعان الماعز المنتشرة في مساحات واسعة، عندما تنزل إلى المرعى، هكذا وزعهم قادتهم في هذا الجانب أو ذاك ليدخلوا إلى المعركة، ومن بينهم الملك أجاممنون، الذي يشبه زوس قاذف الصواعق، في عينيه ورأسه، أما خصره فشبيه بخصر أريس، وصدره كصدر بوسايدون. وكما يقف الثور وسط القطيع كرئيس أكبر للجميع، لأنه أبرز ما في القطيع، كذلك جعل زوس أجاممنون في ذلك اليوم، أبرز الجميع، وأكبر زعيم بين المحاربين!
ناپیژندل شوی مخ